حينما يصبح الخط الأحمر أخضرَ



(الهجمات الكيماوية للأسد والإفلات من العقاب)

مع بزوغ الفجر على بلدة خان شيخون، ومع بداية طقوس الصباح اليومية، تصطدم أربعة صواريخ بالبلدة؛ بعد ذلك بقليل، يفيد شهود عيان بأنّ روائح غريبة فاحت في الشوارع مع نسيم الصباح. كانت تلك الرائحة رائحةَ غاز السارين، غاز أعصاب شديد السمية، يسبب شللًا لعضلات الرئة والموت البطيء والمؤلم لكلّ من يصاب به.

في ذلك الصباح، استسلم أكثر من 80 مدنيًا لآثار الغاز القاتلة، بما في ذلك عدد كبير من الأطفال كانوا في طريقهم إلى المدرسة. كان العنوان الرئيس لقناة (الجزيرة) في ذلك الصباح “هجومٌ كيماويٌ في سورية يثير الغضب الدولي”، فالصور المروعة للقتلى والأطفال الموتى، وتمدد الطلاب، والعضلات المتشنجة، كانت تُعرض في جميع أنحاء العالم[1].

ومع الأسف، أثار تزايد الهجمات الروتينية الجديدة أسئلةً لدى الجمهور الغربي المصدوم، ولدى الشعب السوري الذي يعاني، منذ سنوات طويلة، من هجمات بشار الأسد القاتلة؛ كيف يُمكن للأسد أن يستمر بصورة اعتيادية في استخدام الأسلحة الكيماوية، في حين أعلنت الولايات المتحدة[2]، فرنسا[3] والمجتمع الدولي، مرارًا بأنّ استخدامه يُعدّ “خطًا أحمر”؟

على الرغم من عدم الشرعية الإنسانية لهذه الفظائع، لماذا لا يزال المجتمع الدولي عاجزًا عن فعل شيء؟ ستحاول هذه المقالة فهم سبب إفلات النظام السوري غير المبرر من العقاب، وإيجاد السبب لتخلي العالم التدريجي عن مساندة الشعب السوري المحاصر.

السؤال المطروح هو: ماذا فعل المجتمع الدولي لمنع استخدام هذه الأنواع الوحشية من الأسلحة؟ بالمختصر ومع الأسف، لم يفعل أي شيء يُذكر.

بعد “مجزرة الغوطة” في عام 2013، قُتل نحو 1300 مدني[4]، ذكر مجلس الأمن الدولي أنّ استخدام الأسلحة الكيماوية يُشكّل “تهديدًا على السلام والأمن الدوليين”، ووافق بالإجماع على قرار مجلس الأمن 2118 الذي طالب بالتدمير الفوري لجميع ترسانة الأسلحة الكيماوية السورية[5]. وفي مشهد ازدرائي للقانون الدولي، وقّع النظام السوري على اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية (OPCW)؛ ما أجبر الولايات المتحدة على العودة بصورة عاجزة عن تجاوز خطها الأحمر[6].

في أيلول/ سبتمبر 2014، أعلنت البعثة المشتركة لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية في الأمم المتحدة (OPCW-UN) أنّ 96 بالمئة من الأسلحة الكيماوية في سورية قد دُمِّرت، وسوف تُرسل سفنٌ راسية لتدمير الباقي في البحر المتوسط[7]. مع ذلك، بعد عامين، أعلنت سورية وبصورة سافرة عن امتلاكها 15 طنًا من غاز السارين و70 طنًا من غاز الخردل والكبريت، وذلك لأغراض بحثية، وهو رقم مستحيل علميًا، وفقًا لمفتشي منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، الذين لم يُسمح لهم بالوصول أصلًا إلى مخزونات النظام بشكل كامل. ومع ذلك لوحظ بعض الانزعاج في العواصم الغربية[8].

لقد أظهر النظام عدم الاحترام للمنظمات الدولية ولمساعيها لوقف الحرب الكيماوية في سورية. في عام 2014، تعرّض فريق المفتشين التابع لـ (OPCW) لهجوم نيران من قِبل مسلحين مجهولين[9]. والنتيجة أُلغيت عملية التفتيش، وسَحبت المنظمة مؤقتًا جميع عامليها من سورية. نفى النظام تواطؤه في الجريمة، مؤكّدًا على راويته بأنّ الطرف الذي قام بالهجوم هو “العصابات الإرهابية”، ولكنه لم يُحدِّد تلك العصابات. ومرةً أخرى، تجاهلت الصحافة الغربية وصناع السياسة الغربيون هذه الإهانة ضدّ العاملين في حقل القانون الدولي.

