الأهالي لا يعرفون بيوتهم.. الرقة مدينة مدمرة



تنهمر الدموع على وجنتي (آسيا) المليئتين بالنمش، وهي تنظر من حولها إلى الزجاج المتناثر والمحال المهدمة والمقاهي المهشمة، في ما كان من قبلُ شارعَها المفضل للتسوق في مدينتها الرقة، وفي المقعد الخلفي لسيارةٍ تتجول ببطء في شارع تل أبيض في مدينة الرقة، قالت آسيا (35 عامًا): “هذه كانت أحلى بلد، يا الله”، وتطل من نافذة السيارة إلى الشارع، مضيفةً: “انظروا حولنا، انظروا إلى منازلنا.. كيف سنستطيع العيش!”.

حصلت مجموعة صغيرة من المدنيين من أقارب مقاتلين في (قسد)، ومسؤولين محليين نازحين من مدينة الرقة، يومَ الجمعة الماضي 20 تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، على تصريحٍ لدخول المدينة ليوم واحد فقط، وشارك المُصرَّح لهم بالدخول في الاحتفال، في الملعب البلدي وسط المدينة، والذي أقامته (قسد) احتفالًا بسيطرتها المطلقة على المدينة، وتمكّن بعضهم من رؤية ما تبقى من منازلهم. وفقَ تقرير نشرته وكالة (فرنس برس).

رصد التقرير حجم وشكل الدمار في المدينة بالاستناد إلى شهادات المدنيين الذين تمكنوا من الدخول، في ما وصفه بأنه “ترك عليهم وقعَ الصاعقة”، من هول شدته، فيما لم يتمكن قسمٌ منهم من معرفة قريته التي ينتمي إليها أو حتى منزله.

(آسيا) واحدة من المدنيين القلائل الذين تمكنوا، يوم الجمعة، من دخول مدينة الرقة، بعد ثلاثة أيام على دحر (داعش) منها وسيطرة قوات (قسد) المدعومة أميركيًا عليها كليًا، حاولت خلال جولتها في السيارة البحثَ عن منزلها، وبعد أن وجدته؛ قالت: “قُصِف منزلي. رأيته، ويا ليتني لم أره. عرفته من أغراضي على الأرض، يا ليتهم سَرقوها وبقيت الجدران”.

كانت (آسيا) تنتظر اللحظةَ التي ستتمكن فيها من العودة إلى الرقة التي فرّت منها إلى مدينة الطبقة التي تبعد 70 كيلو مترًا إلى الغرب من الرقة، وسيطرت عليها (قسد) في وقتٍ سابق من العام الحالي، إلا أنها بعدما رأت الدمار الذي حل بمدينتها، قالت: “صُدمت بما رأيت، ويا ليتني لم أعد. كنا نقول سنترك منزلنا في الطبقة ونعود الى الرقة، ولكن كيف؟. الآن لا أريد أن أعود. كل الذكريات الحلوة أصبحت مأسوية”.

لم يتمكن المدنيون من دخول منازلهم أو الاقتراب من أنقاضها، خوفًا من الألغام التي تركها (داعش)، ويعمُّ الدمار مدينة الرقة بالكامل؛ ما يجعل من الصعب التعرّف على معالمها، لكن من الممكن تحديد بعض الأماكن، من خلال لافتة تشير إلى عيادة طبيب أطفال أو بقايا قماش وآلات حياكة في متجر. وقدّرت الأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر الماضي “أن 80 في المئة من مساحة الرقة باتت غير قابلة للسكن، وتعاني المدينة حاليًا من غياب كامل للبنية التحتية الأساسية”.

يوجد في الأحياء الواقعة على أطراف المدينة، والتي تمت استعادتها في بداية الهجوم ضد (داعش) الذي بدأ مطلع  حزيران/ يونيو الماضي، منازل مدمرة وأخرى انهار سقفها أو خُلعت أبوابها، “إلا أن المشهد بدا صادمًا في وسط المدينة، وكأن حارات تحوّلت بأكملها إلى أنقاض، فلم يعد من الممكن التفريق بين منزل ومتجر، كل شيء بات مجرد جبال من الركام، حجارة وأنابيب وأسلاك”. وفقًا للوكالة.

فوجئ أعضاء من (مجلس الرقة المدني) الذي من المفترض أن يتسلم إدارة المدينة وملف إعادة إعمارها، بهول ما رأوه من دمار من جراء المعارك الضارية التي دامت أكثر من أربعة أشهر، في هذا الصدد، أوضحت المحامية والعضو في المجلس فاضلة الخليل (34 عامًا): “لم تبقَ أبنية، ولا بنية تحتية ولا ملامح حياة نهائيًا”، مضيفةً: “دخلتُ الرقة وفعلًا لم أعرفها، كل شيء ممزوج بالدمار، لم أعرف الشوارع والمباني”.

قبل أسابيع فقط، كان محمد حمود، أحد أبناء الرقة، يعرض مع زملائه في لجنة إعادة الإعمار في (مجلس الرقة المدني) خطتهم لبدء العمل في المدينة، وقد قسّموا العمل إلى أجزاء، على أن يبدأ من أطراف المدينة إلى داخلها، ومن إزالة الألغام إلى رفع الأنقاض والنفايات، ثم إعادة تأهيل شبكات المياه والكهرباء والصحة والمدارس، إلا أنه صُعق بحجم الدمار، ويقول الشاب البالغ من العمر 27 عامًا: “عندما دخلنا إلى المدينة؛ تغيّرت خططنا تمامًا. الوضع أسوأ بكثير مما كنت أتخيله”.

تتوقع الأمم المتحدة وأجهزة غير حكومية أن يتطلب تنظيف الرقة وإعادة إعمارها جهودًا مالية ضخمة، وشهورًا قبل أن تعود إليها الحياة، فيما تؤكد منظمات دولية أن “القوى المُحرِّرة”: (قسد) والولايات المتحدة الأميركية، لم تعدّ العدة لإعادة بناء الرقة، ويبدو بوضوح غيابُ استراتيجيتها حول مستقبل هذه المدينة المنكوبة التي نزح منها ما يفوق 300 ألف مدني.


جيرون


المصدر
جيرون