المنظمات في الداخل السوري.. تناقض المدخلات والمخرجات



تشير مصادر طبية قريبة من أجواء عمل المنظمات الطبية في الداخل السوري إلى وجودِ فجوةٍ وتباينٍ كبيرين، في عمل المنظمات الإغاثية الطبية الدولية والمحلية المعنية بالسوريين، أكثر ما تتجلى في مخرجاتهم الإعلامية التي تُظهر صورًا مثالية لما قدّموه، تتناقض مع حجم الحاجات التي ما زال ينتظر أصحابها أن يصل إليهم قسطٌ من وفير هذا الدعم.

قالت الطبيبة فتون أحمد الحمادي لـ (جيرون): “أستطيع أن أجزمَ بعدم نزاهة العمل الإغاثي الطبي، فالسوريون في الداخل يعانون من نقص واضح في الرعاية الطبية، وغالبًا ما تكون الهالة لأعمال المنظمات إعلاميةً محض ووهمية الوجود، والسبب في ذلك هو الفساد، ووضع أشخاص من غير أولي الكفاءة في مواقعَ حساسة”.

أضافت: “تبقى الخدمات الصحية عاجزة عن تقديم كل الحاجة، وليس السبب الوحيد لذلك هو الفساد، فظروف عدم الاستقرار داخل الوطن لا تسمح بعمل منظماتي سليم، ذي أسس متينة، وأعتقد أن لا حل لهذه المشكلة في ظل غياب الرقابة التي تعيد المنظمات إلى نهجها الصحيح، بعيدًا عن الشعارات البرّاقة التي لا تخفي تحتها شيئًا”.

أما الطبيب معتز زين فقال لـ (جيرون): “لا شكّ أن هناك مآخذ على عمل المنظمات الإنسانية، وذلك نابع من فساد بعض الكوادر الميدانية، وغياب الآليات الرقابية الواضحة لعمل تلك الكوادر، لكنني أعتقد بوجود مبالغات في وصف الفساد الذي قد يحصل، إما بسبب ثقافة المجتمع، التي تميل إلى تخوين المسؤولين، كونهم تعودوا على انتشار الفساد والمحسوبيات، في صفوف المسؤولين وموظفي الدولة على مدى العقود الماضية، أو بسبب مقصود من بعض الجهات التي تعمل في الخفاء لصالح النظام الأسدي، وتسعى إلى تضخيم الأخطاء في المناطق المحررة، لدفع الناس نحو رفض الثورة ومفرزاتها”.

أضاف موضحًا: “الواقع أنه على الرغم من وجود الأخطاء والثغرات، فإن لهذه المنظمات دورًا لا يُستهان به، في دعم جمهور الثورة، ومساعدته على الصمود حتى اللحظة، في وجه العربدة الروسية والأسدية التي تستهدف مناطقهم وبنيتها التحتية، والمطلوب هو دعم هذه المنظمات، وإنشاء نظام رقابي في المناطق المحررة، يتابع كل حساباتها وتحركاتها والمشاريع الخيرية التي تشرف عليها”.

في السياق ذاته، أوضح الطبيب عدنان بكيرة لـ (جيرون): “طبعًا يوجد مشكلة كبيرة في العمل الإنساني والإغاثي، لوحظت منذ بداية الثورة في كل المجالات، بما فيها الطبية، والسبب في ذلك يعود إلى غياب المنظمات الإغاثية العلمية، إضافة إلى رغبة الداعمين في تقديم المساعدات والبحث المستمر عن مؤسسات تتبنى استثمار الدعم، لخدمة الشعب المنكوب، فكثيرًا ما تسرّب الدعم، إما إلى مؤسسات سياسية، انتهجت الدعم الطبي والإغاثي واجهةً لنشاطها، أو إلى جيوب بعض من وجدوا في جمع الأموال والدعوة لدعم الشعب المنكوب، موردًا مهمًا لعملهم ولرزقهم، أو إلى مؤسسات نقل الأموال، أو من خلال المبالغة في الأسعار في الداخل، وجني أرباح ضخمة، فضلًا عن بعض الحالات التي يتم فيها طي صفحة كل كمية الدعم، بحجة الاعتقالات أو تفجير النظام للمؤسسات الإغاثية”.

وتابع: “في المقابل، لا نستطيع أن ننكر وجودَ مؤسسات حقيقية، تراكمت خبراتها عبر الزمن وطوّرت عملها؛ حتى أصبحت ملاذًا لكل من يرغب في تقديم الدعم، وأولئك هم من يعطون الصورة المشرقة للداعم، ولكل من يعمل بالإغاثة. من وجهة نظري، إن توقف العشوائية في استلام الدعم وصرفه يتم من خلال بناء المنظمات الإغاثية العلمية، تحت مراقبة مؤسسات مشرفة، تربط بين الداخل والخارج، تتبنى التوثيق المنهجي للدعم وماهية المستفيد وآلية العمل وكلفته، وانتقال الأموال، كذلك لا بدّ أن تتبنى الشفافية. وقد آن الأوان لثورتنا أن تنتج معايير تُخضع لها المنظمات الإغاثية، وتمنعها من التلاعب بمعاناة شعبنا”. أضاف: “لكن هذا الملف هو جرح نازف، وقد كنت شاهدًا على سرقات وسرقات، تحت شعار الثورة، بكل أسف”.

فصّل لـ (جيرون) أحد الأطباء العاملين في منظمة طبية في الداخل -فضّل عدم ذكر اسمه- أنواعَ المؤسسات الإغاثية بقوله: “المنظمات المحلية نوعان: نوع حديث النشأة يعدّ العمل الإغاثي بابًا من أبواب العمل والارتزاق، وبالتالي لا يتم الاهتمام بالفئة المستهدفة، وتُهدر الموارد. والنوع الثاني هو منظمات بنَت سمعة جيدة منذ سبع سنوات، واستطاعت أن تجد لها مكانة لدى الداعم الخارجي، وثقة في أوساط المجتمع المحلي، وعلى الرغم من ذلك؛ نجد أن المتحكم بعملها على الأرض (الميدان) جماعاتٌ طبية تسيطر وتهيمن على العمل، تؤدي بالضرورة إلى حدوث العديد من الفجوات في العمل الانساني الطبي”.

أضاف: “أما عن عمل المنظمات الطبية الدولية فهو مرتبط بشكل كامل بأجندات بلدان المنشأ، ولا ننكر هنا وقعها الإيجابي على العمل الطبي، بخصوص سدّ الثغرات وإعادة تأهيل المنظومة الصحية، إلى أنها بالمجمل -إذا استبعدنا دورها السياسي السلبي- تعمل دائمًا بشكل احترافي، ونادرًا ما يكون هناك فجوة، بين ما تستجلب من دعم وتقره في ميزانياتها العامة، وبين أثر تلك الأموال على أرض الواقع، فالمحاسبة والشفافية موجودة بمستوى عال، على عكس المنظمات الطبية السورية التي تفتقد ذلك الجانب، حتى إن قدمت تقارير مالية مدروسة”.

عن سُبُل المعالجة، رأى الطبيب أن غياب دور الحكومة المؤقتة وسلطة القانون، يجعلان من الصعوبة إيجادَ حلول واقعية لهذه المشكلة، وأردف في هذا الصدد: “لا أعتقد أنه يمكن معالجة ومحاسبة تلك المنظمات في الوقت الراهن، لا سيّما أن الحاجة إليها ما تزال قائمة وكبيرة، في ظل غياب المؤسسات الحكومية”.


أحمد مظهر سعدو


المصدر
جيرون