جيرمي كوربين وفشل اليساريين الأوربيين في سورية



“حلب هي غرانيكا”، كتبها الأكاديمي السوري إدريس أحمد، “والبعض يهتف بـ (لوفتوف*)”، في تشابه جزئي محزن مع الحرب الأهلية الإسبانية[1]. الحرب في إسبانيا والثورة ضد الدكتاتور بشار الأسد تشتركان في العديد من أوجه التشابه؛ في العروض المروعة التي تقوم بها القوات الجوية لدكتاتور يختبر ترسانته الحديثة لدعم دكتاتور، وأيضًا في تدفق المقاتلين الأجانب، وعلاقتها القريبة مع القوى العالمية العظمى التي تجلب للعالم، على نحو خطير، مواجهات قاتلة أخرى. على أي حال -كما ناقش لويس برويكت- فإن المعارضة السورية، والثوار الأخلاقيين الذين حملوا السلاح ضد فرانكو تم التخلي عنهم من قِبل شركائهم الأيديولوجيين الغربيين[2]. ففي تصورَ غالبية اليساريين الغربيين أنّ الثوار السوريين نسخةٌ عن الجهاديين الأصوليين، وأنّ النظام الذي يقاتلون ضده يمثل المقاومة في وجه الإمبريالية الأمريكية، فعلى الرغم من الجرائم الموثقة التي ارتكبها النظام ضد الإنسانية وجرائم الحرب، وإهانة قيم الديمقراطية. يمكن القول إن زعيم حزب العمال البريطاني جيرمي كوربين يمثل هذه المعايير المزدوجة في الغرب.

في 27 أيلول/ سبتمبر الماضي، ألقى زعيم حزب العمال الجديد والمرشح لرئاسة الوزراء للمملكة المتحدة كلمةً عامة، أمام المندوبين في المؤتمر السنوي للحزب. ومع تكرار التصفيق والوقوف الدائم، أكد كوربين، من دون أي مواربة، الأسسَ التي يقوم عليها نهجه الأخلاقي الجديد تجاه السياسية الخارجية لبريطانيا، جدليًا، وهو محق في ذلك أيضًا، من حيث إن الديمقراطية وحقوق الإنسان كانتا “إضافات اختيارية”، واستخدمت انتقائيًا لتنفيذ الأهداف الأنانية للسياسة الخارجية[3]. كما طالب بريطانيا بوقف تزويد السعودية بالأسلحة في حملتها القاتلة ضد المدنيين في اليمن، وأعرب عن دعمه لحركات الانتقال الديمقراطي في البحرين ومصر، وتعهد بدعم العمال الحقيقي للفلسطينيين الذين يعيشون تحت ظل الاحتلال الإسرائيلي.

لكنّ -وكما لاحظ المستمع الفطن- واحدةً من الانتهاكات لحقوق الإنسان والتعدي على الديمقراطية قد غيبت عن لومِ كوربين لاستراتيجية السياسة الخارجية الغربية؛ وهي الاستمرار في إراقة الدماء في سورية. تزامن الخطاب مع تزايد العنف في محافظة إدلب السورية، حيث يُجمَع فيها النازحون ويتعرضون لهجمات من قبل الطيران الروسي والنظام. هذا الإغفال يعكس على نحو كبير افتقارَ السياسة الرأسمالية المكرسة لإيجاد حل للنزاع السوري، وهو ما يدل على وجهة نظر أيديولوجية ما تزال متأصلة بشكل “الشرق المضاد للغرب”، ومضاد للتدخل ويتحصن بين الأبيض والأسود، بالنسبة إلى السياسة الخارجية الغربية والتعاطف التاريخي مع الأنظمة القمعية. خلال الربيع العربي، قام كوربين بعرض معتقداته البالية، معلنًا أن الانتفاضة الليبية ضد جماهيرية القذافي (الذي أشاد به كوربين خلال معارضته للتدخل) وبدعم من الناتو، أنها ليست ثورة، بحجة تجنب وقوع ضحايا بين المدنيين، بل هو تدخل عسكري مشابه لغزو العراق واحتلاله[4]. لم يكن القذافي، بالنسبة إلى كوربين، ظالمًا، ولا مجرمًا، ولا دكتاتورًا، ولكن رفيقًا أيديولوجيًا غير منحاز، يقاتل ضد الإمبريالية الأميركية في المنطقة.