في عام 2015، أُجبرَ مفتشو منظمة حظر الأسلحة الكيماوية على الانتظار مدة ساعةٍ، قبل أن يُسمح لهم بتفتيش منشأة أسلحة كيماوية في ضواحي دمشق، حيث أفرغت ميليشيات تابعة للنظام مرافق المحتويات من المواد الفتاكة عبر الباب الخلفي. هذه واحدةٌ من التكتيكات التي يتَّبعها نظام الأسد من أجل تأخير وعرقلة عمليات التفتيش. قام بالتضييق على تأشيرات دخول الفريق إلى سورية، حصر مواقع التفتيش بأماكن مُحدَّدة، جلب شهود إجباريين[10]. ويبقى جهد النظام واضحًا في تعقيد عمليات التفتيش، وجعلها مستحيلة في أكثر الأحيان.

هذه الأرقام والحوادث المريبة للغاية تُظهر بوضوحٍ السخرية والاستخفاف وعدم الصدقية من جانب النظام السوري، فيما يتعلق بتدمير ترسانته الكيماوية. بيتر فان دونكيرسود، الممثل الدائم للاتحاد الأوروبي في منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، صرّح في عام 2016 أنّه على الرغم من التدمير المفترض للأسلحة الكيماوية المعلن عنه في سورية، فإنّ منظمة حظر الأسلحة الكيماوية ما تزال تواجه “الثغرات والتناقضات” في بيانات النظام السوري[11]. على الرغم من التباينات في العملية، فَشَلَ المجتمع الدولي في إجراء المزيد من التحريات، وترك الشعب السوري الأعزل في مواجهة استخدام هذه الأسلحة.

يوضّح هذا استمرارُ النظام السوري في استخدام ترسانته الكيماوية، بما في ذلك غاز الكلور والسارين، ضدّ المدنيين في جميع أنحاء البلاد. في أيار/ مايو 2014، كشف تقريرٌ صادرٌ عن بعثة تقصي الحقائق التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية، عن استخدام غاز الكلور كسلاح في قرى تل مناس والتمانعة في ريف إدلب وكفرزيتا في ريف حماة[12]. وعلاوةً على ذلك، فإنّ لوائح الاتهام، بحسب تقارير منظمة حقوق الإنسان في شباط/ فبراير 2017، تفيد بأنّ النظام السوري نفّذ في حلب وحدها ما لا يقلّ عن تسع هجمات بغاز الكلور، بين تشرين الثاني/ نوفمبر، وكانون الأول/ ديسمبر 2016؛ ما أسفر عن مقتل نحو تسعة مدنيين وإصابة 200 آخرين[13]. وعلى الرغم من أنّ غاز الكلور يُعدّ أقل خطورةً من المواد الكيماوية الأخرى المستخدمة من قِبل النظام السوري، فإنّ غاز الكلور محظورٌ، بموجب اتفاقية منظمة حظر الأسلحة الكيماوية التي وقّعت دمشق عليها؛ لذا فإنّ الأدلّة والمنطق يوحيان بأّنّ نظام الأسد لم يعمل على تدمير أسلحته الكيماوية قط، ناهيك عن استخدامه لهذه الأسلحة كتكتيك للترهيب. وعلى الرغم من الأدلّة، فإنّه لا يزال من غير الممكن تبرير سبب عدم اتخاذ أيّ تدابير وقائية، عدا ضربات ترامب غير المجدية لمطار الشعيرات (المطار الذي شُنَّت منه الهجمات الكيماوية على بلدة خان شيخون) التي اتُخذت بهدف العرقلة أو الانتقام لهذه الجرائم المرتكبة.

بررت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية قلةَ تدابيرها ضدّ النظام السوري، من خلال اتفاقية منظمة حظر الأسلحة الكيماوية لعام 1997 التي لا تُلزم الدول الأطراف فيها بالتصرف ضدّ دولةٍ تنتهك دولةً أُخرى عضوًا في الاتفاقية[14]. وحتى بعثة تقصي الحقائق التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية ليست مُكلَّفة بتحديد المسؤول عن الهجمات الكيماوية، فهي مكلفةٌ بتحديد الوقائع المحيطة بالاستخدام المزعوم للمواد الكيمياوية، فحسب.

