مسار أستانا.. خيار الضرورة أم فخ روسي؟



تعرّض مسار أستانا، بجولاته الست الماضية، لجملة انتقادات من الفاعليات المدنية والعسكرية داخل سورية، لا سيما أن أستانا ارتبط -في كل مرحلة من مراحله- بتهجير أحد معاقل الثورة؛ بداية بأحياء حلب الشرقية، وما تبعها من مناطق محيط العاصمة دمشق. وتُوجَّه انتقاداتٌ إلى روسيا بأنها، من خلال منصة أستانا، أحدثت مسارًا موازيًا لمفاوضات جنيف؛ فرّغها من مضمونها ومكّن موسكو من تمييع القرارات الصادرة عنه خاصةً القرار رقم 2254.

أستانا مدخل موسكو لسحق الثورة

قال أدهم أكراد قائد فوج الهندسة والصواريخ (الجبهة الجنوبية): إن “مسار أستانا بات غطاءً سياسيًا لسحق معاقل الثورة، والشواهد عديدة، أبرزها انزلاق مكونات الثورة إلى دهاليز ومستنقع التفاصيل، والابتعاد عن جوهر الصراع وأساس القضية، إضافةً إلى أنه شرّع وجود الاحتلالين الروسي والإيراني شركاء النظام في جرائمه، ومنحَهم صفة الضامن لاتفاقات التهدئة”.

أضاف أكراد، في تصريحات لـ (جيرون): “بعد أستانا؛ تراجع الأداء العسكري وانحسرت المساحات التي يسيطر عليها الثوار، إلى جانب أن هذا المسار ساهم في شيوع المناطقية، داخل معاقل الثورة؛ ما سمح بالاستفراد بالفصائل التي تعاني أساسًا من سوء التنسيق والتواصل، بفعل التشتت الجغرافي الذي فرضته طبيعة المعارك، إضافةً إلى أن أستانا قزّم القضية السورية، وجعلها مجرد خلاف على بضع بنود وتفاصيل هنا وهناك”.

إلا أن النقيب سعيد نقرش، عضو وفد الفصائل العسكرية إلى محادثات أستانا، يرى أن المحادثات نجحت “في الحدّ من إجرام النظام وحلفائه، في الكثير من المناطق”، وأضاف في حديثه لـ (جيرون): “اليوم، بعد 6 جولات من أستانا؛ وصلنا إلى ضم 4 مناطق على الأقل إلى اتفاقات خفض التصعيد، وشهدت تلك المناطق تراجعًا، إلى حد بعيد، في وتيرة القصف والحملات العسكرية، مقارنة مع ما قبل 30 كانون الأول/ ديسمبر 2016”.

اعتبر أيضًا أن “أستانا هو خيار الضرورة، ونحن مضينا في هذا الخيار؛ من أجل وقف شلال الدم، بعد أن بلغ إجرام روسيا وإيران والنظام حدًا لا يوصف، أمام صمتِ الأمم المتحدة والمجتمع الدولي ومن يدّعون صداقة الشعب السوري، وعجزِهم عن اتخاذ أي خطوة لإيقاف شلال الدم”.

في السياق ذاته، اعتبر عضو مجلس القيادة الثورية في دمشق وريفها محمد بقاعي أن “أستانا ارتكز أساسًا على ما مثّله سقوط حلب الشرقية بيد النظام، بعد حملة همجية قادتها روسيا، وكان الهدف الرئيس للروس، من ابتداع هذا المسار، هو شرعنة الرؤية الروسية للحل في سورية”. وأكد لـ (جيرون) أن موسكو استطاعت إحداث خرقٍ داخل البنى التمثيلية للثورة؛ فأصبح لدينا فصائل عسكرية تفاوض في أستانا، مقابل مظلة أخرى هي الهيئة العليا للمفاوضات تقود مفاوضات جنيف”.

البديل: خطة عمل وطني

كثيرة هي وجهات النظر في أروقة المعارضة السورية، التي تذهب إلى أن هدف موسكو من أستانا، وما نتج عنه من اتفاقات خفض التصعيد، هو الضغط على معاقل الثورة للموافقة على تسويات تشترط المصالحة مع النظام السوري، بما يترتب عليها من سيناريوهات تهجير وتغيير ديموغرافي، كمدخل لإعادة إنتاج الأخير وتعويمه.

