واشنطن بوست: مشهدٌ مبهر للشمولية الصينية



إعلان في محطة للحافلات في شانغهاي: (نرحب بإنجاح مؤتمر الحزب التاسع عشر) قبل اجتماع الحزب الشيوعي الصيني الذي يبدأ هذا الأسبوع. (أندي وونغ/ أسوشيتد برس)

عندما ينعقد مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني، في بكين يوم الأربعاء 18 تشرين الأول/ أكتوبر؛ سيحظى العالم بمشهدٍ مبهر للسلطة والتعليمات. ستُغطى قاعة الشعب الكبرى بلافتاتٍ حمراء، وشعارٍ ذهبي، وبحرٍ من الزهور. ستكون هناك تقاريرٌ وقراراتٌ وانتخابات، وسيجتمع آلاف المندوبين في قاعةٍ مهيبة، بعضهم باللباس التقليدي، وبعضهم بالزي العسكري، والغالبية باللباس الأسود (الرسمي). جميعهم تقريبًا من الرجال، وكلّهم تقريبًا بشعرٍ أسود لامع بشكلٍ إلزامي، من دون أناقة. سيكون هناك نظامٌ عسكري.

هذا المشهد عبارةٌ عن مزيجٍ من الحقيقة والخيال. تنبؤ السلطة صحيحٌ. وجمهورية الصين الشعبية دولةٌ لينينية. في كلِّ مكتبٍ حكومي هناك سكرتيرٌ للحزب، كما هو الحال في كلِّ وحدةٍ عسكرية، وفي قطاع الدولة أو القطاع الخاص، والمؤسسة، والجامعة، والمدرسة، والحكومة المحلية، والإقليمية، وصولًا إلى كلِّ حيّ في كلِّ بلدةٍ وقرية. يحكم أمناء الحزب، وفق الأوامر التي تأتيهم تراتبيًّا من الأعلى. إنَّهم يراقبون ويعلنون عن المخالفات، ولهم القولُ الفصل في القرارات الكبيرة، والصغيرة.

في شرق آسيا، قوة الصين عسكريةٌ؛ وهذا ما سمح لها بتحويل 1.2 مليون من بحر الصين الجنوبي، بما يعادل 1.4 مليون ميلٍ مربع إلى المياه الإقليمية الصينية، بحكم الأمر الواقع، في واحدةٍ من أكبر عمليات الاستيلاء على الأراضي في التاريخ، وعلى الصعيد العالمي، فإنَّ قوتها اقتصاديةٌ. الشركات في جميع أنحاء العالم وحكوماتها تتجنبُ أيَّ شيءٍ يمكن أنْ يُسببَ الاستياء الصيني. وهم يوقعون على نسخة بكين من “سياسة صين واحدة” للدالاي لاما، ويصمتون تجاه انتهاكات حقوق الإنسان.

مع مبادرة الزعيم تشي جي بينغ: (حزامٌ واحد، طريقٌ واحد)؛ أطلقت الصين برنامجًا عالميًا جريئًا للقوة الاستثمارية.

فالائتمان الصيني يُمكِّن الاستثمارات التجارية والاتصالات خلال آسيا وفي العالم الأوسع، وفي هذه العملية، تؤمّن الصين أغلى موارد القوة التي استبعدت من النظام حتى الآن، إنها تؤمّن الصداقات الدولية. وقد استقرت الإمبريالية الأميركية جزئيًا على تحالفات القوة الناعمة. الآن تتفوق بكين على السيد.

الجزء الخيالي هو التظاهر بالإجراءات. سوف يصدّق المؤتمر على القرارات التي اتخذت بالفعل، والانتخابات التي تُملى عليه. وظهور صنع القرار الجماعي هو للعرض فقط. (تشي) هو أقوى زعيمٍ صينيّ منذ (ماو)، إذ إنه أعاد النظام ثانيةً نحو حكم الرجل الواحد.

على أرض الواقع، وبعيدًا عن واجهة النظام والوحدة، الواقع قاسٍ وقبيح. الناشطون يعتقلون، مع أو من دون إجراءاتٍ قضائية، والبعض منهم اختفى. ويتعرض مثيري الشغب للضرب، في المنزل أو في الاحتجاز، وأحيانًا الضرب حتى الموت، وهناك عددٌ غير معروف من السجناء السياسيين الذين يعاني الكثير منهم من سوء المعاملة والتعذيب. النظام الذي يقدّم نفسه للعالم في مدنيّةٍ مصممةٍ تمامًا يعتمدُ -في زواياه المظلمة- على وحشيةٍ شبيهة بالعصابات.

