مؤتمر موسكو دلالة أزمة أم سيطرة روسية في سورية؟



من المؤكد أن الدعوة إلى أي مؤتمر دولي يسبقه إعداد كبير مع الأطراف المدعوة والمشاركة فيه، ويعتبر التفكير بعقد مؤتمر ما رؤية جماعية للأطراف الأساسية المشاركة، باعتبار أنها توصلت إلى تفاهمات أولية جانبية وتحتاج إلى المؤتمر العام لجمع كافة الأطراف في مجلس واحد اولاً، بحيث يكون اجتماعها خاتمة لتلك المشاورات والمفاوضات الجانبية ثانياً، ولإعلان نتائج تلك التفاهمات السابقة في مؤتمر عام يصدر عنه بيان ختامي يمثل خلاصة النقاط التي تم الاتفاق عليها بين جميع الأطراف.
ولكن هذه الأسس العامة لم تنطبق على كل المؤتمرات الدولية التي تناولت المسألة السورية، وبالأخص الدعوة الأخيرة من روسيا لعقد مؤتمر دولي لكل الأطراف المتنازعة في سوريا في مدينة سوتشي الروسية، وقد دعت روسيا ثلاثة وثلاثين حزبا أو جماعة سورية إليه، في الثامن عشر من شهر نوفمبر الحالي.
لقد جاءت أولى الردود من المعارضة السورية تقول بأنها لن تحضر المؤتمر تحت رعاية روسيا فقط، ولا تقبل بأي مؤتمر دولي بديل عن جنيف، لا يحظى برعاية أممية، وقالت إن مؤتمر سوتشي المقبل سيكون مؤتمر النظام السوري وأتباعه فقط ليتفاوض مع نفسه، فهل هذه مناورة من المعارضة السورية؟ أم روسيا خطت خطوة غير محسوبة العواقب؟ أم أن روسيا في أزمة حقيقة في سوريا؟ وتسعى لعمل أي شيء للخلاص من هذه الورطة، التي لم ينفع معها قصف الطائرات الحربية الروسية فوق رؤوس السوريين منذ سنوات، ولم تنفع معها الصواريخ البالستية العابرة لآلاف الأمتار وهي تقصف المواقع السورية من الأراضي الروسية أو من البحار الدولية؟ وما هي مشكلة روسيا مع مؤتمر جنيف؟ فقد حاولت روسيا التحايل عليه من خلال مؤتمر أستانة، بعد خضوعها لمفاوضة المعارضة السورية بوساطة تركية لعام كامل، ولكنها فشلت بعد أن حولته أمريكا لمؤتمر وقف إطلاق نار، أو خفض التصعيد وغير ذلك.
وما حاجة روسيا لهذا المؤتمر في سوتشي الروسية، وهي تعلم أن مؤتمر جنيف وبعد خمس سنوات من انعقاده المتكرر لم يصدر عنه أي شيء ينهي الأزمة، فقد كان مؤتمر جنيف المؤتمر الدولي الأول لإيجاد حل للأزمة السورية، وعلى الرغم من توافق جميع الأطراف على حضوره، وتعلق كافة الآمال الدولية عليه، إلا أنه تم إفشاله بعد أيام من صدور بيانه الأول في منتصف يونيو 2012، بعد أن حظي المؤتمر بتحضير كبير برعاية وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في ذلك الوقت، وبقي مؤتمر جنيف بدوراته السابقة كلها يراوح مكانه، وكأنه ملهاة للشعب السوري، وكذلك كان حال مؤتمرات دول أصدقاء سوريا، ومؤتمرات أستانة السبعة، التي انتهى آخرها قبل أيام بفشل ذريع في التوصل لحل بشأن المعتقلين، أو إيصال المساعدات الإنسانية للمحاصرين، وهي مسائل ينبغي أن تكون من أسهل المسائل في حالة التوصل لحل سياسي حقيقي، ولكن الضغوط الإيرانية أفشلت المؤتمر، بحسب مصادر عديدة.
من هنا قد تكون دعوة روسيا لمؤتمر سوتشي قبل زيارة الرئيس الروسي بوتين لإيران بيوم واحد، محاولة روسية للضغط على إيران لتخفيف موقفها الممانع لإيجاد حل في سوريا، بحسب شروطها التعجيزية، فإيران لا تستطيع أن تنتصر ولا تستطيع أن تعترف بالهزيمة، وبالتالي فهي أمام أزمة إيرانية اسمها أزمة الملف السوري، وإيران في الوقت نفسه مدينة لروسيا بوعود كاذبة أو فاشلة، بأنها تستطيع إنهاء موضوع الفصائل السورية المعارضة المسلحة خلال أسابيع، إذا تدخلت روسيا بطائراتها لقصف مواقع الفصائل السورية المسلحة، بحسب وعود الجنرال قاسم سليماني لبوتين في يوليو 2015، وقد أدى بوتين ما عليه، وبقي يقصف الفصائل السورية المعارضة من تاريخ 30 سبتمبر 2015 وحتى اليوم، ومن دون إمكانية القضاء على تلك الفصائل، التي تمثل الثقل الأكبر من الشعب السوري، وبالتالي فإن لبوتين حقا على قاسم سليماني وقائده خامنئي، فالنصر العسكري مستحيل ولو أتى بوتين بكل الجيش الروسي لاحتلال سوريا، وبالتالي فإن زيارة بوتين لإيران لا بد أن تضع حلا لعناد إيران.
