فيلم “قضية 23” وجدل التطبيع

1 تشرين الثاني (نوفمبر - نونبر)، 2017
10 minutes

قرارُ موسى أبو حديد، رئيس بلدية مدينة رام الله بالضفة الغربية في فلسطين المحتلة، القاضي بمنع عرض فيلم (قضية 23) للمخرج اللبناني زياد دويري، في ختام مهرجان (أيام سينمائية) في “رام الله”، بعد اتهام المخرج بالتطبيع مع دولة الاحتلال الصهيوني، أثار جدلًا واسعًا في الأوساط الفنية والثقافية الوطنية الفلسطينية، في الداخل الفلسطيني والشتات.

قال “أبو حديد”، في بيان نشرته وسائل إعلام محلية في رام الله، الأحد 22 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري: إن قرار المنع جاء “استجابةً لأصوات العقلاء الذين توجهوا إلى البلدية بمطالبات منع عرضه في مهرجان (أيام سينمائية)”. وأوضح البيان أن “العديد من المطالبات الاحتجاجية وصلتهم، تطالب بمنع عرض الفيلم، وجاء قرار البلدية استجابة لهم”.

مع المنع

انطلقت احتجاجات شعبية كبيرة ضد عرض الفيلم في مهرجان (أيام سينمائية) في رام الله؛ بسبب مواقف مخرجه زياد دويري الذي ما يزال يدافع عن التطبيع مع الاحتلال.

في أول ردة فعل على قرار المنع، قال الكاتب والناشط اليساري خالد بركات: “ليس الإنجاز في منع عرض فيلم (دويري) وحسب، بل في تجذير موقف اللجنة الوطنية للمقاطعة والارتقاء بمستوى الرفض الشعبي، خصوصًا بعد موجة بشعة من التطبيع. أما من يتباكون على “حُرّية الإبداع” من مثقفي السلطة والطبقة الفلسطينية المخملية؛ فهؤلاء لم نرهم يقفون مع (الغلابا) والمثقفين الوطنيين في مواجهة عسف السلطة ولا مرّة واحدة!”.

فيما قالت الكاتبة ميس داغر: “لمن لا يعلم حتى الآن ما هي مشكلتنا -الفلسطينيين- مع المخرج اللبناني زياد الدويري وفيلمه (قضية 23) الذي كان يُفترض عرضه الإثنين، نقول: ليس الفيلم ذاته بقضيةٍ بالنسبة لنا، ولا هو المشكلة. مشكلتنا هي أنّ “الدويري” قام قبل هذا الفيلم بتصوير فيلم اسمه (الصدمة)، خلال 11 شهرًا قضاها في تل أبيب، وحتى فترة الاستجمام هذه في تل أبيب ليست هي المشكلة الأساسية. من يشاهد هذا الفيلم الذي صوّره “الدويري” في تل أبيب؛ يعلم أنّ الصدمة الحقيقية هي في مضمون الفيلم الذي مُسخت فيه المقاومة الفلسطينية بأبشع الأشكال، وعُكست فيه أدوار الجلاد والضحية؛ وفي هذا المضمون تجد الإجابة عن السؤال الذي يقول: “كيف سمحت (إسرائيل) لمخرج لبناني بتصوير فيلم سياسي في عُقر دارها!”. ببساطة، لقد قدّم المخرج اللبناني لدولة القتل والإرهاب خدمة “فنية” على طبق من ذهب. على كل حال، تحية إلى بلدية رام الله التي أعلنت عن إلغاء عرض الفيلم الذي كان مقررًا يوم الإثنين”.

ضد فكرة “المنع”

موقف مخالف ورافض، عبّر عنه الكاتب والشاعر غسان زقطان: إن “قرار منع عرض (فيلم قضية 23) من قبل بلدية رام الله، سابقة ستفتح المجال واسعًا لفكرة “المنع”، قبل فترة تشكلت حملة واسعة ضد قرار النائب العام بمنع توزيع رواية، ولم يكن الأمر يتعلق بقيمة الرواية أو الكاتب، كانت حملة ضد فكرة “المنع”، وما زالت حادثة منع كتب إدوارد سعيد في التسعينيات وصمةً يصعب محوها، ويتنصل منها حتى أصحاب القرار، المنع الجديد سيضاف إلى هذه القائمة، وسيكون من الصعب تبريره. هذه خطوة واسعة نحو الوراء، تضر بمكتسبات مستحقة أهمها حق الاطلاع على المعلومة وحرية التعبير، وهي إهانة غير مقصودة في الغالب، لفهم ووطنية وذكاء الجمهور. هذا الفيلم تحديدًا يثير واحدة من أهم القضايا المسكوت عنها، وهي العلاقة الفلسطينية اللبنانية الملتبسة في لبنان، بما فيها حقوق اللاجئين الفلسطينيين والاضطهاد الذي يعانونه من قبل كل القوى السياسية في ذلك البلد. لا من منَع ولا من طالب بالمنع، ولا أنا أو غيري شاهد الفيلم؛ ولكننا جميعًا نعلم أنه يمس قضيتنا، وأن فنانًا فلسطينيًا وطنيًا بحجم كامل الباشا قد استحق جائزة عالمية على دوره فيه وأن الفيلم في طريقه إلى الأوسكار، والأهم أننا سنشاهده جميعًا، إذ لا مجالَ لـلمنع في عالمنا الحديث”.

