أبو حامد وحماره أبو عرقوب



كان لدى أبو حامد، حمارٌ قبرصي، وهو نوع من الحمير، يُعرف بكبر حجمه، ولونه الأبيض، وهو لون نادر من ألوان الحمير، وكان يناديه بـ “أبو عرقوب”.

وكان أبو حامد يدلّل حمارَه أكثر مما يدلّل أولاده، فيكثر له من العليق مع التبن، وفي مساء كل يوم، عندما ينهي عمله من جلب الحطب أو نقل الحبوب من البيدر إلى الدار؛ كان يرفع الجلال عن ظهر حماره، وينشّف له عرقه بقطعة من قماش، ثم يبادر إلى محسّة، فيزيل ما علق بجسمه من أدران، ثم يضع له العليق فوق التبن، بعد أن يكون قد كربله وغربله، ويخلط العليق مع التبن جيدًا. وكان المبدأ الذي ينطلق منه أبو حامد يقول: “اللي بدك منو، بدو منك. والحيوان ربّه صاحبه”.

وعندما يشعر أن حماره قد استقرّت أموره، وأرسل إشارة لأبي حامد بأن الأمور تمام التمام، وأنه أصبح في حالةٍ من الاصطهاج، كان أبو حامد يضع يده على رقبة حماره، ويبدأ بالحديث معه قائلًا:

– اسمع يا “بوعرقوب”، الدنيا اليوم ما فيها أمان، والعصابات المسلّحة في كل مكان. فإذا خطر لك أن تخرج لبعض شأنك؛ فعليك أن تكون صاحيًا. وعيناك عشرة على عشرة. فالحرامية تملأ البلد، يسرقون الولد من حضن أمه، ولا أحد يلتفت، لا شرطة ولا أمن ولا ما يحزنون. لا تظن أنك حمار لا يلتفت إليك أحد. إنّهم يسرقون كل شيء، ولا يعافون شيئًا. حتى الروث الذي تعتقد أن لا قيمة له. ثم إياك أن يغريك أحدُ الحمير للذهاب إلى الحقول المزروعة، فربما كان ذلك حيلة يستدرجونك من أجل أن يوقعوا بك، لا سمَح الله. وكان “بوعرقوب” يتناول طعامه، ويهزّ رأسه، دليلًا على الاستيعاب والموافقة على كل كلمة من كلمات أبي حامد ونصائحه.

ذات ليلة، ذهب أبو حامد إلى الباكية كي يثنّي حماره “يضع له العلف ثانية”. وحينما وصل إلى باب الباكية، سمع حماره يحادث نفسه قائلًا: “فعلًا أنا حمار ابن حمار. لو لم أكن كذلك لما جرى لي ما جرى”. فدخل أبو حامد مقتحمًا خلوة حماره، وسأله:

– خير “بوعرقوب”، أراك لست على بعضك، خير، ما الأمر؟ أكيد أنك لم تعمل بنصائحي. فهزّ الحمار رأسه موافقاً ثم غرزه في المعلف ثانية. قال أبو حامد:

– لا تستح يا بوعرقوب، احكِ. أنا صاحبك وكاتم أسرارك. ما الذي جرى. أخبرني.

رفع بوعرقوب رأسه عن المعلف، وتنهد قائلًا:

– ليتني يا صاحبي عملت بنصيحتك. لكنني حمار ابن حمار، كما تعلم. اليوم اكتشفت كم أنا حمار.

اضطرب أبو حامد، وأخذت أفكاره تذهب به يمينًا وشمالًا. وقال لحماره:

– شغلت بالي يا بوعرقوب. قل لي ما الذي جرى. أنا اليوم لم يكن لديّ، عمل وقد تركتك تأخذ قسطًا من الراحة، ولم تعد إلى البيت إلا عند الغروب. فقال الحمار:

– اليوم؛ بينما أنا بين البيادر أتناول بعض التبن الذي جمعته الرياح جانب الحيطان، وإذ بحمار دار أبي سليم يقبل عليّ:

– ماذا تفعل هنا يا بوعرقوب؟ قلت له:

– كما ترى، أقمقم بعض التبن تفضّل. فقال لي:

– ما رأيك بوجبة خضراء، يا بوعرقوب، تطرّي بها معدتك. قلت له:

– من أين لنا بوجبة خضراء والدنيا خريف كما ترى. فقال:

– أنت تعال معي وسترى. وقادني باتجاه مزارع البطيخ والقثّاء والبندورة.

وبينما نحن في بعض الطريق، إذ بجماعة مسلحين قطعوا علينا الطريق، وساقونا إلى بيت مهجور بين الحقول، فتحوا الباب، وأخرجوا منه بضاعة لم ندرِ ما نوعها، وحمّلوها على ظهورنا، وساروا بنا في طريق لم نعرفها من قبل، وقد أبهظتنا تلك الأحمال، حتى إذا قطعنا مسافة طويلة، وجدنا بانتظارنا رجالًا مسلحين آخرين، ينتظروننا ببضاعة أخرى. فتبادل الرجال بضاعتهم، وعدنا محمّلين ببضاعة أثقل من الأولى، نظنها سلاحًا أو ما شابه. ولم نصل إلى نهاية اليوم حتى كاد التعب يأخذ منا كل مأخذ.

فربّت أبو حامد على رقبة حماره، وقال له: تعيش وتأكل غيرها. أما قلت لك إن الدنيا ليس فيها أمان؟ لا تغضب، لعلك تتعلّم كيف تسمع نصائحي. وما ذهب من مالك ما وعظك.


فوزات رزق


المصدر
جيرون