منذ إنقاذ (دينغ سياو بينغ) دولةَ الحزب من الانهيار بعد الجنون الماوي؛ كان هناك خطّان رئيسان للتنمية: الأول ثابتٌ وقوي، من التقدم الاقتصادي، والآخرُ صاعدٌ وهابط، من الانحدار السياسي. وفي الوقت الراهن، يتباطأ النمو الاقتصادي. وردًا على ذلك، تحت قبضة (تشي) الصارمة، تم تشديد السيطرة الديكتاتورية والرقابة بلا هوادة. حيث يُحتجز الناشطون في مجال حقوق الإنسان، ويعرضون على شاشات التلفزيون، مع اعترافاتٍ مدبّرة. ويتم احتجاز الحركات النسوية لتظاهرهنَّ ضد التحرش الجنسي في وسائل النقل العام، وليس لأنَّ قضيتهن بطريقةٍ ما تخريبية، بل لتنظيمهن خارج النظام الحزبي.

إنَّ الجمع بين هذين التطورين -التقدم اقتصاديًا والتخلف سياسيًا- غريبٌ عن العقل الليبرالي الغربي. بعض الذين يتطلعون إلى الصين متمسكون بالوهم بأنَّ الجمهورية الشعبية هي حكمٌ استبدادي محبٌ للخير، وإنْ كان يحتوي العيوب. ولكنْ هناك العديد من الأنظمة الاستبدادية في العالم، مثل روسيا وتركيا. الصين هي شيءٌ آخر، إنّها دولةٌ حزبية استبدادية جديدة.

لا يوجد أيُّ خلافٍ بين المراقبين بأنَّ الفترة الأولى من حكم (تشي) قد جاءت بتشديد الدكتاتورية. ولكنّ هناك خلافًا حول هذا التشديد إنْ كان مؤقتًا أم دائمًا. ويعتقد البعض أنَّ النظام ممزقٌ نتيجة التناقضات، وأنّه يجب إصلاحه أو تراجعه. أما آخرون، فإنهم يعتقدون أنَّ السبب في تشديد الدكتاتورية هو ضرورة وجود ضوابط أقوى عند مواجهة الأداء الاقتصادي الضعيف، وأنَّ النظام يضمن أنْ يتمكن من التخلص من أيّ تحدٍّ من الجماهير.

كانت هناك دولتان كبيرتان حزبيتان سابقتان في العصر الحديث: ألمانيا النازية التي استمرت 12 عامًا فقط، لكنها استغرقتْ حربًا عالمية لسحقها. والاتحاد السوفييتي الذي عاش لأكثر من 70 عامًا، واستغرق الأمر عقودًا من المواجهة في الحرب الباردة لتفكيكه. التاريخ لا يشير إلى أنَّ الشمولية الصينية سوف تنتهي بسهولة.

مع نهاية المؤتمر بعد أسبوع؛ يكون (تشي) قد قام بالاحتفال، وأعاد تلميع نفسه، وأدخل أكثر زملائه قربًا إلى القيادة. ما سيعرض على الشاشة، هو أكثر من سلطةٍ وتعليمات، إنّه تصميم الحزب المطلق للحفاظ على حكمه.

لقد تعلّم القادة الصينيون من زوال الاتحاد السوفيتي. وعندما يغادر أمناء الحزب قاعة الشعب الكبرى، ويعودون إلى مناصبهم في جميع أنحاء الأرض، سيخبرونهم، وسيخبرون الآخرين بأنَّ نظامهم هو نظامٌ تأديبي من دون معارضة. وسيؤكّد الحزب مجددًا احتكاره لكتابة تاريخه، وتاريخ البلاد ووحدة الحزب والجيش، وقوة الأجهزة الأمنية. وسيحتفل بفضيلة الرقابة، والسيطرة على الإنترنت والدعاية. وستكون أجندته سيطرةً وسيطرةً ثانية.

في الوقت نفسه، نحن الذين نعيش قيَم الحرية والديمقراطية يجب أنْ نقرر أين نقف. عندما ننظر إلى الصين، هل ينبغي أنْ نرى -باستخدام مصطلح هنري كيسنجر- دولةً حضارية تستحق احترامنا؟ أم يجب أنْ نرى دولةً قويةً قمعيةً واستبداديةً، يجب مقاومتها؟

اسم المقالة الأصلي A dazzling spectacle of China’s totalitarianism الكاتب شتاين رينغن، Stein Ringen مكان النشر وتاريخه واشنطن بوست، The Washington Post، 17/10 رابط المقالة https://www.washingtonpost.com/opinions/a-dazzling-spectacle-of-chinas-totalitarianism/2017/10/17/364bf8e4-b296-11e7-9e58-e6288544af98_story.html?utm_term=.6c3b2bda3a38 عدد الكلمات 829 ترجمة أحمد عيشة

 

شتاين رينغن، أستاذ زائر للاقتصاد السياسي في كلية كينغز، لندن، وأستاذ فخري في جامعة أكسفورد، هو مؤلف “الديكتاتورية المثالية: الصين في القرن الحادي والعشرين”.


أحمد عيشة


المصدر
جيرون