ذا نيويورك تايمز: الحرب السورية تستمر لكن مصير الأسد يبدو آمناً




 

مقاتلون سوريون يطردون مقاتلي من معقلهم من الرقة يوم الاثنين، وبخسارة وتضاؤل قوة المتمردين، لم يبق أحد قادراً على الإطاحة بالرئيس بشار الأسد (بولنت كيليك / وكالة فرانس برس)

رغم أن الحرب الدموية في المستمرة منذ ست سنوات تبدو بعيدة عن الانتهاء، فإن نتيجة واحدة تبدو واضحة: أن الرئيس بشار الأسد يبدو وكأنه سيبقى في مكانه.

على أرض المعركة لم يبقَ أحد راغب وقادر على الإطاحة به. فقوات المتمردين تتضاءل، والرئيس ترامب ألغى برنامج المخابرات المركزية (سي آي إيه) الذي يزودهم بالدعم والأسلحة. والدولة الإسلامية بمشروعها لحكم سورية كخلافة قد هزمت في معاقلها.

القوى الإقليمية والمسؤولون الأجانب والسوريون أنفسهم بدؤوا يعملون كما لو أن الأسد سيحكم سوريا لسنوات قادمة، ولو كان ذلك في دولته التي تقلصت بشكل كبير، بدأ حلفاؤه يعلنون ما يرونه نصراً قد اقترب تحقيقه، وبدأت حكومته الحديث عن إعادة إعمار المدن المدمرة، حيث كانت مستضيفة معرض التجارة الدولي في الشهر الماضي، وأشارت إلى الاتفاق مع إيران لإعادة بناء شبكة الكهرباء.

حتى إن من دعموا المتمردين لفترة طويلة قد سئموا من هذه الحرب، وبدؤوا يتقبلون الأمر الواقع.

منذ أن استعادت الحكومة السورية السيطرة على مدينة مضايا الجبلية، بعد فترة طويلة من الحصار، وأوضاع المعيشة فيها تتحسن لمن بقوا فيها. غادر القناصة، وعادت الكهرباء، والأغذية ملأت الأسواق، فتحت المقاهي من جديد، وبدأ الناس بالخروج والتنزه.

“تعبنا من الحرب” تقولها إحدى المعلمات مخفية اسمها حتى لا تناقض معارضتها السابقة للنظام، وتضيف: “نريد أن نعيش بسلام وأمان، ولا يمكننا ذلك إلا إذا كنا مع النظام”.

هذه التطورات توحي أن أمام الأسد طريقاً سهلاً، لقد بقي كشخص منبوذ لدى معظم العالم، يترأس بلاداً مدمرة ومقسمة، وإن أظهر انتصاراته فهو في الحقيقة ترك مع دولة ضعيفة مدينة بالفضل لقوى أجنبية، وتنقصها الموارد لأجل إعادة البناء.

لكن ثباته وقدرته على التحمل لهما تداعيات خطيرة على الدول وعلى ، وكذلك على إمكانية استقرار مستقبل سورية، وعودة اللاجئين إلى بلادهم، وعلى قدرة الحكومة السورية على الاستفادة من الصناديق الدولية لإعادة بناء المدن المدمرة.

إن من المحبط في نهاية انتفاضات الربيع العربي التي اندلعت عام 2011، وبينما أطاحت الاحتجاجات والتمردات المسلحة قادة الدول كتونس ومصر وليبيا واليمن، أن يبقى الأسد بالرغم من المقدار الكبير جداً من العنف الذي مارسه على شعبه.

الأسد وسط مسجد في قارة في سوريا هذا الشهر، بينما يظهر انتصاراته فإنه قد ترك مع دولة ضعيفة مدينة بالفضل للقوى الأجنبية وتفتقر للموارد من أجل إعادة البناء (وكالة الأنباء العربية السورية)

اعترف الأسد بنفسه بكلفة الحرب، لكنه جادل بأن ذلك طهر البلاد بالقضاء على التهديدات التي كانت تمس السوريين ووحدتهم على مشروع مشترك.