حتى قبل بدء الصراع، كان لدى كوربين والأسد علاقة أيديولوجية مزدهرة، بنيت على أيديولوجية اشتراكية مضادة للإمبريالية، وعدم الانحياز، في زيارة كوربين للأسد في دمشق عام 2009، ( للمشاركة في حدث كلف مع نائب آخر حضوره)[5] ، أعلن أن اليهود مسؤولون عن المحرقة؛. كما أكّد مجددًا على “صداقة” مع (حزب الله) المنظمة الشيعية الإرهابية في 2016؛ المجموعة التي اعتقد أن من شأنها أن تسيء إلى شخص يساري[6].

منذ بداية الصراع في سورية، كان كوربين واحدًا من أكثر البرلمانيين تنسيقًا، حيث دعا إلى عدم القيام بأي عملٍ من شأنه أن يساعد ثورة السوريين الذين يقاتلون، من أجل حريتهم ضد قتل وطغيان الأسد، وتكرار السردية المنبثقة عن أجهزة الدعاية التابعة للنظام والكرملين.

في كِلا منصبيه، كعضو عن العمال في البرلمان البريطاني، وكمدير لقضية الدفاع عن الأسد والكرملين، أوقف حرب التحالف (STWC)، التزم كوربين الصمت، ليس فقط في إهمال ما يتعلق بالأزمة السورية، بل أيضًا في نظرته إلى ثنائية الأسود والأبيض، تجاه أحداث العالم[7]. في أيار/ مايو 2013، في وقت كان يناقش حظر توريد الاتحاد الأوروبي للأسلحة إلى سورية، قام بحملة ضد “تزويد الناس بالأسلحة (الثوار السوريين) والتي لم نعرفها”. وأصرّ على الإشارة بالتدخلات الأجنبية في الماضي، مع مقارنات مع “الطريقة التي تسابقت بها الولايات المتحدة، لتوريد الأسلحة لقوات المعارضة الإسلامية في أفغانستان في عام 1979، والتي ولدت كلًا من طالبان والقاعدة”[8]، رافضًا قتال الثوار من أجل حياتهم في سورية. علاوة على ذلك، وخلال فترة رئاسته لـ (STWC)، دعت المنظمة الأم أغنس ماريان، المدافعة السيئة السمعة عن الأسد، إلى مؤتمرها السنوي للسلام[9]. حتى إنه شوهد وهو يستمتع بأكل البيتزا مع ماركوس بابادوبولوس، وهو أحد المؤيدين النشيطين للأسد وللكرملين، وأنكر الإبادة الجماعية في سربرينكا[10]. فما هي هذه الصداقة التي يحتفظ بها كوربين مع هذا الشخص؟

بغية تبرير موقفه، كرر كوربين رواية الأسد من دون خجل: إن الثوار السوريين ليسوا إلا جماعات من القاعدة والجماعات الإسلامية المتطرفة. في عام 2015، في أثناء النقاش حول البرلمان، إن كان سيشن ضربات جوية ضد (داعش)؛ أعلن ديفيد كامرون بدقة أن هناك قوات قوامها 70 ألف مقاتل في المعارك ضد (داعش) وضد النظام، في سورية[11]. كوربين، بدلًا من خداع الحكومة في الفشل في تقديم الدعم الكافي لهؤلاء المقاتلين من أجل الحرية، أنكر حقيقتهم، وأعلن أن الجيش السوري الحر ليس سوى عملاء للولايات المتحدة، من أجل تغير النظام، وهم “جهاديون وسلفيون”[12]. إن هذا الرفض الصارخ للبنية الحقيقة لقوات المعارضة، في وقت مبكر من الصراع، سوف يضلل المناصرين من كلا الجانبين في المملكة المتحدة، وسوء تمثيل حقيقة بنية المعارضة لحركات التمرد والمؤسسات الديمقراطية التي ظهرت، خلال السنوات الأولى للأزمة السورية. وفي العام نفسه، رفض إدانة الجيش الروسي لتزايد عدد القتلى المدنيين في الصراع، بدلًا من ذلك أشار إلى العمل العسكري للغرب في العراق وليبيا، كدراسات لحالة عدم التدخل ضد الطغاة المناهضين للديمقراطية[13].

