إدلب.. مهجّرون يتقاسمون المآسي



عشرات الأطفال والعجائز، مهجرون بلا مأوى يفترشون الأرصفة، يتوسدون الحصى، ويلتحفون السماء، يغطيهم ليل “المدينة”، وسط عجزٍ واضحٍ أمام مشهدٍ كارثي، تعيشه بعض قرى ريف إدلب في الشمال السوري، ومن أبرزها “تفتناز”، و”دركوش”.

قلةٌ من مهجّري ريف دمشق، مَن وجدوا بيتًا صالحًا للسكن، وآخرون وجدوا أنفسهم في غرفٍ صغيرة برفقة عائلات أخرى، يقاسمون بعضهم المنزل والطعام، وكل احتياجات الحياة.

الشاب خالد، أحد مهجري ريف دمشق، والمقيم حاليًا في إدلب المدينة، قال لـ (جيرون): إنّ “المهجرين من ريف دمشق يواجهون أزمة سكنٍ خانقة. نحن نعيش برفقة عائلةٍ أخرى، نتقاسم الوجبات التي تصلنا من بعض الجمعيات، نتدبر أمرنا لنكمل اليوم بصعوبة”.

وأضاف: “كنت وعائلتي، محظوظين يوم وصلنا إلى إدلب المدينة، حيث استقبلنا الأهالي، وفتحوا لنا بيتًا.. لم يطالبونا بأجرة المنزل، ولم نكتب عقدًا. كل ما قمنا به هو بعض الإصلاحات، حيث كانت النوافذ محطمة بفعل الغارات الجوية، وبأمور أخرى لا تكاد تُذكر”.

وتابع: “بعد حصولنا على المنزل، استضفنا أسرةً ثانية فيه، بعد أن ضاقت بهم السبل، إذ إنهم مهجرّون مثلنا من البلدة نفسها في ريف دمشق”، وأشار إلى أنّ “علاقة الأخوة هي ما تربط العائلتين اليوم، إضافة إلى وحدة المصير”. يضحك خالد في ختام حديثه، قائلًا: “سنبقى هنا، حتى نجد طريقًا إلى تركيا، أو نعود إلى بلداتنا التي هُجّرنا منها”.

من جانب آخر، قال ليث، وهو من مهجّري ريف دمشق أيضًا إلى إدلب، لـ (جيرون): “حين وصلنا، قيل لنا: ادخلوا البيت، أنتم ضيوفنا حتى يشاء الله. دفَعَنا كرمهم، بإسكاننا في منزلهم، إلى القيام ببعض الإصلاحات التي دفعْنا كلفتها، على الرغم من حاجتنا الماسة إلى المال”.

تابع ليث، بحرقة: “لم يطل مكوثنا في المنزل طويلًا.. إذ عاد صاحب المنزل من تركيا، وطالبَنا بإخلائه. وما زلت أبحث عن شقةٍ صغيرة تأوي عائلتي، وحتى اليوم لم أوفّق، وتكاد مهلة إخلاء البيت تنتهي”.

في حين كان أبو غسان أفضل حالًا من سابقيه، حيث أعطته (هيئة تحرير الشام) منزلًا، ليجد نفسه اليوم مطالبًا بدفع أجرته لصاحبه الذي ظهر فجأة، بعد عودته من تركيا، حيث يُقدّر إيجار المنزل بنحو ثمانية آلاف ليرة سورية.

لا يُخفي أبو غسان فرحته في الحصول على العمل؛ من أجل سداد إيجار المنزل، وتأمين بعض المسلتزمات الأساسية لعائلته، مشيرًا إلى أنّه “أفضل حالًا من غيره، على الرغم من الغلاء الملحوظ في الأسعار، مقارنةً مع دخله”.

على الرغم من ذلك، يتخوّف أبو غسان، من صعوبة إيجاد توازن بين أجرة المنزل ونفقات الأسرة الشهرية، وقال: “لدى المهجرين، استياءٌ كبير من الوضع المعيشي وصعوبات الحياة، هنا في الشّمال السوري، فضلًا عن أنهم بعيدون عن الديار، لكن لدى البعض الآخر منهم قناعةٌ بأنّ كل الصعوبات التي يعانون منها أفضلُ من البقاء تحت سلطة بشار، ولسان حالهم يقول: (نار إدلب، ولا جنة الأسد)”.

يقدّر عدد سكان محافظة إدلب بنحو مليوني شخص، منهم نصف مليون على الأقل نازحون ومهجرون قسريًا. بحسب إحصاءات صادرة عن منظمات تعمل في المحافظة.


بتول الحموي


المصدر
جيرون