الفنان التشكيلي السوري موفق قات
6 تشرين الثاني (نوفمبر - نونبر)، 2017
[ad_1]
يُعدّ الفنان موفق قات، بذاته الوجودية والمُبتكرة، مكتبةً فنية متنقلة بين واحات الفنون الجميلة التشكيلية والبصرية، وملفه الشخصي يدل على فرادته ما بين أقرانه، ويُقدمه كحالة فنية تشكيلية سورية، متعددة المجالات الفنية شديدة الخصوصية. وثمة تخاطر فكري ومُحاكاة ابتكارية ما بين جميع ميادينه ومجالات اشتغاله التقنية وأفكاره ورؤاه التعبيرية. حملته مواهبه الفطرية والمُدربة في سنّ مُبكرة، ورافقته في رحلته العابرة ما بين ميادين الفنون، بدايتها عالم الفنون السينمائية والرسومية المتحركة والرقمية “الديجتال”، وتصميم الفكرة وتقنية إخراج، وما يُشابهها من اللوحات التصويرية والرسوم الكاريكاتيرية؛ لتصنع منه ومن خبراته التراكمية “فنان الموقف والكلمة الفصل”، في جدلية المساحات المرصوفة فوق سطوح خاماته المتوالدة من وحي ذاكرة مكانه وزمانه البصرية، ومن خلال توليفاته التسجيلية المُعبرة عن اللحظات الوجودية، والتعبيرية الفاصلة والمنحازة بطبيعة الحال إلى مفاهيم الوطن والمواطنة والكرامة وإنسانية الإنسان. وعلى خيارات الشعب السوري النبيل في تحقيق طموحاته وأماله، رسوم تفوح من جنبات مُبتكراته رياح الأمل والتغيير.
بقي الفنان موفق قات وفيًا لمبادئه وقيمه الجمالية ومواقفه الفكرية، مصحوبًا بمواهب فنية متعددة الصنائع والتقنيات، تلك التي امتلكها من خلال دراساته الأكاديمية العليا والمصاحبة لمعابر ابتكاره، المفتوحة على التجلي المعرفي والسياسي والمقاربات السلوكية لجماليات وطن معافى بأبنائه.. فنان لديه إحساس عال بالمسؤولية الوطنية المُنعكسة في جميع لوحاته ورسومه وأفلامه، والمؤتلفة في شكلها ومضمونها وتقنياتها، تجد في متنها وحدة عضوية جامعة لمقولاته السردية، ومواقفه وغاياته المنشودة والمقصودة في التوصيل لجمهوره، والتي نراها تأخذ سمةً “ثلاثية الأبعاد” التأليفية، في الشكل والمضمون وجماع التقنية، والعاكسة لجميع تجلياته، بما تشتمل عليها من ترجمات معيارية صادقة لحسه وذائقته البصرية التي عزف على أنغامها تقاسيم حكاياته، سواء عبر اللوحة التشكيلية التصويرية أو صناعة الأفلام الكرتونية المتحركة أو ملصقاته وديكوراته عمومًا ورسومه الكاريكاتيرية خصوصًا.
هاجسه الرئيس، في جميع منتجاته الفنية الابتكارية، “الإنسانُ المتحرر” من خوفه وتخلفه وعبوديته وقيوده، والمعبرة عن روحه وذاته الرافضة، والمتمردة على المظالم المشهودة في سورية منذ زمن بعيد، وأكثرها وضوحًا وغزارة إنتاج تلك المواكبة لثورة الشعب السوري، وبلغته التعبيرية الشفيفة بوسائط اشتغاله التقني شديدة الخصوصية. مواضيعه متناسلة من حركية الواقع المجتمعي السوري والجماهير الغاضبة وجمالياته ومعاناته ومتغيراته، والتي تأخذ حيزًا واسع الطيف من هموم السوريين، على مدار عدة عقود من المظالم.
كان فن الكاريكاتير الأقرب من روحه المتمردة، والأكثر إنتاجًا وتنوعًا في المحتوى، لمناهل أفكاره وحدسه وتصوراته، أكثر انسجامًا مع حقيقة الواقع السوري، وتوصيفًا لحالته وشجونه وكشفًا لمستوره. خاض -وما يزال- بلا كلل ولا ملل، عبر لغة تعبيرية واضحة وصريحة مُتجلية في مقامات سرد بصري مُبسطة، بما امتلك من خبرة تراكمية وتقنيات، وبما تحمله في متنها الموصوف من تحشيد رمزي ومُكثف لمجاز الوصف الدامي للأحداث في سورية، بكل ما فيها من ألم وقتل ودم ومجازر ومواقف درامية المعاش اليومي وقسوته وظلاميته. رسومه أشبه بكتاب مفتوح على القراءة المتداعية، ما بين فصوله وتاريخه ومواضيعه وأحداثه، لها من العمر أكثر من ثلاثين عامًا، وهي في ظلال الربيع العربي مُستدامة بلا توقف، ومنشورة في أكثر من موقع إلكتروني ومجلة وصحيفة عربية، وفيها من الوضوح والجرأة التعبيرية الكثير.