من الأهمية بمكان، أن يدرك أنصار كوربين أن القوى والمؤسسات الديمقراطية، منذ بداية الثورة السورية، حاولت تشكيل أنظمة حكمٍ في مناطق المعارضة تتعارض بشكل مباشر مع ادعاءات كوربين ومؤيديه في المؤسسة اليسارية الغربية. بحثٌ صغيرٌ على متصفح (غوغل) حول مجالس الإدارة المحلية أو المجالس المحلية في سورية يظهر لك معلومات وافرة حول هذه المؤسسات الوليدة التي خانها اليسار جنائيًا. هل سنكون مندهشين حينئذ، إن السوريين الذين يعانون الكثير في وقتٍ نحن (اليسار يقوم باحتجاجات بشدة ضد التدخل نيابة عنهم) نختار الطريق الأكثر تطرفًا في التحرير من خلال انضمام إلى مجموعات مثل (داعش) و(هيئة تحرير الشام)؟ إنْ أصرينا على تكرار النبوءة القديمة نفسها: (الثوار السوريون هم جهاديون ومتطرفون عنيفون)، وتركْنا الثوار السوريين إلى مصيرهم الدموي؛ فإننا نساهم في انتشار الإرهاب الجهادي في بلاد الشام، والذي سيرتد على أوروبا.

إن كان جورج أوريول على قيد لحياة، كان سيشعر بالخجل العميق من فشل اليسار من دعم نظرائهم الأيديولوجيين في حركة الثورية الإسبانية. وبعيدًا عن إرسال الدعم والقتال إلى جانب هؤلاء المقاتلين من أجل الحرية، اليسار اختار دعم الأسد المجرم، حيث ينظرون إلى الصراع في سورية من خلال المنظار الثنائي الضيق المعادي للإمبريالية الأميركية. علينا أن نعرف أكثر عن المؤسسات الديمقراطية في سورية، ونكشف الغطاء عن الحقيقة المخفية وراء الثورة، ونسلط الضوء على التكلفة المدنية من دعمنا للأسد، والعمل على تمثيل المعارضة السورية الثورية، كحركة علمانية ديمقراطية في جوهرها، وبقائها. يجب ألا نتبنى رواية الأسد، ويجب أن نضغط على قادتنا من أجل التغيير. وكشخص، في العموم، متعاطف بشدة مع الأيديولوجية اليسارية الغربية، من المهم أن نتصدى، كحركة، للعجز في التعريف بالجريمة. وكما قال ألكسندر سولزنستين في نبوءته ككتاب مقدس عن نظام ستالين العسكري: “السكوت عن الشر، ودفنه عميقًا جدًا فينا، لا معنى له أن لا يظهر على السطح، فنحن نزرعه فينا، وسوف ينمو آلاف المرات في المستقبل”. فعندما لا نعاقب ولا نخجل، نحن فقط نساهم في حماية العقلية القديمة، ونحن بذلك نمزج أساس العدالة من تحت أقدام الأجيال القادمة”[14]. ربما على كوربين التقاط نسخة. ومع ذلك، اختار قادتنا الصمت والتواطؤ في تقييد الحريات، والطموحات الثورية التي يلعنون عنها بحماس في التمسك بها، وأولئك الذين يموتون على يد (داعش) وغيرهم من الجماعات الجهادية في سورية وأوروبا يدفعون ثمنًا باهظًا، نتيجة ذلك.

