أيتام سورية أصبحوا نجومًا عالميين



(قصص ضحايا الحرب من الأطفال تعتصر القلوب)

تحقيق صحفي للمحقق الصحفي التركي أولكان أوزيورت عن إسناد المخرجة السينمائية البوسنية عايدة بيجيتش أدوارًا لأطفال سوريين أيتام، في فيلمها السينمائي (لا تدعني) الذي عرض في مهرجان أنطاليا الدولي الرابع والخمسين للسينما. التحقيق نشر في صحيفة SABAH)) التركية، في عدد يوم الأحد 2017.10.29.

أسندت المخرجة السنيمائية البوسنية عايدة بيجيتش بطولة فيلمها (لا تدعني) إلى الأيتام السوريين المقيمين في تركيا، هؤلاء الأطفال ذوو الوجه البشوش، والذين لا يستطيعون إخفاء أحزانهم، كانوا في الفيلم نجومًا، بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

كلهم أيتام، كلهم عاشوا أيام الحرب، ربما سيعودون يومًا ما إلى ديارهم، ستشعرون بالأسى وأنتم تقرؤون حكايات/ معاناة هؤلاء الأطفال الذين يصعب عليهم مواجهة ما تعرضوا له، ولكن لا مستحيل بالنسبة إليهم.

لا يمكنكم بناء قلب الإنسان مرة أخرى

(أسندت المخرجة البوسنية عائدة بيجيتش الأدوار الرئيسة في فيلمها (لا تدعني) إلى الأيتام السوريين المقيمين في تركيا، تحدثت فيه عن حكايتهم، في إطار فعاليات مهرجان أنطاليا الدولي الرابع والخمسين، وقالت المخرجة: بعد عرض الفيلم: اجتمعنا مع الأطفال.. كلهم أيتام، وبعضهم يتيم الأب والبعض الآخر يتيم الأم، لقد تغيرت حالتهم في أثناء فترة الفيلم).

(بيجيتش التي كانت طفلة صغيرة، في أثناء حرب البوسنة، هي من أكثر السينمائيين الذين يستطيعون فهم معاناتهم، وتضيف أن من الصعب جدًا إخراج آثار الحرب من قلب الإنسان. فالحروب تنتهي… ثم بعد ذلك تقومون بإنشاء وإشادة الأبنية والطرق، ولكن أن تقوموا ببناء قلب الإنسان مرة أخرى فذلك صعب جدًا جدًا… ربما سيعود هؤلاء الأطفال إلى ديارهم يومًا ما، أما ما كابدوه فإنه سيبقى في قلوبهم طويلًا).

*  أولكان أوزيورت:

عيسى في الخامسة عشرة من العمر، باسمٌ بشوش ولكنه مع ذلك لا يستطيع إخفاء أحزانه، لعب دور البطولة في فيلم (لا تدعني) للمخرجة عائدة بيجيتش، في المهرجان الدولي الرابع والخمسين للأفلام السينمائية في أنطاليا. عيسى هو فقط واحد من الأطفال الذين تركتهم الحرب في سورية أيتامًا، والأطفال الآخرون الذين معه هم أيتام أيضًا، وبعضهم الآخر يتيم الأبوين، هم بعض من بين آلاف الأطفال الذين استطاعوا عبور الحدود أثناء الحرب، وجاؤوا إلى تركيا.

إن حكاية كل من أحمد ومعتز وتقى الذين مثلوا في الفيلم أيضًا لا تختلف عن حكاية عيسى كثيرا، ففي الوقت الذي كانت حياتهم، قبل بدء الحرب، تسير طبيعيًا، ولكل منهم أحلام مختلفة، فقدَ هؤلاء الأطفال الكثير من أحلامهم مع اشتعال هذه الحرب، يصارعون الحياة عن طريق المساعدات الإنسانية التي تقدمها لهم جمعية البشير الخيرية، ويعيشون على أمل العودة إلى بلادهم يومًا ما.