الصحافي والروائي الشاب سليم البيك (مقيم في فرنسا) علّق على حملة المنع التي طالت الفيلم: إن “من الجيّد ألا يُعرض فيلم “الدويري” في فلسطين، لكن ليس بمنعه، بل بعدم اختياره أساسًا. هذا رأيٌ ضد قرار اللجنة المنظمة باختيار الفيلم، وليس مؤيدًا لحملات المنع”. وختم قائلًا: “أتمنى أن لا تحيد أي جهة منظِّمة لأيّ حدث ثقافي في فلسطين عن المسألة الوطنية، وكذلك أن لا تجعل حملة المقاطعة من نفسها شرطيًا مكروهًا من الأهالي”. وشدد البيك على أن “المقاطعة الثقافية والسياسية والاقتصادية للاحتلال إنجاز فلسطيني أرجو ألا يسخّفه البعض لأسباب شخصية. أما الأسلوب الغليظ والمنفّر والأبويّ لناشطين في حركة المقاطعة، فهذه مسألة أخرى”.

أسئلة “الباشا” ومقاطعة لـ(BDS)

ردًا على ما اعتبره بطل الفيلم كامل الباشا (الحائز مؤخرًا على جائزة أحسن ممثل في مهرجان البندقية السينمائي الدولي، عن دوره في فيلم “قضية 23”)، قال الباشا: “منذ يومين أتابع قدر المستطاع -بهدوء وحرص- ما ينشر من دعوات عبر (فيسبوك) لمقاطعة فيلم (قضية 23) محاولًا فهم دوافع الداعين إلى المقاطعة.. هم يبررون دعوتهم بأن “زياد” أنجز فيلمه السابق في فلسطين المحتلة، وبناءً عليه يجب مقاطعة جميع أفلامه إلى أن يعتذر لهم عن فيلمه السابق، علمًا أن الفيلم السابق: (الصدمة)، تمت مقاطعته، ومنع في جميع الدول العربية قبل خمس سنوات، وهم يخلطون بقصدٍ بين هذا الفيلم وفيلم (قضية 23)، موهمين الناس أن هناك قرارًا بمقاطعته، يكذبون ويشوهون الحقائق عمدًا، أردت أن أفهم لماذا؟ وبعدما أصدرت لجنة مقاومة التطبيع في فلسطين بيانًا، أقرت فيه أن فيلم (قضية 23) لا تنطبق عليه معايير المقاطعة؛ زاد إصرار هؤلاء على تشويه الفيلم والإساءة إلى مخرجه والدعوة إلى مقاطعته، بحجة أن قرارات لجنة المقاطعة ليست كتابًا مقدسًا.. وأنا أتفق معهم في هذا، فلا مقدس إلا ما أمر الله بتقديسه بالنسبة إليّ. إذن لماذا يشن هؤلاء هذه الحملة وقد عوقب “زياد” على فيلمه الأول؟ ولماذا يتبنون خطابًا تخوينيًا، ويسعون لمنع فيلم لم يشاهدوه؟ ولماذا يختارون من مجمل ما كتب عن الفيلم في لبنان وفي إيطاليا تلك المقالات التي تحلل الفيلم، وفقًا لأجندة سياسية طائفية مقيته!”. وأضاف الباشا: “زرت تقريبًا جميع صفحات الداعين إلى هذه المقاطعة في (فيسبوك)، كل الصفحات.. أكثر من 20 بروفايل تتبنى الموقف نفسه.. ليس في قضية الفيلم فقط، بل في الكثير من القضايا.. غريب! ولكن ما العلاقة بين هذا وبين “زياد” وفيلمه! هل هو ثقافة الممانعة المدعية لاحتكار الحقيقة أم أن هناك شيئًا آخر! عدت إلى قراءة مقابلات “زياد” متفحصًا، وبعد عناء أظن أنني وجدتها، وستجدوها دون شك؛ إن فعلتم ما فعلتُ.. راجعو مقابلات “زياد” وادخلوا بروفايلات هؤلاء الشباب وستؤلمكم الحقيقة”.

كما أصدر الباشا، الإثنين، بيانًا أعلن فيه عن مقاطعته للجنة مقاطعة “إسرائيل” (BDS)، جاء فيه: “بناءً على البيان الصادر عن لجنة مقاطعة إسرائيل (BDS) الخاص بالمخرج اللبناني زياد دويري، ومنع عرض فيلم (قضية 23) في فلسطين؛ أعلن مقاطعتي للحركة وأطالب بتشكيل جمعية من المثقفين الفلسطينيين المناهضة لفكرها الإقصائي والانتقائي داخل فلسطين التاريخية وفي الوطن العربي. وتابع الباشا: “في اجتماع 2007 تم إقصاؤنا كفنانين، واتخذ سياسيو اليسار قراراتهم بعيدًا عنا، بعد اجتماع عاصف كنا على وشك استخدام الكراسي فيه. وفي عام 2016 تم الاتفاق على عقد اجتماع معهم بمبادرة من “سرية رام الله”، على أن يحددوا المكان والزمان وعقد الاجتماع دون دعوتنا أيضًا، والآن في (قضية فيلم 23) هم يخالفون معايير التطبيع التي وضعوها بأنفسهم، ويقررون وحدهم دون الرجوع للمؤسسات الفنية المخالفة لهم، إعدام زياد دويري؛ إن لم يعتذر.. إن هذا النهج الإقصائي المتعمد يعني استهانتهم بالفن والفنانين، وأنا أحترم نفسي، ولن أدعم من لا يحترمني ولا يقبل الحوار معي، ويقصيني طوال سنوات؛ لأن لوني الفكري لا يتوافق مع نهجهم التدميري للداخل الفلسطيني، في الوقت الذي يحققون فيه الإنجازات على المستوى العالمي”. وختم الفنان الفلسطيني، قائلًا: “لقد التزمت طوال السنوات السابقة بمعاييرهم التي فرضوها، احترامًا لجهودهم؛ ولكني أعلن منذ هذه اللحظة عدم التزامي بأي من قراراتهم”.

غسان ناصر
[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]

جيرون