واشنطن بوست: طفل سوري يتضور جوعًا في إحدى ضواحي دمشق. المزيد من الوفيات ستتبع ذلك، كما يقول الأطباء



تظهر الصورة التي التقطت في 25 تشرين الأول/ أكتوبر2017 الطفلة هالة، وهي فتاة تبلغ من العمر سنتين، تعاني من نقص في الرعاية الطبية والتغذية، في منزلها في الغوطة الشرقية التي يسيطر عليها “المتمردون”. (عبد المنعم عيسى/ وكالة الصحافة الفرنسية/ صور جيتي).

في الأيام الأخيرة من حياة سحر ضفدع، شي والداها من أنّ عناقها قد يؤذيها؛ إذ إنها بالكاد تتحرك.. كانت ضعيفةً جدًا بحيث لا يمكنها البكاء. في بعض الأحيان، اعتقد طبيبها أنَّها تبدو أشبه بهيكلٍ عظمي من طفلٍ بعمر الشهر.

عندما توفيت سحر، الأسبوع الماضي، وعمرها 34 يومًا فقط؛ أصبحت ضحيةً صارخة لأزمةٍ غذائية متزايدة في ضاحيةٍ محاصرة من العاصمة السورية. حيث تحذّر جماعات الإغاثة من وقوع المزيد من الوفيات.

أنْ يموت طفلٌ من الجوع ليس قصةً بسيطة. في الضاحية المحاصرة من الغوطة الشرقية، لم تجفّ الإمدادات الغذائية بين عشيةٍ وضحاها. حتى بعد سنواتٍ من العنف، لا تزال الأسَر قادرةً على التكيف، وإنفاق المدخرات على الأغذية المباعة بأسعارٍ متضخمة، وإيجاد حلولٍ مبتكرة، عندما نفذَ الوقود.

ببطءٍ، بعد سنواتٍ من حصار الحكومة، وجشع أمراء الحرب المستغِلين، والشلل الدولي بالاستجابة الإنسانية المناسبة؛ وصل سكان هذه الضاحية التي كانت تُعرف ذات يومٍ بأنَّها سلّة دمشق الغذائية إلى لحظة انهيار. وقال حمزة حسن، ممثل الجمعية الطبية السورية الأميركية في الغوطة الشرقية: “ما رأيناه مع الطفلة سحر ليس إلا بدايةً لمأساة”. وأضاف “إنْ استمرت الأمور على هذا المنوال؛ فسيكون هناك الكثير والكثير”.

تحاصر القوات الموالية للرئيس السوري بشار الأسد، منذ فترةٍ طويلة، المناطق التي يسيطر عليها “المتمردون” لدفعهم إلى الاستسلام. وبعد ست سنواتٍ من الحرب، استعادت القوات الحكومية معظم مناطق المعارضة، مع وجود عددٍ قليل من المناطق التي لا تزال تعيش حالة المعارك.

شرق دمشق تمامًا، الغوطة الشرقية هي واحدة من أكثر المناطق استراتيجيةً، حيث لا يزال حوالي 385،000 شخصًا يعيشون في المنطقة التي كانت في السابق أراضٍ زراعية خصبة تزوّد العاصمة بالغذاء. وعندما بدأ الحصار على الغوطة الشرقية، في منتصف عام 2013، هرَّبَ مديرو الشركات، من جهتي الانقسام السياسي، الغذاءَ والوقود والملابس، من خلال شبكةٍ مربحة من الأنفاق.

في أواخر العام الماضي، استعادت الحكومة السورية المناطق المجاورة، وأغلقت تلك الأنفاق نهائيًا. بعد ذلك، في الثالث من تشرين الأول/ أكتوبر، أغلقت نقطة الدخول الوحيدة التي يمكن للقوافل التجارية والإنسانية أنْ تستخدمها.

بقيت صفا ومروة اللتان تبلغان من العمر ستة أشهر، مع أمهما، وهما تعانيان من سوء التغذية، في منطقة حزة في ضاحية الغوطة شرق دمشق، في 25 تشرين الأول/ أكتوبر2017. (بسام خبيّة/ رويترز).

أجرت صحيفة (واشنطن بوست) مقابلةً مع تسعةٍ من سكان الغوطة الشرقية، عبر الهاتف، حيث وصف كلٌّ منهم حصيلة الحصار على حياتهم. بالنسبة إلى (أمّ صياح)، 28 عامًا، فإنَّ قبضة الحصار الخانقة سببّت القلق، لأنَّ ابنتها هالة البالغة من العمر سنتين، تحولت إلى كومةٍ من العظام.

تعاني هالة النوفي، التي تبلغ من العمر سنتين ونصف، من اضطراب التمثيل الغذائي الذي يزداد سوءًا بسبب الحصار ونقص الغذاء في الغوطة الشرقية، حيث يمسكها عمّها في منطقة سقبا في الغوطة، في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2017. (بسام خبيّة/ رويترز).

عندما مرضت هالة، وهي في عمر السبعة شهور؛ دفعت الأسرة للمهربين المال؛ لنقلهم عبر الأنفاق إلى مستشفى الأطفال في دمشق. “استعادت وزنها، أخذت تأكل.. لقد تعافت هناك؛ حيث يمكن أنْ نقدّم لها قطعًا من التفاح، وقطع الموز، وجميع الأشياء التي لا يمكن أنْ تراها في الغوطة”. كما قال صياح، وأضاف: “عندما مرضت ثانيةً، لم يكنْ هناك من مخرج”.

