الغارديان: ما الذي يتوجب على بوتين أن يفعله بشأن الحرب في أوكرانيا؟ تعلّمْ من لينين



مع اقتراب الذكرى المئوية للثورة، يجب على روسيا أن تقبل بأن جارتها دولة مستقلة

“مع استمرار الحرب، تزداد الأراضي السابقة لروسيا في كييف”. كما يهرب المدنيون إلى أوغليغورسك في أوكرانيا، في 7 شباط/ فبراير 2015. صورة: بيير كروم/ صور جيتي

بينما تطرق الذكرى المئوية للثورة الروسية بوابات الكرملين، لا تعرف الحكومة الروسية ما الذي ستفعله. إنَّ موجة الثورات الشعبية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، من الثورة الجورجية الوردية عام 2003 إلى ثورة الكرامة في عام 2014 في أوكرانيا، جعلت موسكو قلقةً بشأن ثورةٍ محتملة في روسيا ذاتها. حيث ينقل الأنصار الشباب لأليكسي نافالني -وهو ناقدٌ شعبوي للنظام وفساده- احتجاجاتهم إلى شوارع موسكو، وغيرها من المدن الكبرى؛ ما يُبعد السلطات الروسية عن مزاج الاحتفال.

في حين أنَّ ضريح فلاديمير لينين، زعيم الثورة الروسية، لا يزال قائمًا في الساحة الحمراء، مع خططٍ لدفن جثمانه المحنّط من زمن طويل، وجدت قيادة البلاد بطلًا أكثر جاذبيةً في القديس فلاديمير، حاكم كييف في القرون الوسطى، عاصمة أوكرانيا، حيث كان يعرف باسم فولوديمير الكبير. في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي، في عيد الوحدة الوطنية الروسي، وجّهَ فلاديمير بوتين، بالكشف عن نصب يبلغ طوله 18 مترًا، لأمير كييف، في قلب موسكو، عبر بوابة بوروفيتسكي للكرملين.

يُصوَّر (الأمير فلاديمير)، بسيفٍ في يد، وصليبٍ في الأخرى، حيث أشاد بوتين في تصريحاته بمسيحيي روسيا كييف -مملكة القرون الوسطى التي يستمد منها الروس والأوكرانيون والبيلاروس أصولهم– كـ “جامعٍ وحامٍ للأراضي الروسية” التي جعلت معموديته المملكة “مصدرًا روحيًا مشتركًا لشعوب روسيا، وبيلاروسيا، وأوكرانيا”. وقد جُلب حجر الأساس للنصب التذكاري إلى موسكو، من شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا مؤخرًا، حيث تعمَّدَ الأمير فلاديمير، وفقًا لمؤرخين من كييف. وهكذا أصبح النصب التذكاري، بالنسبة إلى الرئيس الذي يحمل الاسم نفسه، رمزًا لمطالبة روسيا بأجزاءٍ من تاريخ أوكرانيا، وأراضيها، كما فعل الفيلم الرائع (فايكنغ)، وهو فيلمٌ عن الأمير فلاديمير، عُرض عام 2016، وأشاد به بوتين.

المتطوعون الروس الذين غمروا القرم، ثم منطقة الدونباس في ذروة “الربيع الروسي”، عام 2014، عبروا الحدود إلى أوكرانيا المجاورة بزعم الدفاع عن اللغة الروسية، والثقافة والعقيدة الأرثوذكسية، ضد تقدم الفاشية الأوكرانية، وقيم الفساد الأوروبي. بعض اللاعبين النشطين الأساسيين في تلك الهجمة، مثل قائد القوات المؤيدة لروسيا في الدونباس، إيغور ستريلكوف (الاسم الحقيقي: جيركين)، ورسول حملة (القرم لنا)، وناتاليا بوكلونسكايا، يقودان الآن التجييش القومي والأرثوذكسي في روسيا. وقد برزت بوكلونسكايا كشخصيةٍ رئيسة في الاحتجاجات ضد عرض فيلم (ماتيلدا)، الذي يحكي قصةً من خارج العلاقة الزوجية بين القيصر الروسي الأخير (والآن القديس الأرثوذكسي) نيكولاس الثاني، والراقصة الروسية ماتيلدا كسشيسينسكا.

أزال الأوكرانيون جميع تماثيلهم المتبقية للينين في أعقاب “احتجاجات الميدان” عام 2014، و”ثورة الكرامة”. فعلوا ذلك لأنهم رأوا في لينين رابطًا مهمًا، ليس فقط مع العصر السوفيتي، ولكن أيضًا مع روسيا الحالية، وأرادوا قطعه، ولكنَّ إرث لينين مع أوكرانيا معقدٌ؛ فهو (لينين) تمكّن من إعادة أوكرانيا إلى حظيرة موسكو بعد أنْ أعلنت استقلالها في عام 1918، ولكن الثمن الذي دفعه للقيام بذلك يبدو باهظًا لصناع الرأي الروس في الوقت الحالي.

