ماهرون في صناعة الأعداء



ماهرون في صناعة الأعداء، لملَموا مقاتلين من أصقاع الأرض، من بعض الجبال والوديان، واتّجهوا بهم نحو سورية، وأفلتوهم ليُخرِّبوا ويُدمِّروا ما لم تطله قبضة النظام والإيرانيين والروس.

انسحب النظام من مناطق واسعة طواعية، وسلّمها لهم، ورفضوا الشراكةَ مع أي جهة سورية معارضة، سياسية أو عسكرية، وخذلوا حتى هيئة التنسيق، وهي الوحيدة التي قبلتهم، وتجسسوا عليها بعد أن استفادوا منها لتصنيفهم كتيّار معارض، وكذلك رفضوا أيضًا الشراكة مع أحزاب من قومهم وأقصوها، وسجنوا قياداتها، وخيّروا الناس بين العيش في “نعيم ديمقراطيتهم وشرائعهم” أو البحث عن وطن آخر.

عابرو حدود، وناشرو دمار، غيّروا أسماء المدن السورية، بما فيها تلك التي لم يقطنها أيٌّ من بني قومهم طوال تاريخها، ونشروا صورَ زعيمهم الغريب، الذي لا يعني أي شيء بالنسبة إلى أي سوري، ووضعوا صورَه في كلّ مكان أكثر مما وضع الأسد الأب والابن مجتمعين.

عُمي بصيرة، قرروا بناء دولة فريدة في العالم “دولة الأمم والشعوب الديمقراطية”، فأنشؤوا أول ميليشيات عسكرية من نوع قومي واحد، وطعّموها بآخرين للتعمية، وفرضوا “إدارة ذاتية”، وشكّلوا برلمانًا ووزارات من لون ونوع واحد، وشكّلوا ميليشيات نسائية من منبت واحد، في بلد يُناضل أهله، ويُضحّون من أجل التنوّع والتعددية والتشاركية.

احتكروا السلاح والسلطة والقضاء، ولم يقبلوا التشاركية، واستقدموا مقاتلين من جبال غريبة وبعيدة، وتعاملوا مع أصحاب الأرض كأنهم غرباء، وجنّدوا البشر بالترغيب والترهيب، فأفرغوا مناطق شاسعة من شبابها، وكانوا نسخةً لا تختلف عن أي نظام شمولي قعمي تسلطي أعمى.

قضموا مؤسسات الدولة، وسطوا على قطاع الخدمات، وشاركوا في نهب قطاع النفط، وهيمنوا على محاصيل زراعية، في مناطق تمتلك أكثر من نصف ثروات سورية الزراعية والمائية والنفطية، وصادروا أموال وأملاك الغائبين والمهاجرين وشغّلوها لحسابهم.

نسفوا قطاع التربية والتعليم، وألزموا المدارسَ كلها أن تُعلّم بلغةٍ لا يتقنها جيدًا حتى قومهم، وفرضوا منهاجهم القومية، غير المعترف بها عند أحد، وغير المرغوب فيها من أحد، وفرضوا كفيلًا منهم، على كل سوري يرغب في الدخول إلى “مناطقهم”.

شرّدوا وغيّروا ديموغرافيًا لمسح الهوية، وطال ذلك عربًا وآشوريين وسريان وتركمان أيضًا، ونالوا عداءهم جميعًا، بلا استثناء، وقدّموا للطيران إحداثيات مغلوطة، ليقصف البشر بانتقام مقصود.

ألغوا العلم السوري بنوعيه، علم النظام وعلم المعارضة، ورفعوا أعلامًا صفراء لا يعرف السوريون دلالاتها، في بلد يُحارب فيه أحراره للخلاص من أعلام “حزب الله” الصفراء، وأعلام (داعش) السوداء، وأعلام إيران الخضراء.

تنقلوا من حضن إلى حضن؛ فتعاملوا مع النظام واستلموا أسلحة منه، وتحالفوا مع إيران (من تحت الطاولة)، وتعاونوا أمنيًا مع “حزب الله”، وتشاركوا الحواجز وتقاسموا الإتاوات، وتحالفوا مع موسكو وانقلبوا عليها، ليتعاونوا مع الأميركيين ويقبلوا أن يكونوا بندقية لهم.

رفعوا أعلام “إسرائيل”، عدو العرب الأول، أو بالأدق عدو كل حر، عربي أو غير عربي، وتباهوا به، وكأنه أيقونة أو وسامٌ على صدورهم؛ فعادَوا كل حر يكره المحتلّين.

وضعوا خرائط لدولتهم، تمتد من الهند إلى السند، وأقنعوا مواليهم بأن الثورة ليست لهم، لأنها لم تُقدّم ضمانات واضحة، وعادَوا السوريين، الموالين والمعارضين، الآشوريين والسريان والأرمن والتركمان، المسلمين والمسيحيين، والأتراك، والخليجيين، والأوربيين، وشتموا العروبة والإسلام وكل الأديان، وسَخِروا من الوطنية وأهانوا الحرية، وتباهوا بعبادة الزعيم، وحذاء الزعيم.

ماهرون في صناعة الأعداء، عُمي بصيرة، لم يرَوا أبعد من أرنبة أنفهم؛ فأساؤوا إلى قضيتهم خلال خمس سنوات، أكثر بكثير مما ربحوا من تضامن الشعوب معهم، خلال خمسين عامًا، وحوّلوا قضيةَ قومٍ أحرار، لهم الحق في حياة كريمة حرّة، ولهم حقوق مشروعة، إلى قضية تعصّب أعمى، وحوّلوا كلّ صديق مُحتمل إلى عدو مضمون، وليس مستبعدًا أن يأتي يوم قريب لا يجدون فيه من يستنجدون به.


باسل العودات


المصدر
جيرون