العنوان الأصلي Jeremy Corbyn and the failure of the European left in Syria الكاتب        ألكسندر أستون-وارد Alexander Aston–Ward المصدر مركز حرمون لدراسات المعاصرة، برنامج الباحثين الزائرين الدوليين المترجم وحدة الترجمة والتعريب

* الاسم الذي كان يطلق على القوات الجوية الألمانية أثناء الحرب العالمية الثانية- المترجم

[1] Idrees Ahmet, “Aleppo is our Guernica”, Medium, 2016, https://medium.com/news-politics/aleppo-is-our-guernica-and-some-are-cheering-on-the-luftwaffe-ceb10b18a1ca.

[2] Louis Proyect, “The Lefts Failure on Syria”, New Politics, 2016, http://newpol.org/content/lefts-failure-syria.

[3] Jeremy Corbyn speech to the Labour Party Conference, 27th September 2017, The Guardian, https://www.theguardian.com/politics/blog/live/2017/sep/27/jeremy-corbyn-conference-speech-labour-conference-2017-jeremy-corbyn-to-use-speech-to-say-public-services-and-businesses-must-be-more-accountable-politics-live.

[4] James Bloodworth, “A Left Wing Case Against Comrade Jeremy Corbyn”, IB Times, www.ibtimes.co.uk/james-bloodworth-left-wing-case-against-comrade-jeremy-corbyn-1513969.

[5] Dominic Kennedy, “Palestinian lobby group paid for Corbyn to meet Assad in Syria”, The Times, 2016, https://www.thetimes.co.uk/article/palestinian-lobby-group-paid-for-corbyn-to-meet-assad-in-syria-jv5hrsjfl

[6] Kate McCann, “Jeremy Corbyn refuses to denounce terrorist ‘friends’ Hamas and Hezbollah”, The Telegraph, 2016, http://www.telegraph.co.uk/news/2016/05/01/jeremy-corbyn-under-pressure-to-denounce-friends-hamas-and-hezbo/

[7] Peter Thatchell, “The Stop the War Coalition is more interested in fighting the west than fighting for Syrians”, The Independent, 2016, http://www.independent.co.uk/voices/the-stop-the-war-coalition-the-west-than-fighting-for-syrians-russia-assad-a7461316.html.

[8] Jeremy Corbyn’s Speech on EU Arms Embargo on Syria, UK Parliament Records, 2013, https://hansard.parliament.uk/Commons/2013-05-21/debates/13052186000002/Syria(EURestrictiveMeasures)?highlight=Jeremy%20corbyn%20syria#contribution-1305223000042.

[9] Raya Jalabi, “Critics Question Catholic Nun’s Alternative Story on Syria Civil War”, The Guardian, 2013, https://www.theguardian.com/world/2013/dec/05/catholic-nun-mother-agnes-syria-civil-war.

[10] Steerpike, “Was Jeremy Corbyn’s pro Assad pizza pal really just a ‘member of the public’, The Spectator, 2017, https://blogs.spectator.co.uk/2017/07/jeremy-corbyns-pro-assad-pizza-pals/

[11] Charles Listern, “Yes there are 70000 Opposition Fighters in Syria and Here is What we Know About Them”, The Spectator, https://blogs.spectator.co.uk/2015/11/yes-there-are-70000-moderate-opposition-fighters-in-syria-heres-what-we-know-about-them/.

[12] Jeremy Corbyn, “Jeremy Corbyn’s Speech against Military Intervention in Syria”, Jeremy Corbyn, 2015, http://jeremycorbyn.org.uk/articles/jeremy-corbyns-speech-against-military-intervention-in-syria/.

[13] Michael White, “Jeremy Corbyn on Syria: Wrong Man Saying the Wrong Things and the Right Time”, The Guardian, 2015, https://www.theguardian.com/politics/2015/nov/17/jeremy-corbyn-on-syria-wrong-man-saying-wrong-things-at-the-right-time.

[14] Aleksandr Solzhenitsyn, the Gulag Archipelago (Harvill Press Editions). Harvill Press, London, 2003.


ألكساندر أستون-وارد


المصدر
جيرون