استقالة الحريري.. تيار المستقبل يصل “مرحلة اللاعودة”



فتحت استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، السبت الماضي، الأبوابَ أمام التكهنات حيال السيناريوهات المحتملة في لبنان، وفي الوقت ذاته أعادت فتح الأسئلة عن مستقبل التعايش هناك، في ظل الهيمنة الواضحة لميليشيا (حزب الله) على مفاصل الدولة اللبنانية، وما أفرزته تلك الهيمنة من انقسامات حادة بين مختلف القوى السياسية، خاصةً في ظل إصرار “حزب الله” على النهج ذاته المرتكز على تمرير مشاريع دولة الولي الفقيه في إيران، وفق تعبير خصوم الحزب.

عدّ الأمين العام لـ (حزب الله) حسن نصر الله استقالةَ الحريري موقفًا سعوديًا أُجبر الرجل عليه، مشيرًا في خطابٍ، ألقاه أمس الأحد، إلى أن قرار الاستقالة لم يأت بفعل ظروف داخلية لبنانية، بل جاء بسبب رغبة السعودية في السيطرة على الدولة اللبنانية، في سياق صراعها مع إيران، على حد تعبيره.

إلا أن ردات الأفعال السياسية في الداخل اللبناني ناقضت تصريحات “نصر الله”، كاشفةً حالة انقسام كبير داخل القوى السياسية بخلفيته الطائفية التي باتت تنذر بانفجار محتمل في لبنان يهدد استقراره، وربما يصل إلى مواجهة مفتوحة؛ في حال لم تصل الأطراف اللبنانية إلى تسوية مرضية، تضع حدًا لتغول الحزب داخل أجهزة الدولة، وفق ما يرى مراقبون.

في هذا السياق، قال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق فؤاد السنيورة أمس: “إن (حزب الله) والتيار العوني تعاملا مع (التسوية) كأنها (ضعف أو استضعاف)، لتحقيق المزيد من المكاسب على حساب الوطن”، في حين قال مصطفى علوش، عضو (تيار المستقبل): إن “التسوية سقطت، والأمور وصلت إلى مرحلة اللاعودة، والمواجهة باتت محسومة”. وفق صحيفة (الشرق الأوسط).

وقال الوزير جبران باسيل: “نأمل أن يتخطى لبنان هذه الأزمة بالوحدة والحكمة والقوة”، لافتًا إلى أنه “لا يمكن إنكار إمكانية الوصول إلى أزمة حكم في لبنان، أو شن حرب خارجية عليه، أو حتى اندلاع فتنة داخلية”.

يرى كثير من المراقبين أن ما يحدث لن يتطور إلى مستوى مواجهة داخلية مفتوحة في لبنان، بين المكونات الرئيسة فيه، وأنه لا يعدو أن يكون ارتدادًا للمعادلات الإقليمية في المنطقة، والتي تحاول إعادة توزيع الأدوار السياسية للقوى اللبنانية المختلفة، بخاصة مع تصاعد الحديث عن تسويات كبرى للصراعات القائمة، سواء في سورية أو غيرها، وهو ما يتطلب ترتيب الأدوار الوظيفية للعديد من القوى داخل المنطقة.

في هذا الصدد، قال طارق الكردي، الخبير في الشؤون السورية-اللبنانية، لـ (جيرون): “لا يمكن فصل ما يجري في لبنان عن الأحداث في سورية، إيران ذهبت إلى أبعد مدى في التدخل بالشؤون اللبنانية، وأطبقت -عبر ذراعها حزب الله- على كامل مفاصل الدولة؛ ومن هنا جاءت استقالة الحريري، بعد أن أصبح استمرار الحكومة يمنح غطاءً للتدخل الإيراني”.

رأى الكردي أن محاولة “نصر الله” لجعل استقالة الحريري قرارًا سعوديًا هي “استمرار لنهج الإنكار والعنجهية. وأنْ تأتي الاستقالة من الرياض بالتأكيد له مدلول سياسي، في سياق المواجهة بين السعودية وإيران، في أكثر من مكان في المنطقة، لكن الأساس أن التسوية التي وافق على أساسها الحريري لتشكيل الحكومة استغلها الحزب لمواصلة خنق الدولة اللبنانية، ولم يستطع الرئيس عون إدارة اللعبة السياسية في لبنان، بما يكبح جماح هذا التدخل”.

عن إمكانية انفجار الوضع الداخلي اللبناني والوصول إلى حرب أهلية شبيهة بما حدث في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، قال الكردي: “مع بداية الثورة السورية، استطاعت الأطراف الإقليمية أن تحيّد لبنان وتبقيه بعيدًا عن الصراع، إلا أنه ومع تورط “حزب الله” وأطراف أخرى عاد الانقسام ليبلغ ذروته، ويصل إلى ما وصل الوضع عليه الآن”.

تابع: “لا يمكن الجزم بأنه من غير الممكن انفجار الوضع الداخلي في لبنان، بخاصة في ظل الأوضاع المتفجرة في المنطقة، سواء في سورية أو اليمن أو ليبيا أو العراق، ولكني أعتقد أنه حتى اللحظة لا توجد مؤشرات إقليمية دولية، للدفع بهذا الاتجاه في الوقت الحالي على الأقل، بالتالي التطورات الميدانية قد تأتي خارجية، وهي بتوجيه ضربات عسكرية أميركية/ إسرائيلية لمعاقل (حزب الله) في العمق اللبناني، وهو على الأرجح ما سيحدث”.

أثارت الأوضاع الأخيرة في لبنان مخاوفَ كثيرة لدى مؤسسات المعارضة السورية، من أي ارتدادات محتملة على اللاجئين السوريين هناك، وهو ما أيده الكردي بقوله: “لدينا مخاوف حقيقية بأن يُستخدم اللاجئ السوري كورقة للمساومات السياسية بين الأطراف اللبنانية، كما سبق أن حصل مع اللاجئين الفلسطينيين”.

شدد الكردي على أن “هناك تصعيدًا يوميًا ضد اللاجئين السوريين، من شخصيات سياسية لبنانية، على رأسها الوزير جبران باسيل، ومؤخرًا من البطرك، وهذا يهيئ المناخ لحشر السوريين في لبنان، والتضييق عليهم إلى حد قد يدفعهم للدفاع عن أنفسهم، ولا سيما في ظل حالة الاستقطاب الشديد، لذلك نحن ندعو كافة الأطراف في لبنان إلى تحييد اللاجئين السوريين، وعدم زجهم في الصراع الداخلي اللبناني- اللبناني”. (م.ش).


جيرون


المصدر
جيرون