ورطة روسيا في سوريا.. لماذا تعجز موسكو عن إحلال السلام رغم تحقيقها إنجازات عسكرية لصالح الأسد؟
3 تشرين الثاني (نوفمبر - نونبر)، 2017
بعد أكثر من عامين على بدء حملتها العسكرية، يتباهى المسؤولون الروس في تصريحاتهم بأنهم أنقذوا نظام بشار الأسد من السقوط، أمام موجة الاحتجاجات الكبيرة التي بدأت في مارس/ آذار 2011، وتحولها فيما بعاد إلى ثورة مسلحة جعلت النظام يخسر الكثير من المناطق، لكن رغم ذلك تبقى العملية السياسية لخروج روسيا من المستنقع السوري بعيدة المنال.
فبعد الإعلان، اليوم الجمعة 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 عن استعادة قوات نظام الأسد لمدينة دير الزور بشكل كامل، آخر كبرى المدن السورية التي سيطر على غالبيتها تنظيم “الدولة الإسلامية”، يقدم نظام الأسد نفسه على أنه في “موقع الفائز في الحرب من منظور استراتيجي”.
غير أنه كان، عندما قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إرسال طائراته إلى سوريا في 30 أيلول/سبتمبر 2015، في مأزق بعدما تكبد جيشه المنهك والمحبط النكسة تلو الأخرى في مواجهة قوات المعارضة. ولم يوفر الكرملين الموارد فأرسل طائرات مطاردة وقاذفة للقنابل بعيدة المدى، وصواريخ انسيابية لضرب من تصفهم موسكو بـ”الإرهابيين”، فيما خاض المستشارون العسكريون الروس العمليات إلى جانب كبار الضباط في قوات الأسد.
عملية سياسية
وتكمن الصعوبة الرئيسية أمام روسيا في ترجمة هذا التقدم الميداني في سوريا إلى حل سياسي، كفيل بإعادة الاستقرار إلى البلد المشتعل منذ أكثر من 6 سنوات، ووضع حد لسفك الدماء، مع وصول أعداد الضحايا في سوريا إلى ما لا يقل عن 350 ألف شخص، فضلاً عن نزوح ولجوء ملايين السوريين خلال السنوات الماضية.
الكسندر شوميلين من مركز تحليل نزاعات الشرق الأوسط في موسكو، يرى أن “الاستراتيجية بسيطة، وهي مغادرة سوريا عن طريق المفاوضات”، ويقول: “من الجلي أن العمليات العسكرية لن تجلب الحل السياسي الذي يتعذر إنجاز شيء قبل تحقيقه”.
هذه المحاولات التفاوضية برعاية موسكو بدأت في كانون الثاني/يناير 2017 في مؤتمر أستانا الأول، الذي جمع في عاصمة كازاخستان للمرة الأولى ممثلين عن نظام الأسد، والمعارضة السورية.
وتوصلت هذه الآلية التي رعتها روسيا وإيران حليفتا الأسد، وتركيا الداعمة لفصائل المعارضة بعد عدة جولات، إلى اتفاق على إنشاء أربع “مناطق لخفض التوتر” تحد من العنف لكنها لا توقف المعارك فعلياً.
واتخذ الكرملين مذاك “صورة صانع للسلام”، فأرسل قوافل إنسانية قال إنها مخصصة للمدنيين السوريين، كما أرسل فرق نزع الألغام لتنظيف المدن التي استرجعها قوات النظام، ونشر الشرطة العسكرية الروسية لضمان تطبيق وقف إطلاق النار.
في المقابل، كثفت موسكو من تصريحاتها الرامية إلى تشويه صورة أنشطة الولايات المتحدة في سوريا، واتهمتها بارتكاب “جرائم حرب”، وبأنها “تتظاهر” بمقاتلة “تنظيم الدولة”، وبشن “غارات همجية” على الرقة، عندما كانت المدينة تحت سطوة التنظيم المتطرف.
وفي المقابل، كانت موسكو تتعرض لانتقادات شديدة للمجازر التي ترتكبها بحق المدنيين السوريين، بحجة محاربة “التنظيمات الإرهابية”، حيث ارتكبت طائراتها عشرات المجازر أودت بحياة الآلاف، وفقاً لمنظمات حقوقية.
“ورطة”
لكن عملية أستانا التي تركز على النواحي العسكرية، وعملية جنيف السياسية الموازية ما زالتا تصطدمان بالإشكالية الأساسية المتمثلة في مصير بشار الأسد.
ففيما بات بوتين قادراً على “التباهي” بنجاحه في إبعاد فكرة تنحي الأسد عن ذهن الغربيين، ما زال مصيره نقطة الخلاف الرئيسية التي تبدو المعارضة غير مستعدة للتنازل بشأنها.
ويواصل الرئيس الروسي تكثيف المساعي بهذا الشأن، وآخرها توجهه إلى طهران الأربعاء بعد زيارة تركيا أواخر أيلول/سبتمبر الماضي. كما بحث الملف السوري مساء أمس الخميس في اتصال هاتفي مع نظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون.
وأكد خبير الشؤون الروسية اليكسي ملاشينكو أن “روسيا في ورطة لأنها عاجزة عن انتزاع تسوية بشأن سوريا”، فيما يتعذر عليها توفير التمويل اللازم بمفردها لحاجات إعادة الإعمار الهائلة في هذا البلد.
إدراكا للمأزق، يسعى الروس إلى تنظيم “مؤتمر الحوار الوطني السوري” في 18 تشرين الثاني/نوفمبر في سوتشي بجنوب غرب روسيا، بلا ضمانات للنجاح. ورفضت المعارضة السورية المشاركة معتبرة أن الحوار سيجري “بين النظام ونفسه”.
وقال شوميلين إن مؤتمر “سوتشي لن يفلح، لأن الأسد، وبدعم ايراني، ليس مستعداً للقيام بتسويات، ويرى أنه لا يحتاج إلى التضحية بشيء. يريد نصراً عسكرياً فيما روسيا ترغب في مفاوضات”.
اقرأ أيضا: قوات الأسد تعدم مدنيين من ذوي الاحتياجات الخاصة بمدينة دير الزور
[sociallocker] [/sociallocker]