أعلن أحمد أوزومجو، المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية، أنّ اتهام الدول الأعضاء بانتهاك الاتفاقية هو دور “آلية التحقيق المشتركة بين منظمة حظر الأسلحة الكيماوية والأمم المتحدة” (JIM)[15]. أُنشئت آلية التحقيق المشتركة[16] بناءً على قرار مجلس الأمن 2235 في 2015؛ بهدف تحديد مسؤولية الجماعات والأفراد في الهجمات الكيماوية في سورية[17]. وعلى الرغم من ذلك، لم تقم، لا الأمم المتحدة ولا منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، باتخاذ أيّ إجراءٍ جماعيٍّ بشأن الوضع. أعربت (OPCW) عن اعتقادها بأنّ من مهمات الأمم المتحدة فعل ذلك، وأنّ الأمم المتحدة أصبحت عاجزة، بسبب حق النقض “الفيتو” الروسي الذي استُخدم في اجتماع مجلس الأمن في نيسان/ إبريل، لإدانة استخدام الأسلحة الكيماوية في سورية ومحاسبة الجناة[18]. علاوةً على ذلك، عرقلت روسيا عملية اتخاذ القرار بشأن سورية في منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، برفضها المواقفة على بعض القرارات التي اقترحها المجلس التنفيذي للمنظمة (OPCW).

إضافة إلى ازدياد عدد الضحايا المدنيين من جراء استخدام هذه الأسلحة الفتاكة، فإنّ استخدام الأسلحة الكيماوية يُشكّل تهديدًا خطيرًا للسلم والأمن العالميين. صرّح كبير علماء بعثة (UN-OPCW) أنّه “من المهم جدًا محاكمة مرتكبي الاعتداءات الكيماوية؛ لردع استخدام أسلحة الدمار الشامل في المستقبل”[19]. وبغضّ النظر عن انتشار الأسلحة الكيماوية في أيدي الجماعات المسلحة في سورية، فإنّ الإفلات الجنائي من العقاب الذي يتمتع به النظام السوري يدلّ على إمكانية استخدام أسلحة الدمار الشامل من دون أي تداعيات لاحقة، ما يهدد أمن الدول في جميع أنحاء العالم، ومن الضروري أن يَحول المجتمع الدولي دون حدوث انزياح طبيعي نحو القبول الضمني للحرب الكيماوية.

لذلك، وكما هو مبين هنا، تَمَكّن النظام السوري من الاستمرار في استخدام أسلحته الكيماوية بأساليب الخداع والتحايل، من خلال التأخير والتجاهل التام للمعايير الدولية المتعلقة بقوانين الحرب. في حين تثبت الأدلة بوضوح أنّ النظام السوري لم يتوقف قطّ عن استخدام أسلحته الكيماوية في ساحات المعركة، على الرغم من التزامه أمام منظمة حظر الأسلحة الكيماوية بتسهيل تدميرها. سَخِر نظام الأسد من منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، من خلال عدم احترامه والتزامه القانون الدولي، مع حفاظه على واجهة التعاون مع الوكالات الدولية.

كانت الدول الغربية تُدرك تمامًا أنّ الأسد يحتفظ سرًا بمخزون من الأسلحة الكيماوية، ولكنّه فشل في القيام بأي فعلٍ حيال ذلك، وكانت النتيجة استمرار اختناق المدنيين السوريين بالسحب المحملة بالمواد القاتلة والسامّة.

ومع ذلك، من الصعب إيجاد إجابات واضحة بشأن ضعف الاستجابة الدولية. ولا يزال ارتكاب جرائم كهذه غير مبررٍ في حقبة ما بعد الحرب الباردة، ويبقى النظر في استخدام أسلحة الدمار الشامل، وحتى الأسلحة الأقل خطورة منها، غير جديٍّ من قِبل المجتمع الدولي. في حين يُعدّ الموضوع الأكثر إحباطًا هو تأثر منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، من خلال حق النقض، المستخدم من طرف القوى الكبرى، التي ليس لديها أدنى حدّ من الاهتمام بالعالم. مرةً أخرى، حق النقض والتوازنات العالمية للقوى، لها أهمية كبرى في حياة الآلاف من الأبرياء. لقد آن الأوان أن تعالج الأمم المتحدة التأثير البيروقراطي لمجلس الأمن؛ الأمر الذي يمنعها من الحفاظ على السلام الدولي. ربما، لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة ما يكفي من الخلافات الجيو- استراتيجية بين أعضائها الأكثر قوة.