لقد تعرفنا على هؤلاء الأطفال بفضل فيلم (لا تدعني)، عن طريق المخرجة عائدة بكيتش التي عرفت عن طريق فيلم (الثلج) الذي يتحدث عن المآسي التي عاشتها النساء من ضحايا حرب البوسنة وفيلم (الأطفال) الذي تناول ما كابده الأطفال الذين يتموا بنتيجة الحرب. ولكن هذه المرة، في فيلمها (لا تدعني)، تحمل حكايات الأطفال السوريين الأيتام إلى شاشات السينما. وكما كان في فيلميها السابقين فإن (الرجل السيئ) المجهول هو الحرب.

بيجيتش التي بدأت حديثها بـ : “أعلم أن أي حرب يمكن أن تنشب نتيجة سياسة من السياسات، ولكن في نهاية المطاف، لا يكون الضحايا في هذه الحروب سوى النساء والأطفال، تابعت قائلة: من ذا الذي يرغب في أن يُجرَح ولده أو يموت.. حسنًا نعلم أن في العالم أناسًا بأعراق وإثنيات ومعتقدات مختلفة، وأن حدوث النزاعات والخلافات أمر وارد وطبيعي، ولكن اختيار الحرب بدل السعي للتواصل للبحث عن حلول، هو الأمر غير الطبيعي. إن تكاليف الحروب تكون ثقيلة وباهظة جدًا، ولكن في النهاية، وبعد مرور الوقت يدرك الجميع -حتى الذين تحاربوا- أن الفعل الذي أقدموا عليه ليس أكثر من هراء ليس له معنى”.

“أقول كيف تعرفت على هؤلاء الأطفال؟ فترد بيجيتش قائلة: إن (جمعية البشير) هي جمعية تقدم الإغاثة الإنسانية للأيتام السوريين، وفي الحقيقة، تمّ تصوير الفيلم بفضل ورشة تأهيل أنشئت لهؤلاء الأطفال أصلًا، طُلب مني أن أعمل ورشة تمثيل لهم، فقبلت والتقيت بالأطفال الأيتام في كل من مدينتي غازي عنتاب وشانلي أورفا، وقمنا بتنظيم ورشة لهم، فكل شيء بدأ من تلك الورشة.

أنا بشكل عام لا أومن بتأثير تلك القصص التي تكتب على الطاولات، فقبيل فيلم (الثلج)، كنت قد قضيت وقتًا طويلًا مع النساء اللواتي قتل أزواجهن في مذبحة (سربرينيتسا)، كما قمت من أجل فيلم (الأطفال) الذي يتحدث عن أيتام البوسنة بذلك العمل أيضًا، ما يعني أنني أحاول أن اتخذ من الحياة والواقع تجربة لعمل الفيلم. وفي فيلمي (لا تدعني) كان لي فرصة التواصل مع الأطفال بفضل هذه الورشة، وعقدنا لقاءات مطولة معهم.. دخلت عالمهم؛ ثم أيقنت بأنني أستطيع عمل فيلم يحاكي حياتهم وما يعانونه. أي أن مبادرة تأسيس ورشة للعمل كانت وراء تصوير هذا الفيلم”.

عندما كانت بيجيتش تتحدث عن الصدمات والخسائر التي تعرض لها الأيتام، وصعوبات اللجوء والآمال والحنين لديهم، كانت في الحقيقة تنظر إلى الأطفال، ويصبح كلامها في (لا تدعني) تمثيلًا لأصواتهم.

تقول المخرجة: صعب جدًا على الإنسان أن يصبح لاجئًا، تتركون بيوتكم ودياركم، ولربما لن يتسنى لكم رؤيتها مرة أخرى أبدًا.. ربما لن تنسوا ما خلفته الحرب من خسائر طوال أعماركم، ولذلك؛ يتوجب قيامهم بسرد قصصهم بأنفسهم، وعلينا نحن الإصغاء إليهم. عندما تستمعون لهذه القصص تشعرون بالغصة والأسى، لأن مواجهة ما يعانيه والتغلب عليه، لطالما كان أمرًا مستحيلًا بالنسبة إلى طفل.

