ثورات الربيع العربي تفتح الباب للأثرياء العرب



اعتبر مقال تحليلي، نشره مركز (كارنيغي للشرق الأوسط) أن ثورات الربيع العربي فتحت الأفق أمام نهج جديد من التنمية المجتمعية، ينبغي أن يؤدي رجالُ الأعمال وميسورو الحال دورًا كبيرًا فيه، إذ شرّعت هذه الثورات لهؤلاء بابًا كانت قد أوصدته الحكومات القمعية سابقًا، “ومع اندلاع الثورات العربية، وقرب انتهاء الحقبة النفطية؛ تبرز الحاجة إلى نوع جديد من التبرعات لم نعتدها من قبل، وهي تبرعات تُعطى لتهذيب النفوس وبناء مجتمعات تعددية منفتحة حداثية إدماجية. وإنْ كانت جل التبرعات في الماضي في مجالات التعليم والصحة تذهب نحو محو الأمية أو اكتساب مهارات تقنية أو محاربة الأمراض المستعصية؛ فإننا اليوم بحاجة إلى من يتبرع للمساهمة في بلورة مجتمعات عربية أكثر عدالة وديمقراطية ومدنية وتعددية”.

استشهد كاتب المقال مروان المعشّر، وهو نائب الرئيس للدراسات في مؤسسة (كارنيغي)، بمشروعٍ اجتماعي معرفي لعائلة الأصفري أتاح فرصةً تعليمية راقية لأجيالٍ من السوريين، يقول الكاتب: “ينحدر أيمن الأصفري من أصلٍ سوري، وقد بنى نفسه بنفسه، حتى استقر به الحال في بريطانيا وأنعم عليه الله بالمال. رفض أن يهجر العالم العربي فكريًا، وإن رحل عنه جسديًا، فاختار أن يُنشئ مؤسسة خيرية لا تقدّم المال فقط لمساعدة اللاجئين السوريين مثلًا، ولكن أيضًا لبناء مراكز للمجتمع المدني والمواطنة، وذلك في الجامعة الأميركية في بيروت، ليهتم بتربية نشء يمتلك مفهومًا حداثيًا لما تعني المواطنة الحقة وما تحمل من قيم، وهو بذلك يقدم خدمة مجتمعية للعالم العربي قلّ نظيرها”.

أضاف المعشّر: “وقد أتاح موقعي، كعضو مجلس أمناء مؤسسة الأصفري، أن أشهد على مثال حي: كيف تُعطى الموارد من أجل تحقيق حلم بمستقبل أفضل للمنطقة، وليس لمجدٍ شخصي”.

رأى المعشّر أن الوقت قد حان لجميع أثرياء العالم العربي، ليستثمرو أموالهم في مشاريعَ تنموية من شأنها أن تعود عليهم وعلى أبنائهم بالنفع والرفاه في المستقبل، إذ قال: “أيمن وسوسن الأصفري ليسا الوحيدين في العالم العربي بطبيعة الحال، وهناك العديد من الأمثلة الأخرى على من يعطي بسخاء من ماله. ولكنني أزعم أننا نحتاج إلى عدد أكبر من هؤلاء، ممّن يعطون لإصلاح النفوس، وليس الأجساد فقط. وأزعم أيضًا أن الكثير من ميسوري الحال، في الوطن العربي، يخشون غضب الحكومات، إن قاموا بالتبرع لأمور تساعد في إصلاح المجتمعات، مثل نوعية التعليم والمواطنة وتشجيع الحوار ومنظمات المجتمع المدني التي تساهم في مراقبة أداء الحكومة. وبالرغم من وعي هذه الفئة لأهمية كل ذلك في تطوير مجتمعاتهم وجعلها أكثر انفتاحًا، وبالرغم مما شاهدوه من أثر واضح للانفتاح على حياتهم؛ فإن هذا الوعي لم يتغلب بعدُ على خوفهم من غضب حكوماتهم، إن اتهموا بالترويج لهذه الثقافة (اللعينة) التي تدّعى الديمقراطية”.

خلُص الكاتب إلى أن بناء مجتمعات عربية مستقرة ومزدهرة، بخاصة بعد انتهاء الحقبة النفطية، هو “جهدٌ مجتمعي ضروري، ولا يمكن أن يتم الاعتماد فيه على الحكومات وحدها التي هي إما عاجزة أو غير راغبة في ذلك، كما لا يمكن الاعتماد فيه فقط على القلة من العرب الذين يقطنون خارج الوطن العربي، ولا يخشون ردة فعل الحكومات العربية. هناك مسؤولية مجتمعية على ميسوري العالم العربي، من يقطن منهم داخل الوطن العربي أو خارجه، للمساهمة في جهد هو وحده الذي سيضمن مستقبل أبنائهم وبناتهم والمنطقة بأسرها. وبغير ذلك؛ ستسهل هجرة العقول، وسيبقى التغني بالوطن أغنية لسميرة توفيق، وليس ممارسة على الأرض”.

يعتقد الدكتور عبد الله تركماني، وهو باحث في (مركز حرمون للدراسات المعاصرة)، أن للمجتمع المدني، في أعقاب ثورات الربيع العربي، دورًا كبيرًا في إعادة هيكلة المجتمع وبنائه، وأن بإمكان الحراك المدني للأثرياء ورجال الأعمال تحقيقَ تنمية مجتمعية، عجزت الكيانات السياسية عن تحقيقها، وفي الحالة السورية أفضى هذا العجز السياسي إلى بقاء الواقع الاجتماعي للسوريين مترديًا، كما أسهم في عزوف شريحة واسعة من الشباب عن السياسة.

في مقال للباحث تركماني نُشر في (مجلة قلمون)، العدد الثاني، آب/ أغسطس 2017، بعنوان (نحو تجديد الثقافة السياسية)، أشار تركماني إلى فشل الأُطُر السياسية في صوغ ثقافة سياسية حقيقية، تحترم المواطن وتعلي شأنه وتؤسس لمجتمع مدني متعدّد تسوده العدالة، وقال: “مما يؤسف أن رصيد التجربة السياسية السورية يكشف أن أغلب أحزاب المعارضة ظلت محكومة، في وعيها وفي تجربتها، بالتحرك ضمن مدار مشكلة السلطة، في حين غابت مشكلة المجتمع في رهانات التغيير عليها”.

“أحد أوجه القصور في الثقافة السياسية هو خلوُّ مناهج التعليم مما يبني ثقافة سياسية سليمة في النشء، تبصره بما له من حقوق وما عليه من واجبات، أي التربية المواطنية، تلك التي تجعل الشخص يعبّر عن رأيه تعبيرًا حرًا، ويقرر قرارًا مستقلًا ينبع من ذاته لا من شعارات الآخرين أو تحت ألويتهم”.


آلاء عوض


المصدر
جيرون