علاقة العروبة بالوطنية على المستوى السوري



يرى بعض المعارضين أن وحدة سورية جزءٌ من الدفاع عن عروبتها، في وقتٍ تزداد فيه التحليلات التي تربط عروبة سورية بالوطنية والثورة السورية، ويذهب آخرون إلى أن الوطنية في سورية ليست موجودة، منذ اتفاقية (سايكس بيكو) مطلع القرن الماضي.

يقول الباحث الدكتور مخلص صيادي: إن “الحفاظ على سورية موحدة هو جزء من الالتزام بعروبة سورية، وهو أحد التعبيرات عن الوطنية السورية؛ ذلك أن الوطنية تحديد للانتماء، والانتماء لا يقوّمه قانون وضعي، ولا تصنعه جغرافيا مؤقتة ولدتها ظروف مرحلية”.

وأضاف لـ (جيرون): “حين نتحدث عن سورية (الجمهورية العربية السورية)، فمن الضروري ملاحظة أن الجغرافيا الطبيعية والبشرية والسياسية لهذا البلد ليست مكتملة بذاتها، هي بهذا التكوين حديثة العهد، ارتبط تكوينها بالظروف التي أعقبت انهيار الإمبراطورية العثمانية، وبنتائج الحربين العالميتين الأولى والثانية، ولأن هذا التكوين أقلّ وأضيق مما صنعته الحركة التاريخية لبلاد الشام أو سورية الكبرى، ومن ثم للأمة العربية؛ فإن سورية الراهنة بقيت منذ ولادتها تشعر بالتناقض بين الراهن السياسي والقانوني، وبين المنتج التاريخي الطبيعي، وبقيت تعيش هذا التناقض، ويظهر ذلك في تطلعها الدائم إلى الانعتاق من هذا الثوب الضيق إلى ثوبها الطبيعي اللائق بشعبها وتاريخها، ومن هنا نفهم لماذا سمّيت سورية (قلب العروبة النابض)، ولماذا عاش الإقليم السوري حراكًا شعبيًا لم يهدأ في تطلعه إلى الانعتاق القومي”.

صيادي يرى أن “الوطنية السورية كانت وطنية الهوية والانتماء العروبي، الوطنية التي لا تعرف الإقليمية ولا العزلة، بل إن هذه الحقيقة تفسر لنا لماذا كانت -وما زالت- كل القوى المعادية لسورية تعمل على فصمها عن انتمائها التاريخي الطبيعي، ووضعها في انتماء أضيق، وتقديم تفسيرات للوطنية لا تؤدي إلا إلى خنق هذا البلد؛ وبالتالي إلى تفتيته إلى كيانات أكثر ضيقًا، على أسس عرقية ودينية وطائفية. وفي خضم الصراع الذي يعيشه وطننا؛ يصبح الحفاظ على سورية الراهنة الموحدة العربية الانتماء والهوية سبيلًا رئيسةً لتحقيق كل الأهداف التي سعى إليها الحراك الثوري في سورية، وخصوصًا منذ لحظة انطلاقه في آذار/ مارس 2011”.

إلا أن المعارض السوري تغلب الرحبي قال: “لم تكن هناك وطنية سورية منذ نشأة الدولة الحديثة، بعد معاهدة سايكس بيكو؛ حيث إن المملكة السورية -بحسب تلك المعاهدة- كانت تضم أراضي شاسعة، من جنوب تركيا وشمال العراق إلى كامل بلاد الشام وشمال الجزيرة العربية. تقلصت إلى سورية شبه الحالية بعد معاهدة (سان ريمو-1924)، حيث تم سلخ لواء إسكندرون عام 1936”.