كلنا ضحايا حروب

تقول بيجيتش: لكن مرحلة العمل التي بدأت بورشة عمل، وانتهت بتصوير فيلم، كانت مفيدة للأطفال، لقد “لاحظت بأم عيني كيف أن السينما غيّرت حال الأطفال”.  ثم تضيف: “كان هؤلاء الأطفال في البداية خائفين، مترددين، خجلين ومكتئبين، لكنهم تخلصوا من تلك المشكلات النفسية رويدًا رويدًا، بفصل علاقات الثقة التي بنيناها معهم. ثم هم رأوا أنهم قادرين على القيام بشيء ما، وبصريح العبارة: راقبت عن كثب تقويهم من الناحية الشخصية، فإن كانوا يبتسمون الآن؛ فإن ذلك يرجع إلى هذا الشيء نوعًا ما. وبصراحة أيضًا: أن أرى أنني استطعت أن أساهم مساهمة، ولو كانت صغيرة، في إحداث تغيير في حياة هؤلاء الأطفال فهذا عندي أثمن من أي جائزة، يمكن أن أحصل عليها في السينما”.

ربما كانت بيجيتش في أثناء حرب البوسنة في عمر هؤلاء الأطفال، هي من أكثر السينمائيين القادرين على فهم معاناتهم، تقول إن محو آثار الحرب من النفوس لطالما كان صعبًا، وأن “الحروب قد تبدأ وتنتهي، وأن بإمكانكم إعادة إشادة البنيان وإعمار الطرق مرة أخرى، ولكن من الصعوبة بمكان إعماركم لقلب الإنسان. ربما سيعود هؤلاء الأطفال يومًا ما إلى ديارهم، ولكن الذي عايشوه سيبقى في نفوسهم طويلًا”.

عند سؤالنا كيف كان تأثير التعامل مع هؤلاء الأطفال عليكم، تجيب بيجيتش: في الحقيقة لست وحدي، ولكن كل الزملاء البوسنيون في فريق عملي كنا نظن بأننا قد تجاوزنا آثار حرب البوسنة، ولكننا عند مشاهدتنا لما عاشه هؤلاء الأطفال أدركنا أننا لم نستطع بعد تجاوزها، فتبين أن تجاوز أثار الحرب عنك صعب جدًا، لقد أعادنا هؤلاء الأطفال عشرين عامًا إلى الوراء، فعلى سبيل المثال كان في فريقي زميلٌ فقد أباه في حرب البوسنة، هذا الزميل كوّن صداقة أقوى مع طفل سوري فقد أباه في الحرب أيضًا. وصديق آخر تعرض لإصابة أثناء الحرب، وجدناه قد أصبح صديقًا لطفل أصيب أيضًا، بمعنى أن كل واحدٍ منا قد أبدى تعاطفًا مع أحد الأطفال بحسب الآلام التي شهدها.. لكن الأطفال السوريين أيضًا كانوا على دراية بأننا نحن أيضًا كنا ضحايا حرب مثلهم، فحالتنا قد بثت فيهم روح الأمل، ورموا ما على كاهلهم من تشاؤم، وأحسوا بأنهم سيكونون مثلنا بعد عشرين عامًا، وسيمارسون حياتهم الطبيعية”.

كان المحدد لسينما بيجيتش هي الحرب البوسنية التي عايشتها، لا ندري ربما أحد هؤلاء الأطفال يمكن أن يكون في أحد الأيام سينمائيًا أيضًا، ويجسد معاناته، ويمد يده العون إلى متضرر (ضحية) آخر في هذا العالم.

أوروبا منافقة ذات وجهين

لقد أظهرت أوروبا موقفها المنافق المعروف عنها في قضية اللاجئين أيضًا، وقد فقدت إيماني بالعدالة الأوروبية بشكل عام، ولقد عايشت بنفسي الحرب في البوسنة وشاهدتها؛ لذا فلا ينبغي انتظار تقارب أوروبي عادل. طبعًا هناك في أوروبا من الناس من يسعى لتقديم المساعدة واحتضان ضحايا الحرب. ولكن عند التمعن في السياسة العامة لأوروبا؛ نجد أن الأمر مختلف تمامًا. فحياة المسلمين من مختلف الأجناس في المجتمع الغربي تزداد صعوبة.

