عندما يكذب وزير خارجية روسيا الاتحادية
30 تشرين الأول (أكتوبر)، 2017
كذبَ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، عندما قال: “إن روسيا أصرّت، منذ بدايات الأزمة السورية، على الحل بالوسائل السلمية من خلال الحوار الموسّع بين مختلف الأطراف في سورية”، وإن بلاده “دعت المجتمع الدولي إلى مدّ يدِ المساعدة إلى الشعب السوري، لإنهاء العنف وإراقة الدماء، والحيلولة دون دعم المجرمين والإرهابيين في الداخل السوري”.
لو كان صحيحًا ما قاله لافروف لصحيفة (الشرق الأوسط) مؤخرًا، وما كان يردده المسؤولون الروس دائمًا؛ فلماذا تركوا سورية عرضةً للتدمير، تغرق في دماء بناتها وأبنائها؟ ولماذا سمحوا بكل هذه التدخلات المباشرة من إيران وأميركا وتركيا، وغير المباشرة من بعض الدول العربية تنهش في الجسد السوري؟ وإذا كانوا حريصين فعلًا على وحدة شعب سورية وأراضيها، كما يدّعون؛ فلماذا لم يتدخلوا منذ البداية لحل الأزمة بين نظام الأسد والشعب السوري، قبل أن تسيل دماء السوريين بغزارة؟ ولماذا انتظروا أربع سنوات حتى قرروا التدخل عسكريًا في سورية؟
إن الدولة التي تدّعي صداقة أي دولة لا تقف مع طرف ضد طرف في تلك الدولة، كما لا تترك سكان تلك الدولة يغرقون في الدماء، ولا تقف متفرجةً على انهيار تلك الدولة التي تدّعي صداقتها، بل تُبادر إلى وقف تصاعد الأمور فيها، وتستخدم كل ما لديها من نفوذ وتأثير على طرفَي النزاع فيها، وترغمهم على حلّ الأمور بينهم سلميًا عن طريق الحوار، هذا هو المنطق الذي تفرضه علاقة الصديق بصديقه.
أما أن يَترك الصديق صديقه إلى حدّ الموت غرقًا، ثم يدّعي أنه كان حريصًا منذ البداية على حياة صديقه من خطر الموت، فهذا تصرّف لا ينسجم مطلقًا ومبدأ الصداقة، بل يخفي تحته أمورًا أخرى يريد استغلالها من خلال إنقاذ صديقه في اللحظة الأخيرة، بهدف تحقيق مآرب ومصالح معينة. وهذا ما ينطبق إلى حدٍ بعيد مع موقف روسيا الاتحادية من الأحداث التي شهدتها سورية، منذ منتصف آذار/ مارس وحتى تاريخ تدخلها في أيلول/ سبتمبر 2015.
قد يقول قائل هذا تحليل ساذج ومُبسّط لموقف روسيا، لكن المتتبع لمسار الأحداث في سورية منذ آذار/ مارس 2011 سيكتشف -بلا عناء- أنه كان بمقدور روسيا -لو أرادت- مساعدة الشعب السوري في إحداث تغيير ديمقراطي في طريقة الحكم، بما يمنع انزلاق سورية نحو المجهول، وبما يُلبّي على الأقل جزءًا من طموحات الشعب السوري، وفي الوقت نفسه يحفظ مصالح روسيا. لكن روسيا فضّلت الترّيث في تقديم المساعدة، وتعمّدت عدم الضغط على النظام بالتنازل والقبول بإحداث تغييرات في إدارة الحكم؛ لأن حكام روسيا أساسًا غير مقتنعين بمفهوم الديمقراطية، لأنهم يعتبرونها منتجًا غربيًا وحسب، والأهم من ذلك أن الرئيس الروسي تحديدًا وجَد في الأحداث التي تعصف بسورية فرصةً تاريخيةً قد لا تتكرر، فرصة تُمكّنه من إعادة روسيا إلى المسرح الدولي، بعد أن انكفأ دورها منذ انهار الاتحاد السوفييتي، لذلك ترك الكرملين الأمورَ تتصاعد في سورية إلى حد الانهيار، وفي الوقت نفسه، أخذ يضع العراقيل أمام أي مسعى دولي لحل الأزمة السورية، على ندرته، تمهيدًا للقبض على سورية؛ الأمر الذي سيُمكّنه فيما بعد من فرض شروطه على المجتمع الدولي بطريقة الحّل في سورية، وبالتالي تحسين موقعه التفاوضي مع دول أوروبا، في إطار الصراع الدائر على النفوذ والحرب الخفية مع أميركا، وبما يُخفف من الضغط المتزايد على روسيا، بعد ضمها لشبه جزيرة القرم وتدخّلها في أحداث أوكرانيا، يُضاف إليها استغلالها قضية اللاجئين والإرهاب الدولي، وإبراز روسيا نفسها أمام العالم، كشريك مهم لا يمكن الاستغناء عنه في محاربة الإرهاب العابر للحدود، وأنها أصبحت قوة عالمية لا تقل عن قوة أميركا، ويجب أن تُعامل على هذا الأساس.
كما أن هناك جانبًا آخر، لا يقل أهمية عمّا تقدم، وهو الهدف الروسي في تفعيل القدرات العسكرية الروسية، ونفض الغبار المتراكم عليها في المخازن، واستثمارها في الحرب المشتعلة على الأراضي السورية؛ فروسيا التي تحتل المرتبة الثانية في العالم على صعيد إنتاج وتجارة الأسلحة، وجدت في تدخلها العسكري المباشر في سورية فرصة ذهبية قد لا تتكرر، لتجريب سلاحها القديم منه والحديث، وبيان مدى فاعليته وقدراته التدميرية، ولِمَ لا والظروف مثالية أمام روسيا ومتاحة من جميع النواحي؛ فلا الأرض أرضها ولا السكان سكانها. يضاف إلى ذلك غياب الإرادة السياسية لدول الغرب وأميركا، وترددهما في وضع حد للحرب الدائرة في سورية منذ أكثر من ست سنوات.
لم يخفِ المسؤولون الروس فرحتهم في تعداد مزايا التدخل العسكري الروسي، ذلك التدخل الذي مكّن القوات الروسية -من خلال عملياتها القتالية في سورية- من صقل المهارات القتالية للجنود والطيارين والقوى البحرية وقوات الدفاع الجوية، وحتى الرئيس الروسي نفسه اعتبر -في حديثٍ له نُشر في موقع (روسيا اليوم)، منذ نحو ثلاثة أشهر- أنّ العمليات العسكرية الروسية في سورية ساعدت في الكشف عن عددٍ من العيوب في الأنواع الجديدة من الأسلحة الروسية، واصفًا الحرب في سورية بأنها “أفضل ميدان تدريب للقوات الروسية”.
إذًا، كان الروس يُخططون منذ البداية للتدخل العسكري المباشر في سورية، ليس لحماية الشعب السوري ومنع الدولة السورية من الانهيار، بل لتحقيق مصالحهم الخاصة. فسورية -أرضًا وشعبًا- لم تُشكّل، بنظر المسؤولين الروس، سوى مجرد حقل تجارب للأسلحة الروسية، للترويج لها في الأسواق العالمية، واستخدام الأحداث في سورية، ولا سيما مسألة اللاجئين والإرهاب، كفزاعة لإخافة دول أوروبا تحديدًا؛ تمهيدًا لدفعها إلى القبول بشروط التسوية الروسية لحل القضية السورية، وفتح الطريق أمام حلِّ للقضية الأوكرانية، بما يتفق ومصلحة روسيا.
ميشال شماس
[sociallocker]
جيرون