‘صحيفة فزغلياد: الأميركيون يغامرون بافتعال مجازر جديدة في العالم الإسلامي’

2 تشرين الثاني (نوفمبر - نونبر)، 2017
12 minutes

الصورة: Alex Brandon/Pool/Reuters

 دعا وزير الخارجية الأميركية بيكس تيلرسون إيرانَ إلى سحب ميليشياتها ومستشاريها العسكريين من الأراضي العراقية، متذرعًا بأن الحرب على “تنظيم الدولة الإسلامية” انتهت تقريبًا. كان من الممكن أن نسمي هذه الدعوة “صدَقةٍ” على المملكة العربية السعودية، ولكنها في الحقيقة محاولة دورية جديدة للتخريب، تهدد بسفك مزيدٍ من الدماء.

تقتبس وكالة (رويترز) قول تيلرسون الذي جاء فيه أنّ “على الميليشيات الإيرانية الموجودة في العراق الآن، وبعد اقتراب الحرب على (تنظيم الدولة الإسلامية) من نهايتها، العودة إلى إيران، وترك الشعب العراقي يتولى شؤونه بنفسه”.

بالفعل، بعد استيلاء مقاتلي التنظيم على قرابة ثلث مساحة البلاد في عام 2014، شكّل السكان المحليون ميليشيات شعبية، أُعلن أنها جزءٌ من الجهاز الأمني للبلاد. في الوقت نفسه، لم يكن مستغربًا مشاركة طهران على نحو فعال في إعداد وتدريب وتجهيز هذه الميليشيات، فقد كان الشيعة أحدَ أهم أهداف الإسلاميين. والآن، تخشى الولايات المتحدة الأميركية أنْ تستغل إيران المكاسبَ التي تحققت في العراق وسورية، لتوسيع نفوذها في المنطقة.

انتقد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف تصريحات تيلرسون، مفترضًا أنها جاءت لتصب في مصلحة السعودية المنافس الإقليمي الرئيسي لإيران. ومبررات ظريف قوية؛ فقد قال تيلرسون هذا التصريح، وكأنه يتكلم من الرياض. سجّل ظريف على (تويتر): “إلى أي بلدٍ بالتحديد، يتوجب الذهاب على العراقيين الذين انتفضوا دفاعًا عن بيوتهم في وجه (تنظيم الدولة الإسلامية)؟ إن السياسة الخارجية الأميركية المخجلة يمليها البترو- دولار”.

في نهاية أيلول، صرّح ظريف بأن منع سورية من استعادة سيطرتها على الحدود مع العراق، هو أهم، بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية، من هزيمة (تنظيم الدولة الإسلامية). وقتذاك، كان من الصعب مجادلته، والآن بشكلٍ خاص، وكأن المستشارين العسكريين الإيرانيين، كما الحرس الثوري الإيراني، لم يكونوا موجودين.

تنطوي وجهة نظر تيلرسون على ازدواجية ثقافة الرجل الذي نشأ في ولاية تكساس؛ فهو بروتستانتي حقيقي، وهو في الوقت نفسه رجلٌ مستقل. أينما كان يعمل تيلرسون، فإن الاجتماع الذي يشارك فيه سيبدأ بالضرورة بتلاوة الدعاء، بغض النظر عما إذا كان جليسه يشاطره المعتقد أم لا. ولكن هذا لم يمنع في الحقيقة تيلرسون، كونه رئيس جمعية (كشافة أميركا)، من الدعوة لقبول المثليين في عضوية الجمعية. وفي الوقت نفسه، كان والده قد تعرف على أمه في أثناء انعقاد مؤتمر لهؤلاء الكشافة.

الأمر نفسه تقريبًا يتكرر في حالة “التشكيلات الإيرانية في العراق”. ليس فقط، ليس هناك وجود للميليشيات الإيرانية في العراق، بل إن من يطالب بخروج “التشكيلات الأجنبية من العراق”، هو ذاته وزير خارجية الدولة التي تحتل العراق منذ 13 عامًا. رسميًا، أُعلن عن سحب القوات الأميركية النظامية، غير أن مستوى تغلغل المستشارين الأميركيين والشركات العسكرية الخاصة في الحياة اليومية للبلاد، بلغ حدًا، بحيث أصبح من غير الممكن وصف التواجد الأميركي بكلماتٍ غير الاحتلال.

أعداد الشيعة في العالم ليست كبيرةً مقارنةً بالمسلمين السُنة، ومن الطبيعي أن تتجه أنظار أولئك الشيعة الذين يعيشون خارج حدود إيران -الدولة الشيعية القوية الوحيدة- صوب طهران. لم يكن الصراع، بين فرعي الإسلام: السنة والشيعة، يومًا خلافًا عقائديًا، فمنذ موقعة كربلاء، عام 682 للميلاد، اتخذت المواجهة بين الفرعين صبغةً دموية على الدوام، تفوق من حيث حدتها الصراع الذي دار بين البروتستانت والكاثوليك.