هذه قصصهم

بدأت بيجيتش بورشة العمل مع 350 طفلًا تقريبًا، وقد قامت باختيار الموهوبين منهم والراغبين في أن يكونوا من ضمن عمل لإنتاج فيلم كهذا، “لأنها تقول: إن هذه كانت قصتهم، ولذلك عملت على بناء الثقة بيني وبينهم جيدًا، لأن بعض أعضاء فريق العمل كانت لديه مخاوف، وكانوا يعتقدون بصعوبة العمل مع الأطفال، ولكنني آمنت بإمكاناتهم ومواهبهم، وهم بدورهم شعروا وأدركوا ذلك؛ ثم أعانوني بشكل جيد”.

الأطباء الأتراك أنقدوا حياة الكثيرين منهم

“كانت تركيا -وما زالت- تستضيف ما يقارب الثلاثة ملايين سورية، وإن كان هؤلاء الأطفال يعيشون، فبسبب فتح تركيا لحدودها في وجههم. ولكن هناك أمرًا لم يتم الانتباه إليه بشكل عام، وغاب عن الأذهان ألا وهو: إنقاذ الأطباء الأتراك لحياة الكثير من الناس على الحدود، وعلى سبيل المثال، إن طبيبًا تركيًا هو من أنقذ حياة الطفل عيسى، وبطبيعة الحال، فإن ترْكَ السوريين ديارهم وفتح الأتراك بيوتهم ليس بالأمر السهل، ولكن تركيا الدولة قد تبنت السوريين، وعملت على تلبية احتياجاتهم الأساسية، فهؤلاء الأطفال يتلقون التعليم، وهذه قضية مهمة في تركيا، ولكنني رأيت أن بعض هؤلاء الأطفال لا يرغبون في تعلم اللغة التركية، لأنهم يعيشون على أمل العودة إلى بلادهم،  قلت لهم إنهم في هذه المرحلة يعيشون في تركيا، ويجب عليهم تعلم اللغة التركية”.

نشكركم على كل شيء

عيسى دملخي، في الخامسة عشر من العمر، وهو أكبر هؤلاء الأطفال سنًا، يقيم في مدينة غازي عنتاب مع أمه وإخوته، وقد أصيب في الحرب، حيث قام طبيب تركي بإنقاذ حياته. هو طفل وسيم وأنيق ولكنه يعرف القليل من التركية. أما أحمد خشروم الذي يتابع حياته مع أمه وإخوته في غازي عنتاب، فهو في الثانية عشر، وقد فقدَ أبوه في أثناء الحرب في سورية.

معتز إبراهيم باشا في الثالثة عشر، يقيم مع أمه وإخوته في مدينة شانلي أورفا، أما الفتاة في الفريق فهي تقى نقال، وهي -وإن بدت أكبر- ما زالت في العاشرة من عمرها، وتعيش مع أمها وإخوتها في مدينة شانلي أورفا. أسامة الشمالي الذي فقد أبويه كليهما هو في الثالثة عشر، عبر الحدود مع أقربائه وجاء إلى تركيا ويقيم في شانلي اورفا. الفتاة الأخرى في الفريق هي لجين التركي وما زالت في الخامسة من عمرها، وهي الأخرى بلا أبٍ، وتعيش مع عائلتها في شانلي أورفا، بعد أن لجأت إلى تركيا مع أمها وإخوتها. عمر التركي البالغ من العمر ثماني سنوات، ومهران حنيفة البالغ من العمر تسع سنوات هما أيضًا أيتام مثل لجين، ويتابعون حياتهم في مدينة شانلي أورفا، مع أمهاتهم وإخوتهم. كل الأطفال الأيتام يتابعون دراستهم في المدارس الوطنية التركية. عيسى الذي يعرف القليل من اللغة التركية يقول: “الشكر لكم على كل شيء”.

اسم المقالة الأصلي Suriye’li yetimler dünya starı oldu الكاتب OLKAN ÖZYURT مكان النشر وتاريخه SABAH gazetesi 2017.10.29 رابط المقالة http://m.sabah.com.tr/pazar/2017/10/29/insan-kalbini-yeniden-insa-edemezsiniz ترجمة Ali KAMAH

 


علي كمخ


المصدر
جيرون