مدونة جريدة اللوموند: ماكرون والأسد وشرف فرنسا



 لا يستطيع الرئيس ماكرون أن يبقى صامتًا في مواجهة فضيحة وسام جوقة الشرف الذي مُنح لبشار الأسد.

جاك شيراك يمنح بشار الأسد وسامَ جوقة الشرف من مرتبة الصليب الأكبر، في قصر الإليزيه في 25 حزيران/ يونيو 2001. (DR)

لا يستطيع الرئيس ماكرون التظاهر بتجاهل حقيقة أن أحد أسلافه قد رفع الدكتاتور السوري إلى المرتبة العليا، في تراتبية أوسمة جوقة الشرف الوطني. تم هذا في شهر حزيران/ يونيو عام 2011، عندما “ورث” بشار الأسد عن أبيه، الذي كان قد مات قبلها بعام، السلطةَ العليا في سورية، كان جاك شيراك قد منح موافقة فرنسا لذلك التعاقب الوراثي باستقباله بشار الأسد في الإليزيه، أثناء حياة والده في تشرين الثاني/ نوفمبر 1999، كما كان بعدها الرئيس الغربي الوحيد الذي حضر في دمشق جنازة حافظ الأسد، في حزيران/ يونيو 2000، ليزيد من إشارات دعم المستبد الشاب.

حسابات جاك شيراك

وجد الرئيس شيراك نفسه، منذ عام 1997، في حالة من “التعايش” المؤسساتي مع رئيس الوزراء ليونيل جوسبان، ولكن رئيس الدولة استمر في إدارة الشؤون السورية بطريقة شخصية، تكاد تخلو من الشفافية، حتى فيما يتعلق بوزير الخارجية هوبير فيدرين. يعود ذلك إلى هوس شيراك بمصير صديقه المقرّب: رفيق الحريري، الذي عاد إلى رأس الحكومة اللبنانية في شهر تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2000، بعدما كان من قبلُ رئيسًا للوزراء بين عامي 1992 و1998. عاد الحريري إلى السلطة بموافقة من بشار الأسد الذي كان عشرات الآلاف من جنوده مستمرين في احتلال لبنان.

حدثت زيارة الدولة التي قام بها الرئيس السوري الشاب إلى باريس في حزيران/ يونيو 2000، بعد تمديد الزيارة الرسمية لرئيس الوزراء الحريري، في شباط/ فبراير، ومن ثم زيارة الدولة للرئيس اللبناني إميل لحود في أيار/ مايو، وهدفَت تلك السلسلة المكثفة من الزيارات الاستثنائية، بالنسبة إلى شيراك، إلى تأمين موقع الحريري في مواجهة “حاميه” السوري والوسطاء اللبنانيين. نعرف أن الأمور ستنتهي بشكل سيئ جدًا، باغتيال الحريري في وسط بيروت في شباط/ فبراير 2005، وبالحملة الشرسة التي قادها شيراك من تلك اللحظة ضد الأسد المتهم بتلك الجريمة.

تكريم بين بابَين

في حزيران/ يونيو 2001، لم يجر أي شيء بشكل حسَنٍ لبشار الأسد، الذي منحه جاك شيراك وسام جوقة الشرف من مرتبة الصليب الكبير، حيث قدر الرئيس الفرنسي فظاظة منح امتياز كذاك، لتتم مراسمه بين بابين من قصر الإليزيه، بالمعنى الحرفي للكلمة. الصورة الوحيدة التي نمتلكها لذلك الوسام هي الصورة الواردة أعلاه، وقد عُثر عليها بفضل منشور في جريدة (اللوموند)، في حزيران/ يونيو الماضي، لتحقيق دقيق عن وسام جوقة الشرف. لم يتم نشر أي إعلان عن تلك المناسبة التي لم يتم إخبار ليونيل جوسبان وحكومته عنها، كما كان واضحًا أنه لم يكن لدى شيراك أي وهم، منذ تلك الفترة، حول “الشرف” النسبي لضيفه السوري.

لن يرتدي الأسد، إضافة إلى ما سبق، ذلك الوسام، سواء خلال بقية زيارة الدولة تلك إلى باريس، أم في المستقبل. ستتم دعوته من الرئيس نيكولا ساركوزي إلى منصة استعراض 14 تموز/ يوليو العسكري عام 2008، لكن “شهر العسل” بين باريس ودمشق سيدوم، مع ذلك، لفترة أقصر في عهد ساركوزي منها في عهد شيراك، قبل أن يعود الرئيس الفرنسي، وينقلب ضد نظيره السوري. سيكون فرانسوا هولاند أكثر ثباتًا؛ ليظهر من البدء خطًا واضحًا بخصوص سورية، لن يتخلى عنه خلال فترة رئاسته: لا يمكن للأسد، وهو أصل المشكلات، أن يكون جزءًا من الحل.

الرئيس ماكرون ومهمة الفصل

بإطلاقه لإجراء تجريد هارفي وينشتاين من وسام جوقة الشرف الوطني، يكون إيمانيويل ماكرون قد اتخذ مبادرة مشرّفة بكل المقاييس، حيث تحمّل -بالجدية والصرامة اللازمتين- مسؤولياته، كحامل لأعلى مرتبة من وسام جوقة الشرف الوطني التي استلمها، خلال حفل تنصيبه في أيار/ مايو الفائت كرئيس على الإليزيه، ولكنه يعلم أنه قد فتح أيضًا صندوق “باندورا” لأوسمة “الشرف” الجدلية التي تم منحها لأصحاب مناصب أجانب، بالتأكيد سيكون الإغراء لإغلاق هذا الملف الشائك بالاكتفاء بقضية وينشتاين وحدها قويًا.

لكن سيكون من المؤسف أن لا يتعامل الرئيس مع ملف الأسد بالطريقة المشرفة الوحيدة، والتي لن تخرجه إلا كبيرًا، مقارنة بأسلافه قاطني قصر الإليزيه، ذلك الذي كرم المستبد السوري في عام 2001، وأولئك الذين لم يجردوه من قائمة حاملي وسام جوقة الشرف، خلال فترات حكمهم. سيكون باستطاعة إيمانيويل ماكرون، ابتداء من هذه اللحظة، الاستماع إلى الأصوات التي تناديه بسحب وسام الصليب الأكبر الذي يسيء إلى شرف فرنسا من دون تأخير، وعليه أن يتذكر، خصوصًا، أنه قد قام بنفسه بوصف الأسد، الشهر الماضي، بـ “مجرم” يجب أن يمثل أمام “العدالة الدولية”. إنها مسألة تخص الشرف، شرف فرنسا.

العنوان الأصلي Macron, Assad et l’honneur de la France الكاتب جان بيير فيليو المصدر مدونة جريدة اللوموند الرابط http://filiu.blog.lemonde.fr/2017/10/29/macron-assad-et-lhonneur-de-la-france/ المترجم أنس عيسى


أنس عيسى


المصدر
جيرون