في أوروبا، في بداية القرن السابع عشر، انتهت بشكلٍ أو بآخر حرب الثلاثين عامًا، بحل مشكلة الخلافات العقائدية وأيديولوجيا الحكومية (الدين هو دين السلطة). لم تكن بعض الانتكاسات التي شابت السلم بينهما، كإيرلندة الشمالية منتجًا دينيًا، بقدر ما هي منتجٌ لصراعٍ سياسي، وهذا يعني أنه قابلٌ للحل. أما في حالة المواجهة السنية الشيعية؛ فهناك ذريعةٌ أبدية للحرب. ومهما قيل إن إيران تخوض صراعًا على النفوذ الإقليمي ضد السعودية ومن والاها؛ فإن هذا الصراع يبقى عقائديًا بالدرجة الأولى. وبحسب التعريف، فإنه صراعٌ غير قابلٍ للحل بالوسائل الدبلوماسية والسياسية.

كان شيعة العراق منذ زمنٍ طويل ملاحقين ومضطهدين من قبل الأقلية السنية، مع أنهم الغالبية في العراق (بحسب آخر الإحصاءات 65 بالمئة، بينما تعطي التقديرات السنية أرقامًا مختلفة، ولكنهم يتحدثون عن العراقيين العرب فقط). بجهود سلطات الاحتلال، سلّم الإنكليز أهل السنة عرش المُلك في العراق (الملك فيصل)، حيث كان التفاهم معهم أسهل. فالشيعة، كانوا يخيفون الإنكليز باستقلاليتهم، خصوصيتهم، تصوفهم، الاعتقاد بظهور المهدي واحتفاليات جلد الذات.

على عكس ذلك، كان الأميركيون، قبل دخولهم العراق، يأملون بدعم الشيعة، ولكنهم بفضل تصرفاتهم العبقرية؛ حصلوا على جيش المهدي، وعلى محمد مقتدى الصدر، سليل آية الله العظمى محمد صادق الصدر، الذي قتل بغرز مسمارٍ في رأسه، وهو نموذجٌ آخر لطبيعة العلاقات المعقدة بين السنة والشيعة.

إضافة إلى ذلك، تقع معظم الأماكن المقدسات الشيعية، وأهمها ضريح الإمام علي، في النجف ومشهد الإمام الحسين بن علي في مدينة كربلاء. بعد نهب ضريح الإمام الحسين على يد العثمانيين عام 1843، انتقل مركز التعليم الديني والإرشاد من جامعات كربلاء إلى النجف. وفي عام 2008، مشى قرابة مليونين من الشيعة عبر شوارع كربلاء، وجميعهم يعدّ إيران سندهم وأملهم، بالطريقة نفسها التي ينظر كاثوليك العالم إلى روما. وهكذا كان الأمر مع موسكو؛ لو لم يكن قد تجذر تاريخيًا نظام الكنائس المستقلة عن الكنيسة الروسية (الأوتوكيفالية) في العقيدة الأرثوذكسية.

تتصرف إيران بشكلٍ طبيعي، كحاميةٍ لأهل العقيدة الشيعية. موسكو، على الرغم من كل استقلالية الكنائس الأرثوذكسية، انبرت للدفاع عن الأرثوذكس في البلقان والشرق الأوسط في القرن التاسع عشر، مع أنها كانت بذلك تلحق الضرر بمصالحها وبصورتها أمام العالم. الادعاء بحماية الأرثوذكس الموجودين على أراضي الإمبراطورية العثمانية، كان الذريعة الرسمية لروسيا للدخول في حرب القرَم.

يمكن اعتبار تصرفات إيران كمخلفات العصور الوسطى، وهذا ما يفعله البروتستانتي المتشدد بيكس تيلرسون. ولكنه واقعٌ لا يمكن تجاوزه بإصدار القرارات وبالنقاش حول الديمقراطية والعولمة. وزير الخارجية نفسه، أكد قبل أيام، أن السياسة الأميركية تجاه إيران يجب أن “تحمل طابعًا مركبًا”، وليس أن تتأرجح حول المسألة النووية.

واشنطن تعدّ كلَّ التشكيلات الشيعية التي شاركت بتمشيط كركوك، بعد إجراء حكومة أربيل الاستفتاء حول استقلال كردستان العراقي، مواليةً لإيران؛ وهذا أعلى درجات الغرابة، لأن هذه الوحدات هي نفسها التي استعادت الموصل، بدعم قيادة القوات الأميركية وبإشرافها. وللحقيقة، أوضحت بغداد أن المجموعات الشيعية، المسيحية والإيزيدية لن تشارك في تمشيط مدينة الموصل، لعدم الرغبة في إثارة النعرات الطائفية. ولكن على أرض الواقع، كانت المجموعات الشيعية والمسيحية الآشورية هي التي تتقدم على أصعب خطوط المواجهة، بينما أظهرت الوحدات السنّية ميلًا مستمرًا للتفكك والجبن. بمعنى آخر: عندما كانت التشكيلات الشيعية المدربة والمسلحة والممولة إيرانيًا تنفذ، لصالح بغداد وواشنطن، أكثرَ الأعمال قذارةً؛ كانت جيدة، أما الآن فقد أصبحت غير مناسبة.