في هذا الشأن، قال نقرش: “التهجير والقصف ليسا ثمنًا أو ثمرة للمشاركة في أي جولة مفاوضات، ولا يجب تحميل الوفد المفاوض هذه التبعات، بل من غير المنصف ذلك، فهم جزء من الشعب والثورة، ولا يمكن أن يقبلوا بتهجير أو حصار أو قصف أي منطقة. المفاوضات هي معركة توازي المعارك الميدانية، ونحن نحاول من خلالها الضغط على موسكو وإحراجها أمام المجتمع الدولي؛ للالتزام بما ضمنته في مسار أستانا، وذلك بهدف الوصول إلى وقف القصف ورفع الحصار عن مناطقنا، وفي الجولة القادمة ذاهبون لبحث قضية المعتقلين”.

أوضح نقرش أن “رفض مسار أستانا وعدم الذهاب لن يغيّر من الموقف شيئًا، وسيجعل الثورة من دون تمثيل أمام المجتمع الدولي، أما ما يخص المناطق المحاصرة مثل الغوطة وجنوب دمشق، فأعتقد أن الرهان هو على صمود أبنائها في الداخل، وثباتهم وتمسكهم بأهدافهم وأرضهم، حتى تحقيق أهداف الثورة”.

لكن أكراد رفض التوصيف السابق، وشدد على أنه “لا يمكن الثقة بالسياسة الروسية ولا بمسلسل أستانا، خصوصًا أن موسكو هي شريك الأسد في الاعتداء على الشعب السوري، وتسعى لإعادة استنساخ النظام، ولكن بأسماء جديدة وشكل جديد مع مساحة أوسع من الديمقراطية المزيفة”.

ورأى أنه لا بد من العمل على تبني رؤية وطنية واضحة، لقطع الطريق على موسكو، ومن أبرز ملامح هذه الرؤية “اعتبارُ أي وجود أجنبي في سورية بمثابة احتلال، ورفض كل ما تطرحه روسيا وإيران من مشاريع؛ لأن الشعب السوري لن يعود إلى ديكتاتورية النظام، أيًا كانت العمليات التجميلية، إضافةً إلى العمل على استراتيجية للمقاومة الشعبية كحركة تحرر وطني، تناضل بهدف الاستقلال من الاحتلال المباشر وغير المباشر للبلاد، إلى جانب رفض تدمير البلاد وسحق معاقل الثورة، بذريعة مكافحة الإرهاب من أي طرف كان”.

يتفق بقاعي وأكراد في كثير من النقاط، حيث قال الأول: إن “رؤية روسيا للحل تقوم على تبني نموذج لا مركزي في سورية، هدفه تخفيض حدة الصراع بما يسمح للنظام بالتقاط أنفاسه، واستعادة المبادرة لإنهاء ما تبقى من مناطق الثورة، ولذلك يبدو أن مسار أستانا، وما نتج عنه من اتفاقات خفض تصعيد، مرتبط إلى حد بعيد بمدى التزام روسيا بما ضمنته وبالوقائع الميدانية على الأرض، وهو ما سيجعل من تلك الاتفاقات هشة للغاية، ويترك الميدان مفتوحًا على جميع الاحتمالات”.

شدد بقاعي على أنه لا بد من العمل على أكثر من صعيد، داخل بنى وهيئات الثورة، انطلاقًا من إعادة الاعتبار إلى مرجعية سياسية واحدة، تفاوض باسم الثورة السورية، وتقطع الطريق أمام كافة المخططات الرامية لإنتاج أكثر من كيان تفاوضي، اعتمادًا على منصات وتكتلات تعبر عن الثورة وإرادة الداخل السوري.

تابع: “كذلك لا بد من العمل على تنسيق الجهود بين مناطق خفض التوتر، بما يقطع الطريق أمام أي محاولات للاستفراد بها، أما على مستوى الغوطة الشرقية، فيجب الاستعداد لكافة الخيارات، مع التأكيد على أن مقارنة الغوطة الشرقية ببقية مناطق الريف الدمشقي لا تصح، لأنها كتلة جغرافية وسكانية لا يُستهان بها، وتضم فصائل عسكرية كبرى أثبتت كفاءة قتالية عالية، في مواجهة قوات النظام وحلفائها، على مدار السنوات الماضية”.


مهند شحادة


المصدر
جيرون