مخيمات إدلب.. العوَز يدفع الآباء لتزويج “طفلات”



يدفع تراجع الوضع المعيشي، في مخيمات ريف إدلب، عددًا لا بأس به من الأهالي، إلى تزويج بناتهم القاصرات، زواجًا غير مناسب، ينتهي بالفشل، ويقضي على مستقبل (الزوجات الطفلات). ويؤكد ناشطون ومهتمون في الشأن الاجتماعي أن “عدم قدرة النازحين على توفير قوتهم اليومي شكّل أزمة حقيقية للعائلات الكبيرة، في ظل تراجع الدعم الممنوح لهم من قِبل المنظمات الإغاثية والدولية، وعجزِ الآباء عن إيجاد عملٍ يسدّ متطلبات الأسرة”.

ياسر حمدين، وهو نازح من ريف حماة الشمالي إلى ريف إدلب، ويقطن في مخيم (الفرقان)، وهو أحد مخيمات ريف المحافظة الغربي، لديه 5 أولاد، تكبرهم (عائشة) ذات الـ 13 ربيعًا، زوّجها والدها لشاب عمره 27 عامًا، وذلك لضعف إمكاناته المادية، وعدم قدرته على توفير الاحتياجات الرئيسة لها ولإخوتها، قال حمدين لـ (جيرون): “نواجه ظروفًا اقتصادية صعبة في هذا المخيم. في البداية كانت الأمور مقبولة نوعًا ما، من الجانب الاقتصادي، وكان اعتمادنا الأساس على المساعدات التي تأتي من (منظمات المجتمع المدني)، كالمواد الغذائية والمنظفات والألبسة، وكانت تكفي طوال الشهر، ولكن في الآونة الأخيرة، أصبح الوضع لا يطاق، وتضاءلت المعونات كثيرًا، بالترافق مع ندرة فرص العمل، وصعوبة شروطه”.

أضاف حمدين: “إن العمل في مناطقنا شبه معدوم، وإن وجد؛ فمردوده قليل جدًا، والمخيم الذي نقطنهُ يبعد عن المدينة نحو 10 كيلومتر، وإن تيسّر لي العمل في مكانٍ آخر؛ فسأحتاج إلى وسيلة نقل (دراجة نارية أو سيارة)، وحينئذٍ لن أوفر شيئًا لعائلتي، لانخفاض الأجور، وارتفاع تكاليف المواصلات”.

وأوضح أنه “عمِد إلى تزويج ابنته، بعد ما ضاقت حاله كثيرًا، ووصل إلى مرحلة العجز عن تأمين لقمة العيش لها؛ ما دفعه إلى تزويجها، لاعتقاده أن ذلك سيكون حلًا يخفف عن أفراد أسرته الباقين، ويوفر لها العيش الكريم نسبيًا”.

حول هذه الظاهرة، تحدثت ريتا غنام، مختصة اجتماعية في (مركز بناء لرعاية الطفل) لـ (جيرون): “يتذرّع معظم الآباء الذين نلتقي بهم، في أثناء نشاطنا التوعوي في مخيمات الشمال، بالضائقة المادية، على الرغم من أنها ليست حجة منطقية، وتنتهي أغلب قصص زواج القاصرات بالفشل؛ ذلكَ أن الزوجة الطفلة عادة ما يتم تجريدها من حقوقها المدنية والقانونية”.

وأضافت ريتا: “ننظم في (مركز بناء لرعاية الطفل) حملاتٍ دورية، هدفها الرئيس توعية القاصرات اللواتي يقطنّ في المخيمات، ومساعدة ذويهن في تأمين مستلزماتهن الضرورية، ومواجهة كافة التحديات والمصاعب، لكيلا يفكروا بتزويجهن في هذه السن الصغيرة”، مؤكدة أنها “في كل أسبوع، تنظم هي وصديقاتها المتطوعات زيارتَين إلى مخيمات ريف إدلب الغربي، لتقديم الدعم المعنوي والاجتماعي والاقتصادي للأهالي والطفلات”.

على الرغم من عدم وجود إحصاءات ودراسات دقيقة، ترصد نسب زواج القاصرات في المخيمات، وتقيس الأسباب الجوهرية الكامنة وراء تمدّد هذه الظاهرة، لتقترح حلولًا لها، إلا أن “قساوة الظروف المادية هي السبب الأبرز الذي يدفع الآباء لتزويج بناتهم في سنًّ مبكرة”، وفقًا لمختصين في الشأن الاجتماعي.

تحاول بعض الجمعيات الأهلية تحديد نسب زواج القاصرات في مخيمات ريف إدلب، بالاستناد إلى معلومات وبيانات قاطني هذه المخيمات وقصصهم، وبحسب إحصائية صادرة عن (تجمع ثقة التطوعي) في ريف إدلب الغربي، فقد “بلغت نسبة زواج القاصرات من عدد النازحين، في مُعظم مخيمات ريف إدلب الغربي، 4 بالمئة”.


ملهم العمر


المصدر
جيرون