وقال في مؤتمر في العاصمة الشهر الماضي: “لقد فقدنا أفضل شبابنا وخسرنا البنية التحتية”، وأضاف: “تكلفنا الكثير من المال والكثير من الجهد لأجل الأجيال القادمة، لكن في المقابل لقد كسبنا مجتمعاً صحياً أكثر ومتجانساً أكثر”.

الصراع السوري بدأ بانتفاضة شعبية عام 2011 ضد الأسد، حاولت أجهزته الأمنية قمعها بكميات مفرطة جداً من القوة، حملت المعارضة السلاح، وقامت الولايات المتحدة والسعودية والدول الأخرى المؤيدة بدعمهم وتزويدهم بالسلاح والمال.

الآن نجح الأسد إلى حد كبير بإزالة تهديد الثورة، وذلك بسبب الدعم المالي والعسكري الثابت من أنصاره من الخارج. وتسيطر حكومته على كبرى المدن السورية، ويعيش معظم السكان المتبقين فيها في ظروف أفضل من أولئك الذين يعيشون في أي مكان آخر في سورية، ووقف حلفاؤه بجانبه، ودعموا جيشه المستنزف وساعدوه في التقدم.

الثوار بمجموعات متفاوتة وفصائل مختلفة فكرياً لم يتمكنوا قط من تشكيل جبهة موحدة، أو إقناع جميع السوريين أنهم سيصنعون مستقبلاً أفضل، والمتطرفون المرتبطون بالقاعدة انضموا لصفوفهم، وتقلصت مناطقهم كما تخلى عنهم مؤيدوهم ليركزوا على قتال الدولة الإسلامية.

“النظام السوري الآن أبعد ما يكون عن السقوط”، هذا ما قاله بسام الأحمد المدير التنفيذي لمجموعة سوريين من أجل الحقيقة والعدالة، مؤسسة في تركيا  لمراقبة حقوق الإنسان، وأضاف: “القوى والجهات المهتمة بحدوث ذلك هي أقل من الذين أرادوا ذلك عندما كانت الحرب السورية في بدايتها”.

ولكن بأي حال فالرئيس الأسد صار محدود الصلاحية، فقد بقيت الكثير من المناطق في سوريا خارج سيطرته، وقلصت القوى الأجنبية مجالات نفوذه، مقوضة رغبته في حكم سوريا كاملة.

تقدم القوات السورية في مدينة البغيلية في شمال ريف دير الزور في الأسبوع الماضي، الحكومة السورية تسيطر الآن على المدن الكبرى في سورية ومعظم سكانها (كريديت جورج أورفاليان / أجانس فرنس-بريس)

تحالفت القوات التركية مع الثوار المحليين الذين يسيطرون على منطقة في الشمال، وتعمل الولايات المتحدة مع المقاتلين الكرد والعرب ضد الدولة الإسلامية في الشرق.

حتى في المناطق التي تقع تحت سيطرة الأسد رسمياً، فإن روسيا وإيران وحزب الله والميليشيات المحلية قد ترسخت بواسطة الحرب، وفي الغالب تمارس سيطرة أكبر من الدولة السورية. وتقود روسيا دبلوماسية سوريا الدولية، وتفاوض القوى الأجنبية بشأن المناطق الآمنة محاولة إيقاف العنف.

كلفة الحرب ضخمة جداً، ومن الممكن أن تشكل عبئاً على الأسد وحلفائه خلال العقود القادمة. وقدر التقرير الأخير للبنك العالمي الناتج الاقتصادي المفقود خلال السنوات الست الأولى من الحرب بـ226 مليار دولار، ما يوازي أربعة أضعاف إجمال الناتج المحلي لعام 2010 قبل بدء الصراع، وبينما صارت صور المدن المدمرة في سوريا رمزاً للكلفة الباهظة للحرب، فإن كلفة الأمور الأخرى غير المادية كفقدان الثقة بين أفراد المجتمع، وتفكك الشبكة الاجتماعية، قد تكون تجاوزت كلفة الأضرار المادية بعدة أضعاف، هذا ما قاله السيد هارون أوندر المعد الرئيسي لهذا التقرير في أحد المقابلات، حيث قال: “باستمرار الحرب لا يكون الدمار على المستوى المادي وحسب، بل أيضاً يؤدي إلى زيادة الانحلال في النسيج الاجتماعي”.