كانت يوميات الثورة السورية، بالنسبة إلى الفنان موفق قات، انعكاسًا طبيعيًا لروحه المتمردة، وبمثابة اللحظة التاريخية الفاصلة للتغيير المنشود، ومرجعية حسيّة ومصدر إلهام بصري متوالد، في رسومه الصارخة والساعية لحسم القضايا المصيرية والمؤجلة في خوض الصراع وأطرافه ومكوناته، والموزعة ما بين طبقتين متناقضتين، والتعبير عنها بوسائط الفنون البصرية الرسومية التي يتقنها. ولعل فن الكاريكاتير -كما أسلفنا- هو الأبرز في مدوناته اليومية المواكبة للإحداث السورية، وأكثرها وضوحًا وبلاغة في لعب دوره، مواطنًا ومثقفًا وإنسانًا على جبهة الثقافة، وما لديه من مقدرة على توصيل الفكرة والقول البصري المتاح، والتي يُكرس فيها رؤيته الفنية التعبيرية، من وجهة نظر ابتكار ذاتية الوهج والإيقاع، مُندمجة بقضايا الوطن والمجتمع، تُنادم مقولات: (الشعب في مواجهة الطغيان، الكرامة في مقابل الاستبداد، المحاسبة لوأد الفساد، الحرية كمعادل موضوعي لرفض ديمومة العبودية، المؤامرة الكونية على الشعب السوري وسورية تحت أكاذيب مقولات الإرهاب).
يتدثر من خلالها لباس الكاشف والمُحرض، وينهل من وحيها ومن مضامين مواضيعه وتقنياته المُدرجة، روايته الرسومية، فهو منذ اللحظة الأولى لانطلاق التظاهرات السلمية التي تُنادي بإسقاط النظام، في أشهرها الستة الأولى المحملة برياح التغيير، لم يتقاعس أو يلتزم الصمت، بل سعى -وما يزال- إلى المساهمة، عبر جبهته الثقافية وخبراته وقدراته ووعيه للحالة الثورية الجماهيرية والشعبية، في تقديم منشوراته الوصفية التي ترسم حدود المعاناة والقهر والدول الأعجمية المتآمرة على سورية وشعبها المكلوم، وفق جماليات رؤاه السياسية وابتكاراته. وتُساهم بشكل أو بآخر في تأسيس رؤية واقعية لما جرى ويجري في سورية من أحداث، وما زالت رسومه الكاريكاتيرية سيدة المواقف لديه وأكثر قابلية وتعبيرًا عن أهداف الشعب السوري الثائر على طغمته، وأفضل السبل لتوصيل حقائق المواقف والأمور أمام جماهير الشعب الغاضبة والتعبير عنها، في بساطة التأليف الشكلي والتوليف التقني والمعنوي والرمزي، بلغة سهلة ومفهومة من عامة الشعب وخاصته. وهي أشبه بجرس البشارة والإنذار، بأن يقرع الفنان على صولجان فكرتها معزوفة الأمل، وبلوغ فضاء الحرية والكرامة السورية المشتهاة والمجبولة بأنين الوجع والدموع والدماء ووضوح الرؤى ما بين المتناقضات.
يرنو الفنان موفق قات في أعماله التعبيرية جميعًا وعلى الدوام، إلى تلك المقاربة الوصفية الواقعية للحالة السورية، بكل ما فيها من تجاوزات للنظام بحق قيم الوطن والمواطنة والإنسان، رافضًا من خلال رسومه ولوحاته، ديمومة العبودية والشحن الطائفي والأيديولوجي والتخلف، والتدخلات الخارجية، والثرثرة والمزايدة في المواقف والكلام المجاني بحق الثورة والمناضلين، موقدًا في فضاء الابتكار وجماليات المعنى شمعةَ وعي، ومنارات معرفةٍ تُنير دروب الشعب السوري وتحدد بوصلته، وتوضح مطالبه في الحرية والكرامة، وسط ظلامية الطغاة وسوء أفعالهم التي حاقت بالشعب السوري، منذ أكثر من أربعة عقود من القهر والقتل والقمع والاستبداد.
الشعب والطاغية، هي حكايته المتوالدة بلا توقف، تجوب حدسه وملكة تصوراته الفكرية، تضع يده على الجرح وبيت القصيد، بلا مواربة أو تجاوز، فيسمّي الطاغية “الأسد الصغير”، وهي المفردة الأكثر تداولًا في مبتكراته الرسومية “الكاريكاتيرية”، باعتبارها الشخصية المحورية في ديمومة الاستبداد، لنظام القهر والفساد المتوارث أبًا عن أب وعائلته، وبطانة فاسدة أدمنت سلب سورية والسوريين حقوقهم الطبيعية في الحياة الحرة والكريمة، وتكشف من خلال سرديتها الكاريكاتيرية عشرات المواقف التصويرية المُعبرة في تجلياتها السياسة، حقيقة دوره المدمّر في ضياع سورية والسوريين، وجلب واستحضار جميع الغزاة والقتلة والعابرين، ليجعل سوريةَ مستعمرةً أعجمية متعددة الدول العدوانية من شرق وغرب.
موفق قات: خريج المعهد العالي للسينما – موسكو VGIK، باختصاص فنان في الرسوم المتحركة. عمل رسامًا للكاريكاتير في جريدة “الثورة” السورية، وصحيفة (الدومري)، وللأطفال في مجلة “الطليعي” بدمشق. كما عمل مصممًا ورسامًا لمنشورات منظمة “يونيسف” (كتب ملصقات) بدمشق. رسم وأخرج العديد من أفلام الكرتون، أهمها (حكاية مسمارية) 1991، والفيلم الكرتوني (ألف صورة وصورة) 1995، وذلك بمناسبة مرور مئة عام على اختراع السينما، وغيرها الكثير من الأعمال المميزة. كما حاز على الكثير من الشهادات والجوائز التقديرية، في عدد من المهرجانات العربية والدولية.
عبد الله أبو راشد
[ad_1]
[ad_2]
[sociallocker]
جيرون