في إنشاء الآلية الدولية المحايدة والمستقلة في سورية، أثبت المجتمع الدبلوماسي أنّه يُمكن التصرف من جانب أحادي، ومن دون مساندة مجلس الأمن في تقديم الدعم للمدنيين المضطهدين. وفي هذا السياق يجب على الأمم المتحدة أن تتخطى مجلس الأمن وأن تتخذ تدابير ملائمة تكفل التدمير الكامل للأسلحة الكيماوية في سورية، وأن تتحمل المسؤولية لمحاكمة الأشخاص المسؤولين عن هذه الجرائم، قبل أن يستعد الأسد مرةً أخرى لحملة كيماوية مقبلة.

العنوان الأصلي When the red line becomes green: Al-Assad’s chemical attacks impunity الكاتب إيما كابرول Emma Cabrol المصدر مركز حرمون للدراسات المعاصرة، برنامج الباحثين الزائرين الدوليين المترجم جيرون

[1] Aljazeera (2017). ‘Chemical attack’ in Syria draws international outrage. [online] Available at: http://www.aljazeera.com/news/2017/04/chemical-attack-syria-170404195457304.html [Accessed 17 Oct. 2017].

[2] Melhem, H. (2017). How Obama’s Syrian Chemical Weapons Deal Fell Apart. [online] The Atlantic. Available at: https://www.theatlantic.com/international/archive/2017/04/how-obamas-chemical-weapons-deal-fell-apart/522549/ [Accessed 17 Oct. 2017].

[3] Reuters (2017). Chemical weapons a red line in Syria, France’s Macron says. [online] Available at: https://www.reuters.com/article/us-france-russia-syria-macron/chemical-weapons-a-red-line-in-syria-frances-macron-says-idUSKBN18P1OH [Accessed 17 Oct. 2017].

[4] BBC News. (2017). Syria chemical attack: What we know. [online] Available at: http://www.bbc.com/news/world-middle-east-23927399 [Accessed 17 Oct. 2017].

[5] UN (2017). Security Council Requires Scheduled Destruction of Syria’s Chemical Weapons, Unanimously Adopting Resolution 2118 (2013) | Meetings Coverage and Press Releases. [online] Available at: http://www.un.org/press/en/2013/sc11135.doc.htm [Accessed 17 Oct. 2017].

[6]  OPCW. (2017). [online] Available at: https://www.opcw.org/news/article/syrias-accession-to-the-chemical-weapons-convention-enters-into-force/ [Accessed 17 Oct. 2017].

[7] OPCW. (2017). Ninety-six percent of Syria’s declared chemical weapons destroyed – UN-OPCW mission chief. [online] Available at: https://opcw.unmissions.org/ninety-six-percent-syria%E2%80%99s-declared-chemical-weapons-destroyed-%E2%80%93-un-opcw-mission-chief [Accessed 17 Oct. 2017].

[8] Deutsch, A. (2017). How Syria continued to gas its people as the world looked on. [online] Reuters. Available at: https://www.reuters.com/investigates/special-report/mideast-crisis-syria-chemicalweapons/ [Accessed 17 Oct. 2017].

[9] Ibid

[10]  Ibid

[11] Statement on behalf of the European Union delivered by Pieter van Donkersgoed, Acting Permanent Representative of the Netherlands to the Organisation for the Prohibition of Chemical Weapons, at the 81st session of the Executive Council (The Hague, 15 March 2016)

[12] OPCW, Note by the Technical Secretariat, Third Report of the OPCW Fact-Finding Mission in Syria, S/1230/2014, Office of the Director-General

[13] Human Rights Watch. (2017). Syria: Coordinated Chemical Attacks on Aleppo. [online] Available at: https://www.hrw.org/news/2017/02/13/syria-coordinated-chemical-attacks-aleppo [Accessed 17 Oct. 2017].

[14] OPCW (2017). 1997 OPCW Convention- Article I General Obligations. [online] Available at: https://www.opcw.org/chemical-weapons-convention/articles/article-i-general-obligations/ [Accessed 17 Oct. 2017].

[15] Ibid n (8)

[16] Fact Sheet OPCW-UN Joint Investigative Mechanism, April 2017

[17] UN (2017). Security Council Unanimously Adopts Resolution 2235 (2015), Establishing Mechanism to Identify Perpetrators Using Chemical Weapons in Syria | Meetings Coverage and Press Releases. [online] Available at: https://www.un.org/press/en/2015/sc12001.doc.htm [Accessed 17 Oct. 2017].

[18] UN (2017). Security Council Fails to Adopt Resolution Condemning Chemical Weapons Use in Syria, Following Veto by Russian Federation | Meetings Coverage and Press Releases. [online] Available at: https://www.un.org/press/en/2017/sc12791.doc.htm [Accessed 17 Oct. 2017].

[19] Ibid n (8)


إيما كابرول


المصدر
جيرون