ومجرد بقاء الأسد في السلطة يعيق عملية إعادة الإعمار، فالمسؤولون في الولايات المتحدة وأوروبا لا زالوا يأملون أن الأسد قد يغادر باتفاق سياسي نهائي، لكنهم وعدوا بأنهم لن يكافئوه على وحشيته وعلى تفشي انتهاكات حقوق الإنسان بمساعدته على إعادة بناء المدن إذا بقي في السلطة.

الدول الأخرى التي كانت تدعم الأسد من الممكن أن تقوم بمساعدته، لكن مواردها محدودة، إيران وروسيا تحت وطأة العقوبات الدولية، كما أن اقتصاديهما قد تأذيا نتيجة الانخفاض في أسعار النفط.

أقامت الحكومة السورية، في الشهر الماضي، معرض التجارة الدولي في دمشق لأول مرة منذ عام 2011، مستقبلاً شركات من إيران وروسيا وفنزويلا وبلاد أخرى، واحدة من بين الصفقات التي وقعت كانت لاستيراد 200 حافلة من روسيا البيضاء، وعقوداً لتصدير 50.000 طن من المنتجات الغذائية.

كجزء من صفقة لإنهاء حصار عامين على مضايا تم إخراج المقاتلين وعوائلهم ثم دخول قوات الحكومة السورية، وبعد انتهاء الحصار تحسنت ظروف المعيشة في المدينة: عادت الكهرباء، امتلأت الأسواق بالأغذية، فتحت المقاهي
كريديت جورج أورفاليان / أجانس فرنس-بريس

تمسك الأسد بالسلطة قد يؤثر أيضاً على عودة اللاجئين وهي مسألة حرجة للدول المجاورة.

ما يقارب نصف الشعب السوري قد نزحوا بسبب الحرب، وأكثر من خمسة ملاين منهم يبحثون عن ملجأ خارج بلادهم، كثيرون فروا من هجمات قوات الأسد ولا يمتلكون بيوتاً ليعودوا لها، وآخرون يقولون إن الوضع في سوريا ليس آمناً، أو يخافون من الاعتقال، أو التجنيد بواسطة قوات الأسد الأمنية.

بعد سنوات من العيش في المنفى، حاول بسام المالك رجل الأعمال والعضو السابق في مجموعة المعارضة الرئيسية في المنفى العودة إلى سوريا عبر وسيط، لبيع بعض ممتلكاته، لكن الحكومة حذرته من العودة وإلا فسيتم إعتقاله.

الآن هو عالق “بين المعارضة والنظام” كما قال.

بعض السوريين تركوا معارضتهم للنظام وتصالحوا مع الحكومة التي تبدو أنها تربح المعركة، ففي عام 2012 أخبر فراس الخطيب نجم كرة القدم جماهيره بأنه لن يلعب مع الفريق الوطني لسوريا “ما دامت أي مدفعية تقصف أي مكان في سوريا” كما قال. وفي الشهر الماضي عاد إلى دمشق واستقبل في المطار كاستقبال الأبطال، وقال: “اليوم نحن على أرض وطننا وفي خدمة وطننا”. والفريق الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً مع الأسد لا يزال يسير مسرعاً للتأهل لكأس العالم لعام 2018.

مواطنون آخرون كمعلمة مضايا  يكونون سعداء بدعمهم لأي جهة تؤمن لهم الأمن والخدمات الأساسية، حيث تقول: “نحن من الناس الذين يمشون مع الرياح حيثما أخذتهم”، وأضافت: “خلال الحصار كنا مع الثورة، والآن نعلق صور بشار ونغني له”.

المصدر: ذا نيويورك تايمز

الكاتب: بن هوبارد

الرابط: https://www.nytimes.com/2017/09/25/world/middleeast/syria-assad-war.html

 

Share this: وسوم


المصدر