الفوضى والانفلات.. عناوين التعليم في دمشق



بعد مرور نحو شهرين على بدء العام الدراسي، ما تزال الفوضى والانفلات الأخلاقي يطبعان المشهد العام للعملية التعليمية في دمشق، فصعوبات الالتحاق بالمدارس بالنسبة إلى الطلاب، وتسرّب الكوادر التدريسية عن التعليم، فضلًا عن الحالة المادية والنفسية السيئة لأهالي الطلاب، انعكست على التعليم وحرَفته عن مساره.

قالت ولاء. ن، وهي معلمة في مدرسة ابتدائية حكومية لـ (جيرون): “تحوّلت المدرسة، بالنسبة إلى الطلاب، إلى روتين بلا معنى، حيث تراجعت نوعية التعليم والتنشئة كثيرًا، وأصبح معظم الأساتذة يتعاملون بطريقة أداء الواجب مع عملهم، فلا يحضّرون الدروس، ولا يهتمون بطرائق الإعطاء، وبعضهم الآخر بات يتعامل بطريقة كيدية، يدخلون إلى الصف ولا يعطون الطلاب أي درس، لأنهم يعتبرون أن المرتب الذي يتقاضونه لا يستحقّ بذلَ أيّ جهد”.

وأضافت: “اضطررتُ إلى نقل ابني، وهو في الصف الخامس الابتدائي، من مدرسته العامة إلى أخرى خاصة، لأن معظم الأساتذة لا يأتون ولا يلتزمون مع الطلبة، وعندما تحلّ الآنسة البديلة مكان المتغيبة عن عملها، وتكون (بالوكالة) تكون النتائج أكثرَ سلبية؛ ذلك أن مرتّب الوكيلة عادة ما يكون أقل، وكذلك الأمر بالنسبة إلى مستواها العملي، علاوةً عن الإرباك النفسي الذي يلحق بالطلاب مع تبدّل أساتذتهم الدائم”.

في السياق ذاته، أكدت رغد. ع، مختصة اجتماعية تقطن في دمشق، أن نسبة التحاق الطلاب بالمدارس في دمشق في تراجع، وعلى الرغم من بعض الآليات التي تقوم بها الأجهزة الحكومية، لاستيعاب الأعداد الإضافية من الطلاب، مثل فتح بعض المدارس دوامَين صباحي ومسائي، إلا أن المشكلة لم تحلّ، وقالت في هذا الجانب لـ (جيرون): “المشكلة ليست في الطاقة الاستيعابية للمدارس، المشكلة الحقيقية تكمن في تردي الوضع المعيشي والاقتصادي للأهالي، بعد أن تحوّل توفير المستلزمات المدرسية إلى عبء ثقيل، لا يكاد يطاق. السوريون من متوسطي الحال يجدون صعوبةً اليوم في توفير الطعام والمتطلبات الأساسية، فكيف تكون الحال بالنسبة إلى النازحين الذين لمّا يجدوا بعدُ مكانًا يؤويهم! هؤلاء غير قادرين على تحمل أي مصروف إضافي، ولذلك لا يرسلون أولادهم إلى المدارس”.

أضافت: “تفرض إدارات المدارس على الطلاب الالتزامَ باللباس المدرسي الموحد، وهو ما يزيد تعقيد المشكلة، إذ يتجاوز سعر الألبسة المدرسية 5000 ليرة سورية للتلميذ الواحد، وتقوم بعض المنظمات الخيرية بمساعدة الطلاب، لكن هذه المساعدات لا تُوزّع بنزاهة، ولا يحصل عليها كل الطلاب”، مؤكدةً أن “إدارات المدارس ليس لها صلاحيات في تسيير العمل، وإنما يتحكم بالعمل الأساتذة الموالون بشدة للنظام، وهؤلاء شكلوا شبكة يصعب اختراقها، وفرضوا نمطًا منحدرًا من التعامل، فيما بقي بعض الأساتذة المحايدين من دمشق وريفها وحمص، على الهامش”.

تتفق ولاء مع رغد في أن صعوبة الظرف المادي، بالنسبة إلى الطلاب وأهاليهم، حوّلت التعليم من مساره الطبيعي إلى مأزق وورطة، وأصبح الأهل يفضلون عدم إرسال أبنائهم إلى المدارس، ولا سيما المنقطعين فترة طويلة من أبناء النازحين، هؤلاء أصبح التعليم بالنسبة إليهم هامشيًا، ولا يوجد أي جهة مجتمعية تتابع ظروفهم ومشكلاتهم، لتجد حلولًا لها.

بخصوص المنهاج الجديد، قالت ولاء: إن “التعديل والتغيير في المناهج لم يكن في مكانه، وفضلًا عن رداءة المحتوى من الناحية المعرفية، لم تخصّص وزارة التربية دورات تأهيل للمعلمين، لتمكينهم من إعطائه”، مشددةً على أن “نقص المستلزمات الرئيسية في التعليم، من أدوات فنية وتقنية ووسائل إيضاح ومخابر علمية، يتسبّب بأزمة؛ ويقود إلى مزيدٍ من الفشل في هذا الملف”.

تعتقد رغد أنه على الرغم من المشكلات الكبيرة التي تعتري العملية التعليمة في دمشق، إلا أن التزام الطلاب بالمدرسة جيد، وله أثر إيجابي في تخفيف الضغط النفسي عنهم، وترى أن تضمين أكبر عددٍ من الطلاب في المدارس، واحتواءَ المنقطعين عن التعليم لفترة طويلة، ضرورةٌ وأولوية، ينبغي على منظمات المجتمع المدني متابعتها، في ظل تقاعس أجهزة النظام عن تقديم أي حلول أو تسهيلات.


آلاء عوض


المصدر
جيرون