أوضح الرحبي، خلال حديثه لـ (جيرون) أن “الوطنية السورية لم يكن لها شكل محدد، بسبب التباين الشاسع في حدود سورية. والوطنية لم تكن تجمع السوريين بقدر ما كانت تجمعهم الرابطة العروبية. لم يكن يجمع ابن الجزيرة والفرات الأقرب إلى العراق بابن حمص الأقرب إلى لبنان سوى العروبة”، وعقّب مبيّنًا: “لهذا حرصت الأيديولوجيات الإسلاموية على محاربة فكرة العروبة حتى تكفيرها؛ في محاولة طرح تجارب سياسية مغايرة، لكنها فشلت فشلًا ذريعًا في جمع السوريين؛ لأن المسلمين في سورية ملل عديدة، لذلك أرى أن العروبة هي الرابطة التي تجمع السوريين، ولا معنى للوطنية السورية من دون العروبة”.

من جانب آخر، قال الكاتب السوري عبد الرحيم خليفة: “إذا جاز لنا الحديث عن وطنية سورية منفصلة عن محيطها وعمقها العربي؛ فهي ذات طابع ومضمون عربي، بما تعنيه من ثقافة ووجدان وضمير”، مضيفًا لـ (جيرون) أن “الكيان السوري تشكّل -تاريخيًا- على أساس عروبي متجاوزًا الطائفية والمذهبية وعابرًا الأعراقَ. والمسّ اليوم بثوابت الوطن السوري سيفتح الباب على مصراعيه لصراعات ستطيح حتمًا بهذا الكيان وتدفع إلى تشظيه وتجزئته”.

وتابع: “أعتقد أن العبث بالتاريخ والاعتداء عليه مكلِف للغاية، وهو كاللعب في النار؛ لا بد أن يكتوي فيها أصحابها. إن عدم انخراط بعض الفئات العروبية أو المحسوبة على العروبة، في الثورة والحراك السياسي الإيجابي في المحنة الأخيرة، لا يعطي مبررًا لفئات أخرى لتجريد الوطن من عروبته وهويته، فهما روحه وعقله”، مشيرًا إلى أن “هناك أيضًا حالة تعمد لإظهار سلبية مواقف بعض العروبيين، بينما يتجاهل متعمدًا وجود فئات وتيارات من العروبيين، تتبنى خط الثورة ومواقفها، وتنخرط في فعالياتها فكرًا وسلوكًا”.

الكاتب السوري عزت الشيخ سعيد يقول: إن “(القطرية) التي رعتها نظم الردة والارتداد وصلت إلى المأزق الذي أوصل البلاد والعباد إلى حالة من اليأس والقنوت وانسداد الآفاق؛ ولم يعد يجدي معها أي إصلاح، حتى المطالبات بالإصلاح تم رفضها، وضُرب بها عرض الحائط، والمستغرب أن الإقليمية التي رعتها وجذرتها وتخندقت بها تلك النظم وصلت أيضًا إلى ساحات الثورة والثوار؛ فأصبحت تسمع أصواتًا تحصر مفهوم العروبة ضمن دائرة الوطنية فقط، مع صب اللعنات على العرب والعروبة، وبالتالي تحقيق القطيعة مع المشروع النهضوي العربي الجامع، والذي به خلاص شعوب المنطقة”.

وأضاف في حديث لـ (جيرون): “على الجانب الآخر، تجد الأصوات الأكثر نشازًا وتنفيرًا والتي تستحق الإدانة الكاملة، إنها أصوات من يدّعون العروبة والتمسك بالمشروع العربي، وتراهم يؤيدون طاغية هذا العصر الأشد إجرامًا وقسوة مما عرفناه، متجاهلين الأرقام الخيالية لعدد الشهداء والجرحى والمعوقين والمعتقلين والمشردين، وحجم الدمار الذي طال البلاد، من هذا النظام ومؤسساته وجيشه (العقائدي) الذي أنشئ ليكون حاميًا لعرشه وفساد أسرته، وخادمًا للمافيات العالمية التي تداعت لحمايته”.

ختم الشيخ سعيد بالقول: إن “العروبة الحقة هي التي تقف ضد الطغاة والمحتلين، وتنادي بالإنسان العربي الحر، والحياة الكريمة له.. العروبة الحقة هي التي تسعى لإقامة الدولة المدنية الديمقراطية لجميع أبنائها، من دون تمييز بينهم بسبب أديانهم أو مللهم أو أعراقهم”.


أحمد مظهر سعدو


المصدر
جيرون