أصرَّ لينين على الحفاظ على منطقة الدونباس الصناعية في أوكرانيا، واعتبر الروسَ والأوكرانيين شعوبًا مستقلةً تستحق جمهورياتٍ خاصة بهم داخل الاتحاد السوفيتي. مع تأكيد بوتين المتكرر، خلال الصراع الروسي الأوكراني الحالي، أنَّ الروس والأوكرانيين هم شعب واحد؛ فإن سياسات لينين القومية تبدو متناقضة. يُذكر أنَّ لينين هو الأب المؤسس للاتحاد الروسي، الدولة التي يقودها بوتين حاليًا، قد تبرأت منه حيث يتطلع الكرملين إلى توسيع حدود الاتحاد.

“وجَّه فلاديمير بوتين بالكشف عن نصب يبلغ طوله 18 مترًا لأمير كييف في قلب موسكو، عبر بوابة بوروفيتسكي للكرملين”. صورة: ألكسندر زيمليانيشينكو/ أسوشيتد برس

على الرغم من أنَّ روسيا وأوكرانيا الآن في حالة حربٍ غير معلنة، يبدو أنَّ لنخبهم السياسية والفكرية العقليةَ نفسها حول رفض التركَة الشيوعية، لكنَّهم يختلفون حول ما يمكن فعله مع التركة الثورية، وبخاصة تفكك الإمبراطورية الروسية التي قادها القياصرة لمدة قرنين من عام 1721. وقد أطلق الأكاديميون الأوكرانيون سلسلةً من المؤتمرات للاحتفال بالحصول على الاستقلال الوطني، وإنْ كان ذلك لفترةٍ وجيزة، وفي عام 1918 نتيجةً لهذا التفكك؛ اعتبروا أن الثورة الروسية منذ البداية ثورة أمم.

في الوقت الذي لن تشهد فيه الحكومة في كييف الذكرى المئوية في الشهر القادم، يتوقع الجميع مشاركتها النشطة في الاحتفال بالذكرى المئوية لإعلان استقلال أوكرانيا، في كانون الثاني/ يناير. إنْ يتبنّ الأوكرانيون سرديةً معاديةً للإمبراطورية؛ فإن الماضي الإمبراطوري في روسيا، على النقيض من ذلك، هو في حالة تقدمٍ وانتشار، سواء في العبادة المتنامية لنيكولاس الثاني، أو بناء النصب التذكاري للقديس فلاديمير. وتستند الرواية الإمبراطورية الحالية إلى الفكرة القيصرية لأمةٍ كبيرة، اعتُبر فيها الروس والأوكرانيون (الذين يطلق عليهم اسم الروس الصغار) والبيلاروسيين (الروس البيض) فرعًا من شعبٍ روسي واحد.

من خلال الاحتفال بالذكرى المئوية لثورتهم الوطنية؛ يؤكّد الأوكرانيون اختلافَهم عن الروس، حيث تتصادم هاتان الرؤيتان اليوم في حقول ومدن التعدين في الدونباس، التي تحجبها الأزمات في أجزاءٍ أخرى من العالم، وتتواصل الحرب غير المعلنة، حيث قُتل أكثر من 10  آلاف شخصٍ من الجانبين حتى الآن.

مع استمرار الحرب، فإنَّ الأراضي السابقة من روسيا كييف، و”المملكة المفقودة” لسانت فلاديمير، تكبر بغض النظر عن الظروف. إنَّ المحاولة لوقف الانجراف الأوكراني نحو أوروبا، التي بدأها بوتين، ساعدت في تجييش القومية الروسية في الداخل والخارج، إلى درجةِ أنَّها ولَّدتْ مشاعر معاديةٍ للروس في جميع أنحاء العالم.

مع تزايد النزعة القومية على جانبي الحدود الروسية الأوكرانية، يجب أنْ يتغير لينين في ضريحه؛ فهو الذي عرَّف في عام 1917 أنَّ الروس والأوكرانيين شعوبٌ مختلفة، ​​وأنَّ السبيل الوحيد لتتقدم الثورة هو الاعتراف بذلك الاختلاف. وافق لينين على الاستقلال الرسمي لأوكرانيا.

إنَّ التحدي الذي يواجهه بوتين، والنخب الروسية اليوم، هو قبول استقلال البلاد الحقيقي عن سيدها الإمبراطورية السابقة، حيث لا يمكن أنْ يكون هناك سلامٌ دائم في المنطقة؛ ما لم يتحقق ذلك.

اسم المقالة الأصلي What should Putin do about the war in Ukraine? Learn from Lenin الكاتب* سيرهي بلوخي، Serhii Plokhy مكان النشر وتاريخه الغارديان، The guardian، 19/10 رابط المقالة https://www.theguardian.com/commentisfree/2017/oct/19/russian-revolution-centenary-ukrainians-not-celebrating-conflict عدد الكلمات 909 ترجمة أحمد عيشة

*: أستاذ التاريخ في جامعة هارفارد، ومؤلف كتاب المملكة الضائعة: تاريخ القومية الروسية من إيفان الثالث إلى فلاديمير بوتين.


أحمد عيشة


المصدر
جيرون