تُظهر سلسلة من الصور تحوّل هالة من رضيعٍ دائري الوجه مبتسم، إلى طفلةٍ نحيلة جدًا، لا يمكن التعرف عليها؛ الأضلاع بارزةٌ من خلال جلدٍ منكمش. قال الأطباء: إن وزنها الآن حوالي تسعة باوندات (حوالي 3.5 كغ). وأضاف صياح: “لا يمكننا أنْ نعطيها سوى المياه، وتراجعها بسرعة، تنام لمدة 15 دقيقة، ثم تبدأ الصراخ من جديد. أنا متعبٌ جدًا”.

بموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذي تمَّ التوصل إليه، بوساطة كلٍّ من تركيا، وروسيا، وإيران، كان من المفترض أنْ تحصل الغوطة الشرقية على مساعداتٍ من الأمم المتحدة. وفي يوم الإثنين 30 تشرين الأول/ أكتوبر، وصلت أول قافلةٍ إنسانية منذ أكثر من شهر إلى الضاحية حيث سُلّمت الإمدادات لعشرات الآلاف من السكان، ولكنها لم تفِ سوى جزءٍ من السكان. استؤنف القصف الحكومي، مستهدفًا الجماعات المسلحة، ولكن أيضًا الأسواق التي تباع فيها السلع، حيث قُتل العشرات من المدنيين.

يوم الخميس 26 تشرين الأول/ أكتوبر، في نيويورك، وصف المبعوث الخاص للأمم المتحدة في سورية ستيفان دي ميستورا هذا التوجه بأنه: “إعادة تصعيد، بدلًا من تخفيف التصعيد”. وقال دي ميستورا: إنَّ العنف قد يتصاعد خلال الأشهر المقبلة؛ حيث ستحول قوات الحكومة السورية انتباهها من جيوب البلاد المتبقية من الأراضي التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية، نحو المعارك الأخيرة مع المتمردين. وأضاف: “إنَّ التحسن المنشود في وصول المساعدات الإنسانية ما زال بعيدًا عنا”.

في الغوطة الشرقية، لم تعدْ النساء يأتينَ إلى جلسات مركز ليلى بكري المجتمعي، وكثير منهن بحالةٍ من الوهن تمنعهن من السفر بعيدًا. وصفت ليلى (26 عامًا) التي تعمل مع منظمة (المرأة الآن من أجل التنمية)، وهي منظمةٌ غير ربحية، مشاهدةَ الأطفال الذين يتجولون بين المحلات التجارية التي تبيع الحلويات باهظة الثمن، بالنسبة إلى أولياء أمورهم.

وعاء من النشاء على موقد في أحد المنازل، حيث تتأوى الأسرة السورية، في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2017، في حزة، وهي بلدة في منطقة الغوطة الشرقية التي يسيطر عليها المتمردون، وتحت حصار الحكومة منذ عام 2013. يسبب الحصار في نقص الغذاء وارتفاع أسعار ما تبقى في السوق. في منطقة الغوطة الشرقية التي يسيطر عليها المتمردون يعاني أكثر من 1100 طفل من سوء التغذية الحاد. ويتعرض مئات آخرون للخطر، بسبب نقص الغذاء الناجم عن حصار حكومي. (عبد المنعم عيسى/ وكالة الصحافة الفرنسية/ صور جيتي).

عندما تنظر إليهم، يبدون حزينين جدًا. في الأيام التي كان لدينا حلوى، اعتدت أنْ أعِدَ ابنتي بقطعة في النهاية، إذا عملت جيدًا. الآن عندما تسألني، أعطيها قطعةً من الذرة.. نعم. قطعةً من الذرة في كل مرة “، قالت ليلى بكري. وقالت المتحدثة باسم (يونيسف)، تمارا كومر: إنَّ الصور من الغوطة الشرقية بمثابة تذكرةٍ قاتمة بالحصيلة على السوريين الأصغر سنًا.

وأضافت: “إنَّ الصدمة النفسية ستكون كبيرةً. لا يستطيعون أنْ يأكلوا عندما يكونون جوعى، بل لا يستطيعون الحصول على السلع الأساسية، أو أساسيات الحياة، وإذا كنت في هذا الوضع؛ فلن تعرف الطفولة بعد الآن. ووفقًا لـ (يونيسف)، فإنَّ نحو 80 في المئة، من أطفال سورية، قد تأثروا بالحرب، سواء كانوا يعيشون تحت العنف في المنزل، أو كلاجئين في الخارج.

مع اقتراب فصل الشتاء بسرعة، من المتوقّع أنْ يؤدي النقص المزمن في الوقود، في الغوطة الشرقية، إلى تفاقم الوضع. حيث يقول مسؤولو المساعدات، والعاملون في المجال الإنساني المحلي إنَّ البدائل (المقاعد الخشبية والأكياس البلاستيكية) قد نفدت، في الغالب.

قالت ليلى بكري: إنَّ وظيفتها تزداد صعوبة. وأضافت: “أحاول إعطاء النساء والأطفال الأملَ الذي لا أملكه، أنا أصفُ لك كيف نعيش هنا، ولكن لن يمكنك أن تتخيّل ذلك. إنها حالة ميؤوسٌ منها، هنا”.

اسم المقالة الأصلي A Syrian baby starves in a Damascus suburb. Doctors say more deaths will follow. الكاتب لويزا لاف لاك وزكريا زكريا، Louisa LoveLuck and Zakaria Zakaria مكان النشر وتاريخه واشنطن بوست، The Washington Post، 31/10 رابط المقالة https://www.washingtonpost.com/world/middle_east/a-syrian-baby-starves-in-a-damascus-suburb-doctors-say-more-deaths-will-follow/2017/10/31/f98f4e64-b9bc-11e7-9b93-b97043e57a22_story.html?utm_term=.9bd633e31ddb عدد الكلمات 1132 ترجمة أحمد عيشة


أحمد عيشة


المصدر
جيرون