جرحى نظام الأسد بلا علاج ولا تعويض



بينما يظهر بشار الأسد مبتسمًا لـ “يكرّم” أعضاءَ فريق كرة القدم الذي شارك في بعض المباريات، بتوقيع يحمل اسمَه على القميص، نجد في المقابل أن مناشدات وصيحات الجرحى الذين أصيبوا بالمعارك لأجل كرسي حكمه ما زالت تتعالى، لتعبّر عن عمق الألم الذي أصاب “الوطن” أخلاقيًا وإنسانيًا، بسبب الوباء الأسدي.

نشرت، أمس الثلاثاء، صفحة (هنا طرطوس) المؤيدة للنظام على (فيسبوك)، في رسالة موجهة عن الجريح أحمد محمد بدران من منطقة دريكيش، تقول: أصيب بدران في مطار دير الزور “أكثر من مرة”، ولكن إصابته الأخيرة في كانون الثاني/ يناير 2017، كانت “بشظايا متعددة بالرأس، مع ضياع مادي عظمي جبهي، وشظايا بكرة العينين مع فقدان البصر بالعين اليمنى، وشظايا بالكتف والصدر، وضياع عظمي بمرفق اليد اليسرى، وكسر وتحدد بالحركة مع شظايا بالفخذ ومشط اليد اليسرى”.

بعد تحويل بدران إلى مشفى (طرطوس العسكري)، تنقل الصفحة عنه قوله: “حصلتُ على نقاهة أولى وثانية وثالثة، وإلى الآن، لم أتلقَّ أي علاج”، ويتساءل: “إلى متى، وأنا بجمجمة معطوبة وعين عمياء وغيرها”، وهو يطلب المساعدة أو التبرع لإجراء عمليات. وأرفِق المنشور بصورة له في تلك الحالة البائسة.

علق ناجي جديد، وهو أحد متابعي الصفحة باللهجة المحكية قائلًا: “لو عندو واسطة كان فورًا تعالج، بس لأنه فقير ما حدا شايفو”، وأضاف جديد: “شاطرين يلمو الشباب من الشوارع حتى تروح تحارب، وبس تتصاوب بيتخلو عنها، عنجد شي بخلي عنا دافع وطني نلتحق عن قناعة”.

جبر الصباغ دعا عصابات حواجز النظام للتبرع، وكتب: “وين جماعة التشويل والحواجز هزو حالكن شوي، يخرب بيتكن، نفسي تروحو علجبهات مشان تحرموا تسرقوا، وما تتعنطزوا.. كرهتونا حياتنا”، بينما علّق مروان حمدان على النداء بالقول: “إذا بدك تنطر (مشفى طرطوس) العسكري بالعمر ما بتتعالج”، أما تقي الدين تقي فكتب معلقًا: “اتصلو على (اتحاد كرة القدم)، يمكن يحسبوه متل أي لاعب من جماعة السيلفي”.

الصفحة نفسها ذكرت، الشهر الماضي، أن أحد الجرحى لم يجد سيارة إسعاف، وبحث عن سيارة عابرة لنقله. وتضيف: “لا نتوقع أن تشعر حكومتنا بالخجل، فالحكومة التي تخصص عشرات السيارات لخدمة زوجات وأبناء الوزراء والمعاونين والمديرين قد فقدت كل حياء”.

صفحة (مدينة طرطوس) المؤيدة نقلت قبل أسبوع رسالةً من الجريح قسورة علي علي، يناشد رئيسه بشار الأسد ويقول: “نعلم أنك الأب الحنون.. تخيل، لأني جريح، قدمت كل ما أملك من أجل الوطن، وعندما اسأل عن الوظيفة بينط أحد المسؤولين وبيقلك أنتم جرحى الحرب سبب دمار اقتصاد البلد، بعدين كيف بدك تتوظف وجرياتك مقطوعه معاد فينا نستفاد منك شي”، ويتساءل أدمن الصفحة: هل يحتاج هذا الجندي إلى الوظيفة، أليس جديرًا من الحكومة والدولة تخصيص راتب له ولعائلته يعيش منها، ألا يكفيه ما قدّمه من جسده، لنكمل على ما تبقى منه”، تتابع الصفحة معلقة على عودة معارضين أو رياضيين قائلة: “منشان اللي عم يرجعوهن لحضن الوطن وهدول حضن الوطن عم يرفضن ليش! لإنن صارو معاقين”.

وكانت صفحة (لن ننسى) المؤيدة كتبت منذ أيام، تحت عنوان (من يسرق معونات الجيش في طرطوس)، عن جريح أنه ذهب للهلال الأحمر، فرفض تقديم مساعدات له، “مع العلم أن لديه أبًا وأمًا مريضين، وإن جاء المطر فإن منزلهم يدلف من الفقر”.

منشورات عدة تناولت هذا الوضع الذي يعيش فيه جرحى نظام الأسد، فهناك على سبيل المثال عبد الوهاب سقاطي من اللاذقية الذي بُترت ساقه، ولا يستطيع العمل لإعالة عائلته ودفع إيجار منزله يعلن عن “عرض كليته للبيع”، أما الجريح وسيم إبراهيم عطية المصاب منذ 2013 بـ “كسر في الرجل وإحدى الفقرات بالعمود الفقري”، فيقول: “من تاريخ إصابتي إلى الآن لم أحصل إلا على راتب واحد، ولدي كافة الأوراق والثبوتيات، وقد تعالجت على نفقتي الشخصية، ولم أحصل على تعويضي أيضًا، ولم أرَ من اهتم بي بعد أن أصبحت عاجزًا”.

يشار إلى أن نظام الأسد أجبر، مطلع الشهر الجاري، رؤساء وأعضاء غرف التجارة والصناعة بالمحافظات، على تمويل مشروع (جريح وطن) الذي أعدته (وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك)، وتضمن التكفل بإنشاء “50 كشكًا في كل محافظة”، ليعمل فيها “جرحى الجيش والقوات الرديفة، ببيع مادة الخبز للمواطنين مع إمكانية إضافة مواد أخرى”، ويعتبر النظام أن ذلك “سيوفر ألف فرصة عمل لجرحى الجيش؛ وبالتالي سيسهم في الحد من ظاهرة انتشار باعة الخبز على الأرصفة”.

ذكرت صفحة (مجموعة أخبار اللاذقية) المؤيدة أنه في اجتماع لـ “مجلس الشعب” التابع للأسد في 17 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، وفي دراسة لأوضاع العسكريين، وذوي القتلى والجرحى أن هناك “قواسم مشتركة، ومنها الفقر الذي يعاني منه الجميع، ومعاناتهم في الحصول على حقوقهم بسبب الروتين والبيروقراطية، وتهرب عدد من الجهات الرسمية من المسؤولية التي يتسابق موظفوها إلى طلبات تعجيزية من الوثائق والأوراق، من دون أدنى حس إنساني أو أخلاقي تجاههم، ومعاملتهم معاملة لا تليق بمقاتلين ضحّوا بزهرة شبابهم وأجسادهم”.

هكذا يدمر الأسد سورية على كافة الاتجاهات، من دون أي وازع أخلاقي، ولا يصل إلى أبناء وعائلات من وقفوا خلفه سوى مذاق الحصرم، ويقف بلا خجل ليهنئ إيران وروسيا بـ “انتصاراتهم” الوهمية على السوريين، معتقدًا أن الجرائم يمكن أن تصنع انتصارًا. ح. ق.


جيرون


المصدر
جيرون