‘الغارديان: يمكن لبريطانيا التعامل مع العائدين من (داعش). لكن ليس بقتلهم’
3 تشرين الثاني (نوفمبر - نونبر)، 2017
إن قيم العدالة والتسامح هي أكبر مصدر لصدقيتنا، وإذا تخلينا عنها؛ فسنصبح أكثر عرضة للعطب، وليس أقل.
رسوم توماس بولين
يتفاخر البريطانيون بقدرتهم على الصمود إزاء الإرهاب. نود أنْ نشارك شعور الرجل الذي عاد إلى دفع فاتورته صباح اليوم، بعد الهجوم على جسر لندن في حزيران/ يونيو الماضي، أو على حشود الحفل الذين رفضوا تخويفهم من تفجير مانشستر في أيار/ مايو. نحن نعرب عن غضبنا ونتابع.
تفعل بلدانٌ أخرى الشيء نفسه. استغرق الأمر 24 ساعة فقطْ، قبل أنْ يبدأ الصوماليون بإعادة البناء بعد تفجير الشاحنة الضخمة التي حطمت المباني، وقتلت أكثر من 350 شخصًا في مقديشو، في وقتٍ سابق من هذا الشهر. إنَّ شوارع برشلونة تغصُ الآن بالحشود المتظاهرين مع أو ضد استقلال كتالونيا، غير متأثرين بالهجوم الإرهابي هناك في آب/ أغسطس.
إنَّ هدف الجماعات الإرهابية، مثل ما يُسمّى بـ “الدولة الإسلامية”، ليس مجرَّد تدمير البنية التحتية، أو تقويض الاقتصادات المحلية، بلْ هو أيضًا تدمير التماسك الاجتماعي، الأمر الذي لم تخفه (داعش). إنَّ دعايتها -سواء بالكلمة أو الفعل- لا توجَّه إلى الأغلبية الساحقة من المسلمين، وغير المسلمين الذين يجدون أفعالها وأيديولوجيتها بغيضين، بل تستهدف قلةً قليلة جدًا من الذين شعورهم بالاغتراب والافتقار إلى الإرادة يجعلهم عرضةً للتجنيد. وفي هذا الصدد، فإنَّ أقرب منافسيها على المستوى المحلي هم من الطوائف والعصابات.
تتحدث (داعش) عن القضاء على المنطقة الرمادية، وبعبارةٍ أخرى: إجبار الناس على الاختيار، بين دعمها من خلال العنف أو تصنيفهم كعدو. في عقول الأيديولوجيين ليس هناك مساحة وسط، ولا مجال للمناقشة أو التفاوض، فهم ينجزون نبوءة، ويأملون في أنْ تؤدي صور الدماء والروايات وقصص فظائعهم إلى ردّات فعلٍ اجتماعية وحكومية، تعزّز الانقسام بين المؤيدين والمعارضين، مما يدفع المزيد من الناس نحو قضيتهم. إن النمو العالمي للتطرف، والنزعة القومية، ونزعة التفوق في حد ذاتها مقياسٌ لنجاحهم، فضلًا عن الأوساط التي ينشؤون فيها.
بالتالي، فإنّ القدرة على الصمود ليست مجرَّد الحفاظ على الهدوء، والمضي قدمًا. وإنما تتعلق بمواصلة الثقة في القيم التي يدعمها معظم الناس: التسامح والعدالة، وتكافؤ الفرص، والحل السلمي للمنازعات، وقبل كلِّ شيء سيادة القانون، وهي القيم التي تهدف تكتيكاتُ الإرهاب إلى تحطيمها.
إنَّ الظروف الاستثنائية في الشرق الأوسط التي سمحت لـ (داعش) بالسيطرة على الأراضي، والعمل كدولة، وصولًا حتى إلى إصدار تذاكر وقوف السيارات، وتشجيعها الناس الذين لا يشعرون بانتماءٍ كبير، أو من دون هدفٍ في بلدانهم إلى الاعتقاد بأنَّ البديل الأفضل كان ممكنًا حقًا، وأنَّهم يمكن أنْ يساهموا شخصيًا في تنميتها. لقد توافدوا إلى سورية بآلافهم من جميع أنحاء العالم.
عندما وصلوا إلى هناك، وجد كثيرون منهم أنَّ الواقع متخلفٌ عن الخطاب، فسرعان ما غادروا، بينما ظلَّ آخرون فترة أطول، ولكن في حين أنهم واصلوا الاعتقاد في الحلم اليوتوبي، اعترفوا بالعواقب الكارثية الفعلية المترتبة على أعمال قيادة (داعش)، وغادروا أيضًا. وقد يكون البعض الآخر قد استمتع بالقتال، وجنسيًا بالفتيات “السبايا”، لكنّه تخلى عن ذلك، عندما أصبح الوضع الجديد باهتًا، أو أصبح الواقع البغيض أكثر من أنْ يحتمل. لم يهرب البعض الآخر إلا عندما خسرت الأراضي، وما يزال البعض الآخر يتجهز للمغادرة، بناءً على أوامر قادتهم، لمواصلة القتال في أماكن أخرى.
تشكّل جميع هذه المجموعات من العائدين تهديدًا للبلدان التي يعودون إليها، وخاصةً إذا كانت الظروف في الداخل لم تتغير عما كانت عليه وقت مغادرتهم. أولئك الذين ذهبوا للانضمام إلى شيءٍ ما جديدٍ، ولكن الذين خاب أملهم، ربما يكونون أقل ميلًا إلى أنْ يتحولوا إلى إرهابيين محليين أكثر من أولئك الذين عادوا فقط؛ لأنَّ التحالف ضد (داعش) انتصر، أو لأنّهم أُعيدوا بناءً على أوامر قادتهم. ولكنْ كلَّ من، بحكم تعريفه، كان ناقمًا على البلد الذي غادره، من غير المرجّح أنْ يشعر بأيّ شعورٍ أكبر بالولاء أو الانتماء عند العودة.