أما رد خامنئي فهو يفيد بمزيد من العناد والتحريض لبوتين على الحرب الخاسرة، بقوله له: إن معركتهم المشتركة في سوريا هي لوضع حد لأطماع أمريكا في المنطقة، بل إخراجها منها أيضاً، وهذا أمر مضحك لبوتين بالتأكيد، لأن اتفاقياته الاستراتيجية مع أمريكا وإسرائيل أولى له من عناد خامنئي وحرسه الثوري، ولذلك جاء بوتين يحمل أطماع المساعدة لإيران اقتصاديا وافتخارا فارغاً، ببناء مفاعلين نووين جديدين مقابل أن تقبل إيران وجهة النظر الروسية لحل الأزمة السورية، التي تفاهم عليها بوتين مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزير قبل أسبوع في موسكو، في أول زيارة تاريخية لملك سعودي لروسيا الاتحادية.
لذلك جاء الرد الروسي على رفض المعارضة السورية لحضور المؤتمر المقبل في روسيا بأنه رد أولي وليس نهائيا، أي أن لدى القيادة الروسية علما بأن المعارضة السورية سوف تحضر مؤتمر سوتشي المقبل، إما بضغوط سعودية أو ضغوط تركية أو ضغوط قطرية أو كويتية أو غيرها، وعليه فإن مؤتمر سوتشي المقبل سوف يعقد، بدليل التهديدات التي أطلقتها روسيا للمدعوين الثلاثة والثلاثين، بأن من لا يحضر المؤتمر فلن يجد له مكانا في الحل السياسي المقبل، أي لن يجد له حصة في تقاسم المناصب في الحكومة السورية المقبلة، ولا في المشاركة بوضع حقوقه وحقوق طائفته على طاولة المفاوضات للدستور السوري المقبل.
لا شك في أن هذا التهديد الروسي له خلفيته السياسية مع أكثر الدول الإقليمية المعنية بالأزمة السورية، وهي ايران والسعودية وتركيا، بدليل أن الرئيس الروسي التقى جميع زعماء هذه الدول في الأسابيع القليلة الماضية، وهذا يؤكد جدية روسيا لحل الأزمة، بإيجاد أرضية مشتركة للحل، فلا يكون هناك منتصر ولا مهزوم، وإنما تقاسم سوريا بأي طريقة ترضي جميع الأطراف كرها لا طوعا، سواء بسوريا فيدرالية، أو سوريا برئاسات جمهورية متعددة، أو حكم ذاتي لكل الكيانات الطائفية والقومية والإثنية والعرقية، مع بقاء ضمانات لهذه الدول الثلاث على الأرض السورية، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، فدخول الجيش التركي إلى سوريا أولاً في عملية «درع الفرات»، ثم دخوله إلى أدلب وما بعدها، من دون قتال هو دليل على أن روسيا تفرض أو تقايض على الحل السياسي والعسكري الذي تريده مع الأطراف الإقليمية الكبرى، وما على هذه الأطراف إلا أن تجري مقارباتها الإقليمية مع بعضها بعضاً، لتسهيل إبرام هذا الحل، وحيث أن الاتصالات التركية قوية مع إيران والسعودية، فما بقي هو تقوية الاتصالات السعودية الإيرانية، وهي التي سوف تؤثر على تفاهمات سعودية لبنانية أيضاً.
بقي أن يقال إن إنشغال أمريكا بوضعها الداخلي وأزمتها مع رئيسها الجديد رونالد ترامب، هو ظرف مناسب وذهبي بالنسبة للرئيس الروسي بوتين، لإنهاء أزمته في سوريا بأقل الخسائر أولاً، وبأقل الأرباح ثانياً، وقد ثبت عملياً أنه لا يمكن إلغاء مصالح الدول الإقليمية الثلاث، ولكن لا بد من تحرير مواقفها من الضغوط الأمريكية التي تعمل لإطالة عمر الأزمة، وبالأخص أن الأطراف الثلاثة تعارض المشاريع الأمريكية مع الأكراد في سوريا والعراق، بل في تركيا وإيران أيضاً، وما يهم الدولة الإسرائيلية هو إنهاء الصراع في سوريا بما يضمن أمنها وحدودها كالسابق، وهو ما سوف تضمنه الدول الأربع الضامنة، بعد أن تصبح السعودية طرفا ضامنا مثل تركيا وإيران، وستكون مباركة مصر لهذا الاتفاق تحصيلا ضروريا وغير مستحيل، مع ضعف إمكانياتها على عرقلته في ما لو طلب منها عرقلته من إحدى الدول الكبرى.

(*) كاتب تركي


القدس العربي


المصدر
جيرون