الحريري يقلب الطاولة



استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري ترسم منعطفاً حاداً في الميدان السياسي الداخلي في لبنان، وتتقاطع مع مؤشرات اقليمية ودولية تجعل منها عنصراً أساسياً في مناخ واستراتيجية جديدة تتبلور ضد إيران وذراعها الأقوى والأكثر نفوذاً سياسياً وعسكرياً حزب الله.
الاستقالة التي ناقضت في الأسلوب والرسائل السياسية تجربة سعد الحريري السابقة وحين فرض حزب الله وحلفاؤه خروجَه من الحكم في ٢٠١١ خلال زيارته واشنطن يومها، هي مؤشر أساسي يجب الوقوف عنده اليوم. فالحريري هو من يقلب الطاولة، ومن منبر في المملكة العربية السعودية، مع ما يعني ذلك من رسائل اقليمية وداخلية. الرسالة الأولى فيها مظلة اقليمية لتحرك الحريري، ودور سعودي أكبر في لبنان اليوم. فوزير العدل السابق أشرف ريفي أيضاً كان موجوداً في السعودية، وحديث عن مصالحة بينه وبين الحريري، كما من المتوقع زيارة الكاردينال بشارة الراعي قريباً الى المملكة والتي تجمعها أيضا علاقة جيدة مع قيادات الكتائب والقوات في بيروت.
لبنانياً، الاستقالة تعيد بالكامل هز التحالفات الحكومية وتلك خارج الحكومة، وتضع علامات استفهام كبرى حول الاستقرار الداخلي وما ستحمله المرحلة المقبلة. فاليوم، مبادرة الحريري بالاستقالة، وسعي الرياض الى توحيد البيت السني سيجعل من الصعب تعيين شخصية ذات وزن حقيقي في منصب رئاسة الحكومة اللبنانية. بالمقابل تحول هذه الحكومة الى مجلس تصريف أعمال يرمي بالهواء محطات سياسية حاسمة في لبنان مثل الانتخابات النيابية، قانون النفط والغاز، مشاريع اقتصادية حيوية للنهوض بالبلد. هذا يعني فعلياً عودة شبح عدم الاستقرار الأمني الى بيروت مع ما ذكره الحريري من محاولة اغتيال تستهدفه شخصياً، والأمر ليس مفاجئاً بالنظر الى التغييرات في سورية والدخول في مرحلة الضغط على لبنان.
إقليمياً ودولياً تتقاطع استقالة الحريري مع خطوات خليجية وأميركية محورية لمواجهة «ناعمة» مع إيران. بيان الاستقالة ذكر إيران أكثر من عشر مرات ويأتي بعد ٢٤ ساعة من لقائه مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي والذي بحسب أكثر من مصدر كان «سيئاً للغاية». هذا المناخ لا يمكن فصله عن استراتيجية دونالد ترامب ضد إيران التي أعلنها الشهر الفائت ويشمل جزء أساسي منها التصدي لنفوذها الاقليمي، كما يتلازم مع عقوبات مجلس النواب الأميركي والتي تم اقرارها بالإجماع ضد حزب الله وتنتظر تصويت مجلس الشيوخ هذا الشهر. هذا لا يعني وجود «مخطط أكبر»، بل مرحلة جديدة عنوانها لبنانياً واقليمياً ودولياً التصدي لإيران.
هذه المرحلة الجديدة قد تحاول رد عقارب الساعة الى ٢٠٠٥ ورص تحالف لبناني ضد حزب الله، ومعه إيران. وكان لافتا هنا كلام رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب أد رويس وقوله عشية تمرير العقوبات، أن السماح بدخول حزب الله الحكومة هو خطأ جسيم مهد لزيادة نفوذه سياسياً وديبلوماسياً. فهل الهدف اليوم هو الطلاق مع هذه الاستراتيجية والسير بتحالف سياسي وفي المستقبل حكومي يستبعد حزب الله؟ هكذا طموح سيصطدم أمنياً وسياسياً واقتصادياً بعراقيل جمة على الأرض وسيستغرق سنوات لتنفيذه.
في الوقت الراهن، يمكن القول بأن لبنان دخل مرحلة جديدة عنوانها انفراط عقد الحريري مع حزب الله، والتحول جزءاً أساسياً من استراتيجية اقليمية وبدعم أميركي للتصدي لإيران. أدوات هذه الاستراتيجية وتفاصيلها لا تزال مبهمة، إنما بعد خطاب الحريري من السعودية ليس كما قبله، ولبنان مرة أخرى في عين العاصفة بانتظار تفاهم وتوافق أكبر يحصنه مستقبلاً وبمعادلة مختلفة.

(*) كاتبة لبنانية


الحياة


المصدر
جيرون