ليس هناك ما تستطيع الدولة القيام به سوى إبعاد أو احتجاز أو مراقبة العائدين إلى أجلٍ غير مسمى. ويحظر القانون الدولي على الدولة أنْ تترك أيَّ شخصٍ بلا جنسية، كما أنَّ المواطنة تعطي حق الإقامة. وعلاوةً على ذلك، فإنَّ الاحتجاز يتطلب التحقيق، والمحاكمة، وإصدار الأحكام وفقًا للقانون، والمراقبة كثيفة الموارد بشكلٍ كبير.
على أمل أنْ يموت هؤلاء الناس قبل أن يعودوا، أو حتى محاولة قتلهم عمدًا، كما اقترح وزير الخارجية روري ستيوارت، الأسبوع الماضي -بصرف النظر عن إثارة قضايا قانونية خطيرة- أن يتم التغاضي على حقيقة أنَّ عددًا كبيرًا يعودون بالفعل: حوالي 400، في حالة المملكة المتحدة. ليس في التخلي عن قيمنا بهذه الطريقة ميزةً. في الواقع، العكس هو الصحيح: فهو يعطي الإرهابيين انتصارًا سهلًا.
على رأس العائدين، هناك العديد من الذين فكروا بالذهاب ولكنهم لم يذهبوا، وبعض الذين حاولوا، ولكن تمَّ إيقافهم وهم في طريقهم. إنَّ هؤلاء أنصار (داعش) لن يكونوا سوى سُذّج سخّرتهم (داعش) واستخدمتهم، وربما يكونون أكثر اندفاعًا للقيام بشيءٍ ضد المجتمع في الوطن نتيجةً لذلك.
في الواقع، لم يشارك العائدون حتى الآن في مؤامراتٍ إرهابية، على الرغم من الزيادة الكبيرة في الإرهاب الذي تلهمه من (داعش) منذ عام 2015. وقد يتغير ذلك مع عودة المزيد من المقاتلين إلى ديارهم. لقد تباطأ معدّل العائدين بشكلٍ كبير خلال هذه الفترة نفسها، ولكن قد يكون ذلك لأنَّ الأقل التزامًا غادروا في وقتٍ مبكر، في حين أنَّ المتشددين يغادرون الآن فقط.
عندما تعلم الشرطة بعائدٍ في المملكة المتحدة؛ فإنها ستحاول إثبات إمكانية ارتكابه جريمة، ولكن الأرقام هائلة، والأدلة يصعب جمعها، وعلى الرغم من الجهد الأساسي لتقييم وتعيين مستوى الأولوية في كلِّ حالة، ستُرتكَب أخطاء. قد يكون هناك مجالٌ للقوانين الجديدة، ولكنها ستضاف إلى الضغوط على الشرطة والمحاكم ودائرة السجون. ويمكن أن يكون السجن، على أيّ حال، أرضًا خصبة بشكلٍ خاص، لنشر الأفكار المتطرفة.
ولكن، هناك ما هو أكثر من ذلك، وهو يدعم قدرتنا على الصمود بطريقةٍ لا يمكن استخدام القوة فيها. أصبحت بريطانيا رائدةً عالميًا في عملية إشراك المجتمع الأوسع في التعامل مع التطرف العنيف. وفي بعض الأحيان، كانت الحكومة على خطأ، ولكنها تتعلم، وتدعم الآن مجموعةً من شركاء المجتمع المدني غير التقليديين الذين أثبتوا نجاحهم في تغيير عقلية المتطرفين العنيفين، أو أولئك الذين قد تم إغراؤهم بالانضمام إليهم.
تتشارك هذه الجماعات أيضًا مع السجناء، والعائدين الإرهابيين، وهم يفعلون ذلك على أسسٍ مكثفة وشخصية، ويستمعون إلى مظالمهم المحلية والفردية، ويشرحون السياق العالمي بالطريقة التي يقوم بها مجندو (داعش)؛ وينتهي الأمرُ بكثير من محاوريهم إلى الانضمام إلى هذا النشاط، وبهذه الأرقام سيزداد نفوذهم، وسيصبحون مناهضين أكثر فاعلية لأفكار التطرف العنيف.
سيستغرق الأمر سنواتٍ عديدة، قبل أنْ يتحوّل مرجل الصراع الاجتماعي في الشرق الأوسط -وفي أماكن أخرى- إلى أيّ نوعٍ من بوتقة الانصهار، ولكن في المملكة المتحدة هناك جهدٌ لتعزيز التماسك الاجتماعي، والمرونة المجتمعية، من خلال تحقيق التوازن الصحيح بين المشاركة الرسمية، والمدنية، مع الالتزام القوي بقيمنا. مع الوقت، سوف تنجح طريقتنا.
اسم المقالة الأصلي
Britain can deal with its Isis returnees. But not by killing them
الكاتب
ريتشارد باريت، Richard Barrett
مكان النشر وتاريخه
الغارديان، The guardian، 30/10
رابط المقالة
https://www.theguardian.com/commentisfree/2017/oct/30/britain-isis-returnees-killingislamic-state
ترجمة
أحمد عيشة
أحمد عيشة
[sociallocker]
جيرون