‘نيويورك بوست: بعد “داعش”.. أملٌ في العراق وبوادر عاصفة في سورية’
31 تشرين الأول (أكتوبر)، 2017
قبل ثلاث سنوات، سيطر “تنظيم الدولة الإسلامية” على أكثر من 40 بالمئة من العراق، وعلى قطعة مماثلة بالمساحة من سورية. وكانت الخلافة الشيطانية لأبي بكر البغدادي أكبر من المملكة المتحدة أو من ولايات نيويورك ونيوجيرسي وكونيتيكت مجتمعة. أما اليوم، فقد أصبح تنظيم الدولة يسيطر على رقعة صحراوية صغيرة، حتى إنه قد يختفي قريبًا.
لكن هذا لا يعني أن تنظيم (داعش) أصبح من التاريخ؛ إذ استقطبت رؤى البغدادي أتباعًا من 100 دولة. وأولئك الذين نجوا من الجيش العراقي والميليشيات الشيعية والبيشمركة الكردية و(قوات سورية الديمقراطية) مختفون عن الأنظار، ينتظرون أي فرصة للعودة.
ثم يصبح السؤال إن كان سوء إدارة الحكم في المناطق المحررة من تنظيم (داعش) سيمكّنه من عودته. وتُظهر اشتباكات الأسبوع الفائت، بين القوات الكردية والعراقية للسيطرة على كركوك، مدى تعقيد التضاريس، في فترة ما بعد تنظيم (داعش).
ولحسن الحظ، يبدو أن العراق، على الأقل، ليس جاهزًا لملء الفراغ وحسب، بل للتعلم من الأخطاء التي أدت إلى ظهور تنظيم (داعش) في المقام الأول أيضًا. وفي حين يضج قصر الضيافة لرئيس الوزراء حيدر العبادي، في بغداد، بشيوخ من قبائل وسياسيين محليين من مناطق محررة مؤخرًا، يقدمون النصائح بشأن الخطوات التالية، إلا أن العبادي رجل دستوري أيضًا، وستحل المجالس المحلية، بدل الحكومة المركزية، محل المسؤولين المحليين المعزولين أو المقتولين. وبينما يسعى بعض السياسيين لتأجيل الانتخابات البرلمانية العراقية إلى حين عودة النازحين العراقيين، إلا أن العبادي رفض هذا المسعى بشيء من الحكمة.
أعلنت الحكومة العراقية، يوم الأحد، عن إجراء الانتخابات البرلمانية في الثاني عشر من شهر أيار/ مايو من عام 2018. ويُعد الالتزام بالجدول الزمني حكيمًا لثلاثة أسباب. أولًا، يتم تخصيص المقاعد في المجلس حسب المقاطعة، لذلك ليس هناك ما يخشاه السنة من الحكومة التي تقودها الشيعة في الانتخابات القادمة.
ثانيًا، إن الالتزام بالجدول الزمني للانتخابات يحُول دون الوقوع في أزمة دستورية، فإذا قام عبادي بتأخير الانتخابات؛ فسوف يُحلّ البرلمان، وهو الأمر الذي سيسمح لعبادي بإعلان حالة الطوارئ. ويعدّ عدم السعي لفرض ديكتاتورية علامةً إيجابية ليس للعراق وحسب، بل للثقافة السياسية في النطاق الأوسع للعالم العربي.
ثالثًا، يُمنح العراقيون من العرب السنة ما يريدونه: فرصة لبداية جديدة. وهنا يكمن طوق النجاة للمأساة التي صنعها “تنظيم الدولة الإسلامية”. وردًا على الأحاديث التي تخص الطائفية في العراق، يعترف العرب السنة، الذين نجوا من إرهاب تنظيم (داعش)، بأن العراقيين الشيعة هم من حرروهم، بينما هربت قياداتهم المحافظة إلى الأردن أو لندن.