بالمناسبة، تسربت إلى وسائل الإعلام أنباء عن صفقةٍ غير رسمية، بين أكراد كركوك (من جانب الأكراد، وقعها ابن رئيس الإقليم مسعود برزاني) وبين بغداد، نصت على أن تتولى بغداد مسؤولية تمويل الجيش الكردي والموظفين مقابل نسبةٍ من الصفقات النفطية. عمليًا، حصل الأكراد العراقيون ببساطة على رشوةٍ؛ لقاءَ المحافظة على الوضع القائم حاليًا داخل العراق، ولم يكن لإيران علاقةٌ بالأمر. واتضح بشكلٍ مفاجئ أن واشنطن لم يكن بمقدورها فعل شيءٍ، حيال هذه الصفقة. كردستان المستقل غير مهم كثيرًا من حيث المبدأ بالنسبة إلى إيران، وهو سيشكل مشكلةً للفرس في منطقة (كرمنشاه) على أقل تقدير.

هناك رواية أُخرى تقول إن تيلرسون يعبر بدرجةٍ كبيرة عن رأي (إسرائيل)، أكثر من تعبيره عن موقفٍ منسقٍ لواشنطن. منذ شهور عديدة، تدور أحاديثٌ عن محاولات يقوم بها الحرس الثوري الإيراني، بمساعدة المجموعات الشيعية المسلحة، لإقامة ممر بري من إيران إلى الحدود الإسرائيلية عبر الأراضي السورية، وربَط البعض محاولات التصدي الأميركية لهذا المشروع بإقامة قاعدةٍ أميركية غريبة في منطقة التنف على الحدود السورية الأردنية، وبمحاولات واشنطن مواجهة الجيش السوري في المناطق الحدودية.

ولكن هذه الأحداث وقعت في سورية، والميليشيات الشيعية في العراق، لا تقوم بحفر أي أنفاقٍ ولا تفتح أي ممرات. عدا ذلك، فهذه الميليشيات تخضع للقيادة في بغداد وتشارك في العمليات التي يُخيل أنها لا تهمهم، ككركوك (فالعرب، وإن كانوا من الشيعة، لا يجب أن يحاربوا في كردستان). تبقى السيطرة على المقدسات الشيعية هدفهم الحقيقي الوحيد.

تيلرسون مشغولٌ الآن بالفعل بـ “بمقاربةٍ شاملة” تجاه إيران، من دون أن يفهم إطلاقًا ما الذي يجري في العراق. وهذا بالضبط جوهر المقاربة الأميركية في السياسة الخارجية: عدم فهمٍ كامل لتفاصيل وظروف ما يجري، والسير كـالثور باتجاه الهدف المرسوم عشوائيًا.

لفهم مزاج العراقيين نذكّر، بأن الملك فيصل قد أطيح به في 14 تموز 1958، من قبل “ضباطٍ ثوريين”، بقيادة عبد الكريم قاسم. وقد تمت الإطاحة به عام 1963 من قبل مجموعةٍ “ثوريةٍ أُخرى”، كان الرجل الثاني بينهم صدام حسين. وقد تحدث أحد رجال الاستخبارات الروسية، الذي كان يعمل في بغداد بصورة سرية في ممثلًا عن شركة تصدير الأفلام السوفيتية، عن الأحداث التي رافقت الانقلاب من الناحية التقنية. يقول العميل الاستخباراتي: قام الانقلابيون بإعدام قادة البلاد علنًا، وقُيّد من استَسلم إلى الكراسي. اقترب أحد الجنود من أحدهم، وطعن بحربته خديه انتزع فكه السفلي. ثم أدخل يده في حلقه وانتزع حنجرته. تصرفوا مع عبد الكريم قاسم بشكلٍ أبسط: أعدموه رميًا بالرصاص، ثم عرضوا جثته على كافة القنوات، وظلت جثته ثلاثة أيامٍ متتالية، وكان يأتي جندي كل 15 دقيقة، ليمسك برأسه ويرفعه باستعراض أمام الكاميرا.

أما صدام فقد أرسل رفاقه السابقين إلى المنفى، وكان بالنسبة إلى هؤلاء البشر مجرد رجلٍ نباتي. وكما هو معروف، أُعدِم صدام لاحقًا.

اسم المقالة الأصلية
Американцы рискуют разжечь новую резню внутри исламского мира

كاتب المقالة
يفغيني كروتيكوف

مكان وتاريخ النشر
صحيفة فزغلياد. 23 تشرين أول 2017

رابط المقالة
https://vz.ru/politics/2017/10/23/892106.html

ترجمة
سمير رمان

سمير رمان
[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]

جيرون