كبار السن في حلب.. على هامش الحياة



الحديقة العامة في حلب، تلكَ البقعة التي كانت ملاذًا لكل الحلبيين، من مختلف الفئات العمرية، تحوّلت اليومَ إلى ما درج الحلبيون على تسميته مؤخرًا بـ (حديقة الختايرة)؛ لكثرة المسنين الذين يجدون فيها فسحةً، تنسيهم وحدتهم، ومرارة الابتعاد عن أحبائهم الذين إما قتلوا بسبب ظروف الحرب، وإمّا هاجروا إلى الخارج بحثًا عن حياة جديدة.

يعيش كبار السن في حلب أوضاعًا قاسية، ويواجهون صعوباتٍ كثيرة في تدبّر شؤونهم الحياتية، لا سيما مع ندرة دور الرعاية الخاصة بالمسنين، فضلًا عن تراجع وضعهم المادي. في هذا الخصوص، أكد عباس دنّو، وهو موظف في مؤسسة الاتصالات في حلب، “وجودَ أعدادٍ كبيرة من المسنين في الحديقة العامة، يراهم يوميًا في أثناء مروره بها في طريقه إلى عمله”، وأضاف لـ (جيرون): “لقد تحوّلت الحديقة إلى ما يشبه مأوى للعجزة، حيث إن الكثير ممن فقدوا أولادهم أو عائلتهم، لأسباب مختلفة، يرتادون الحديقة ليتبادلوا الأحاديث عن هموم الوحدة وأوجاعها”.

رفض معظم كبار السن مرافقة أولادهم في رحلة اللجوء إلى أوروبا، وأصرّوا على البقاء في منازلهم، على الرغم من صعوبة العيش، ويعتبرون أن ما بقي من عمرهم لا يستحقّ ترك بيوتهم وذكرياتهم فيها من أجله.

في هذا الجانب، شرحت ديمة عيسى، وهي شابة من مدينة حلب، لـ (جيرون) أوضاعَ المسنين في حلب، ممّن يقطنون في الحي الذي تسكن فيه (الجابرية)، ويفترشون الحدائق العامة، قائلةً: “في البناء المقابل لمنزلي 4 شقق، يسكنها مسنّون وحيدون، ثلاثة رجال وامرأة، على الأرجح أن أولادهم سافروا إلى خارج سورية، ولا يوجد من يساعدهم في تدبير شؤونهم اليومية، فمثلاً بقي أحدهم 3 أيام من دون كهرباء، لأن اشتراك (الأمبير) انتهى، ولم يكن قادرًا على الخروج من منزله وتجديده، إلى أن ساعده أحد الجيران بعد أن اكتشف الأمر”.

أضافت ديمة: “يجد هؤلاء المسنون صعوبة في شتى أمورهم المعيشية، من دفع الفواتير وتأمين المواد الغذائية، فضلًا عن أن حياتهم مهددة بالخطر، إذا تعرضوا لأي وعكة صحية مفاجئة، ولم يجدوا من يسعفهم ويمدّ لهم يد العون”.

يوجد في القسم الغربي لحلب دار رعاية رسمية واحدة، هي (دار الكلمة للمسنين) التابعة لمشفى (الكلمة) في حي السبيل، وتتسع لـ 50 شخصًا، “بعضهم يعاني أمراضًا مزمنة ويحتاج إلى رعاية خاصة، وآخرون اختاروا المكوث في الدار بإرادتهم، بعد أن بقوا وحيدين بلا عائلة”، بحسب ما ذكر الدكتور أكرم بيلوني لـ (جيرون).

كما يوجد بعض البيوت التي يعيش فيها 5 أو6 مسنّين، وتتبع لبعض الكنائس التي تتكفّل بمصاريف البيت وعلاج المسنين القاطنين فيه، ومعظم هؤلاء من أرمن حلب الذين هاجر أولادهم إلى أرمينيا، عندما تأزمت الأوضاع في المدينة. وتؤكد مصادر متقاطعة أن “عدد المهاجرين الأرمن الحلبيين بلغَ، منذ اندلاع الثورة في ربيع 2011، نحو 13 ألفًا، توجّه نحو 7 آلاف شخص منهم إلى أرمينيا، و5 آلاف شخص إلى لبنان، والباقي إلى أوروبا وأميركا”.

أما في ريف حلب، فكلفة أضرار الحرب مرتفعة أكثر، حيث لا يوجد أي دار رسمية، تهتم بشؤون المسنين الذين فقدوا أولادهم وعائلاتهم من جرّاء قصف النظام، باستثناء مبادرة فردية أسس لها محمد نزار نجار، حيث افتتح دارًا صغيرة ومتواضعة على نفقته الشخصية، لإيواء كبار السن عند معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا.

قال نجار لـ (جيرون): “أنشأتُ الدار منذ 3 أعوام ونصف، وهي تستوعب حوالي 10 إلى 15 شخصًا فقط، وخلال هذه الفترة، استقبلت ما يقارب 60 شخصًا، منهم من توفي، وبعضهم تعرّف عليهم أقربائهم، لكن إجمالًا معظم مَنْ نزلوا في الدار فقدوا أقرباءهم أو أهلهم كليًا”.


نسرين أنابلي


المصدر
جيرون