في الواقع، إن الأصوات العالية التي تؤيد تأخير الانتخابات هي أصوات سياسيين مفضوحين يدركون أن الناخبين في محافظات الموصل والرمادي وتكريت يخططون لإنهاء نفوذهم وشهرتهم. وأن الإرادة الجديدة للعمل بين الشيعة والسنة، تحت راية القومية العراقية، مطابقة للتقارب العراقي السعودي في الساحة الدبلوماسية. وفي الحقيقة، يبدو أن هناك انفصالًا مع الخبراء الأجانب الذين يقلقون من أن العراق سيرضخ للتأثير الإيراني، في حين أن أفعال العبادي كافة تشير إلى رغبة في تعزيز علاقاته مع العالم العربي.
لكن العراق مع ذلك يواجه مشكلات كبيرة؛ إذ إن إعادة الإعمار ستتطلب عدة سنوات. فما حدث لسكان مدينة نينوى في محافظة الموصل يعادل التدمير الذي سببه الإعصار في مدينة كوينز. ولكن الأهم من ذلك هو أن العراق لا يبحث عن متبرعين، بل عن مستثمرين. وفي شهر كانون الثاني/ يناير من عام 2018، ستستضيف الكويت مؤتمرًا للمستثمرين للفت انتباه أولئك الذين يعتبرون أن العراق ضحية، إلى أنه سوق أيضًا.
ثم إن هناك الكلفة الإنسانية؛ فالعالم يعي المأساة التي تعرضت لها البنات والنساء الإيزيديات بالمتاجرة بهن جنسيًا. أولئك الناجيات سيكنّ بحاجة إلى سنوات من المعالجة من الصدمات النفسية. وتلك هي حال الأطفال أيضًا من العرب السنة الذين أُجبِروا على مشاهدة قطع الرؤوس في الساحات العامة، أو تعرضوا لغسيل دماغٍ في مدارس تنظيم (داعش). لكن أغلب الأطفال السنة تخلفوا عن بضع سنوات دراسية.
أضف إلى هذا المزيج حقيقة أن التنظيم خلّف المئات من الرضّع المولودين من مقاتلين أجانب وزوجات غير عراقيات من تنظيم (داعش). وتقول بغداد إن هؤلاء الأطفال غير عراقيين، وقد طالبت بلدانًا أخرى بتحمل مسؤوليتهم. لكن دولًا أوروبية، مثل فرنسا وألمانيا، ترفض حتى الآن إعادة هؤلاء الرضّع من الإرهابيين.
وقد تكون سورية مشكلة أكبر. إذ قد يكون بشار الأسد على سدة الحكم، لكن الحرب الأهلية بعيدة عن نهايتها، ويكره الأكراد السوريون، الذين كانوا الأكثر نجاعة في مواجهة تنظيم (داعش)، التخلي عن المنطقة الفدرالية التي أسسوها. وبينما سعت واشنطن منذ فترة طويلة إلى استرضاء كل من الأتراك والأكراد، إلا أنه يمكن لأنقرة أن تفرض قرارًا في الفترة القريبة.
دعونا نأمل أنه إن فعلت ذلك؛ فستنحاز واشنطن مع الأكراد بدلًا من حكومة لم تتصرف كحليف أبدًا، على الرغم من أنها عضو في حلف شمال الأطلسي. أما بالنسبة إلى الأماكن الأخرى في سورية، فإن احتضان الأسد لإيران و”حزب الله” قد يمثّل الهدوء الذي يسبق عاصفة جديدة.
اسم المقال الأصلي
After ISIS: Hope in Iraq and new storm clouds in Syria
الكاتب
Michael Rubin
مايكل روبن
مكان النشر وتاريخه
New York Post
23/10/2017
رابط المقالة
http://nypost.com/2017/10/23/after-isis-hope-in-iraq-and-new-storm-clouds-in-syria
ترجمة
مروان زكريا
مروان زكريا
[sociallocker]
جيرون