إعلاميين يدعوننا إلى جريمة أبشع من القتل….

6 تشرين الثاني (نوفمبر - نونبر)، 2017

6 minutes

د.عزة عبد القادر
أتذكر فيما مضى وأنا صغيرة بالمدرسة ، حيث كنت ثرثارة وعصبية ، وكانت تلك هي الحصة الثانية لمادة الرياضيات قد قد بدأت ، ورغم إن معلمة الحساب كانت ذات شخصية قوية ، إلا إنني كعادتي لا أصمت عن الكلام ، وكنت أجلس في الوراء ، ولذلك فلم تستطع المدرسة معرفة مصدر الأصوات ، فالتفتت تنظر لنا جميعاً ، لتقول : من الذي يتكلم؟وبسرعة قمت لأجيبها … أنا الذي أتكلم ، فسألتني تتكلمين وحدك ؟ قلت لها : نعم اتكلم وحدي ، فقالت : كيف هذا ؟ هل تحدثين نفسك ، بالتأكيد هناك من يتكلم معكي ؟ لكنني أصررت على الإنكار ، فابتسمت المعلمة الرائعة ، وطلبت من كل التلاميذ أن يصفقوا لي ، ففرحت بشدة وتعجبت في ذات الوقت ، قالت لي معلمتي العظيمة : أنا أحييكي لشجاعتك الأدبية واعترافك بالغلط ، وأعجبني أيضا إنكي لم تفتني على زميلاتك وتلقي عليهم الخطأ.
لم أصدق نفسي أن ما قمت به يمكن أن يرفع قدري هكذا في عين مدرستي وأعين زملائي ، ومرت السنين ، وقد رسخ بداخلي أن من يقوم بالفتنة على غيره هو شخص جبان وندل ، بعيد عن الشجاعة والمروءة .
هذا المبدأ الفريد الذي تعمق داخلنا هو ما يتماشى مع النص القرآني العظيم – قال تعالى : وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ۚ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ ۖ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ ۗ كَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ “سورة البقرة اية 191
إذن فإن الفتنة شيء ذميم جدا ، إنه أشد من القتل ، ومادامت الفتنة أشد جرماً وبشاعة من القتل ، فإن عقاب الفتنة سيكون كبيراً جدا ، ولكن هذا الجزاء سيكون في الآخرة وليس جزاء دنيوي .
ولا أعرف سبب تهاون الدول على مستوى العالم تجاه تلك الجريمة ، وكيف لم يتم تحديد عقوبة رادعة للفتنة ، رغم أنها تؤدي لإشعال قلوب الناس والوقيعة بينهم .
والآن في تلك الأوقات العصيبة وفي وقاحة ليس لها مثيل يخرج علينا بعض المخرفين في القطاع الإعلامي ليزينوا لنا الخسة والندالة ، ويحاولون جاهدين أن يظهروا لنا الباطل في لباس براق حتى يحسبه الجاهل حقيقة ، مثلما يظن البلهاء أن المتعففين أغنياء ، وقد وصف الله هؤلاء في كتابه العزيز بقوله : ” لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ
إذن فإن أصحاب العقول البسيطة من الناس يتسموا في غالب الأحيان بالجهل ، والجهل هنا ليس إساءة لشخوصهم هنا بقدر ما هو وصف لحالهم ، فإن الجهل صفة ذميمة ، ولهذا فإنه يجب علينا دائما إعمال عقولنا فيما يجري من أحداث ، ولا يجب أبداً تسليم العقول إلى الآخرين ، فقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم وكرمه بالعقل والإرادة ، فقد وهبنا الله نعمة الفكر وأعطانا حرية الإختيار ، وذلك لنميز بين الحق والباطل ، فلم يخلق الله لنا من يفكر بدلاً منا أو يمثلنا في أفعالنا ، بل نحن الذين نملك قلوبنا وعقولنا ، فلا يصح بأي حال من الأحوال أن نتنازل عن ما رزقنا الله إياه ومن علينا به من فضله لنسلمه لغيرنا لكي يفسده ويخربه كيفما يشاء .
إن الغرض من كل ما ذكرته سابقاً هو تحذير نفسي وغيري من الإنسياق وراء الفتنة والوقوع في دائرة الكذب والنفاق ، إن الدعوة التي يتبناها بعض المحسوبين على حقل الإعلام في محاولة خسيسة منهم للإيقاع بيننا كمصريين والإبلاغ عن بعضنا البعض لهي دعوة إلى إشعال النار والحرب الأهلية ، فكيف لنا أن نقع في تلك الهوة السحيقة ، وكيف لمن يطالبنا بذلك أن يدعي الوطنية والشرف وهو منها ببعيد ، إن الله تعالى ينهانا عن الفتنة .
لا يوجد أي مبرر يمكن أن يعطي الحق للإنسان في الوشاية بصديق في العمل أو جار يسكن بالقرب منه ، لا يوجد أي تحليل أو منطق يجعلك تخون قريب أو زميل بحجة خدمة الأسياد في الدولة .
من المستحيل أن تتقدم مصر في ظل الضغائن والأحقاد وزرع الألغام بين الناس ، فغياب القانون لازال يتسبب في حوادث جلل ، وليس أدل على ذلك من مجزرة الواحات التي راح ضحيتها حوالي 50 فرد من قوات الشرطة ، فلو كان يعلم الجناة أن هناك قانون لما أقدموا على تلك الجريمة الشنيعة ، لكنهم يعرفون إنهم سينجون من العقاب ، لأنهم يعيشون في غابة ، النصر فيها للأقوى والأشرس ، فلا مكان للحكمة ، ولا مكان لتطبيق القانون ، فالغلبة لمن يستطيع الإنتقام ، والفائز في المعركة هو دراكولا المفترس ، فياليتنا نستيقظ قبل فوات الآوان ، يا ليتنا نستيقظ قبل أن تضيع مصر.