إجراءات المركزي السوري تعزز السوق السوداء



عندما كانت تتهاوى الليرة السورية، خلال سنوات الموت السبع، كان البنك المركزي السوري يلعب دورًا متواصلًا في منع قواعد المضاربة، لحماية الليرة السورية، وكانت خطاه دائمًا تتحرك لمنع تحسّن قيمة الليرة، في خطى تدميرية للاقتصاد السوري، تشابه قصف البراميل على مناطق الإنتاج.

طوال سنوات “البراميل السبع”، وقفت ضد الليرة السورية ثلاثُ قوى: الأولى محلية، وهي قوة البنك المركزي السوري التي واصلت جهودها، لمنع أي تحسن في قيمة الليرة، وسابقت الزمن في تقويض أسس قوة الليرة السورية لحساب الدولار الأميركي، في خطى معلنة لدفع الاقتصاد نحو الدولرة. والقوة الثانية خارجية، وهي (جبهة النصرة) التي سعت للإطاحة بالمركز المالي لليرة السورية، ومنعت استخدامها، خدمةً للدولار الأميركي بشكل أساسي، ولخدمة لصوص التحويلات إلى الليرة التركية بحلب. والقوة الثالثة كانت قوة “تنظيم الدولة الإسلامية” التي أعلنت عن صكّ عملاتها الذهبية والفضية، ولكنها لم تستطع إدراجها في التعامل اليومي، في مناطق سيطرتها، وانحصر التعامل بعملات الخلافة، في ديوان “الركاز” الذي كان يبيع النفط لأساطيل الشحن لمصافي حمص وبانياس.

بدأ مصرف سورية المركزي، في نهاية تشرين الاول/ أكتوبر الماضي، سلسلة إجراءات، أولها منع السوريين منعًا باتًا من تصريف العملات الأجنبية، سواء كانت حوالة أم نقدًا لأكثر من مرة واحدة في الشهر، ومهما كانت قيمة العملية. وفرض مصرف سورية المركزي على شركات الصرافة تسليم قيمة أي حوالة ترد إلى سورية تساوي أو تقل عن 500 دولار؛ فإن شركات الصرافة ملزمة بتسليم قيمتها للمستفيد بالليرة السورية.

أما الحوالات التي تزيد عن 500 دولار، فيكون التعامل معها وفقًا للخيارات التالية:
أ- تحويل المبلغ بالليرة السورية إلى حساب وديعة للمستفيد، لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر.
ب- تسليم المبلغ بالليرة السورية، شريطة مرور ثلاثة أشهر على قيدها في الحساب الوسيط.

ج- يمكن تحويل المبلغ بالليرة السورية إلى حساب المستفيد، لدى أي مصرف عامل آخر، مع التزام هذا المصرف بأحد الخيارين السابقين.

د- يمكن للمستفيد من أي حوالة -إن رغب في تحريك قيمتها قبل انقضاء فترة ثلاثة أشهر- دفع عمولة تمويل بنسبة عشرة بالمئة.

وهذا يعني أن المصرف المركزي حدّ من تدفق القطع الأجنبي للمواطنين السوريين داخل البلاد، مع بدايات تحسن قيمة الليرة السورية تجاه الدولار الأميركي.

تجيز إجراءات المركزي للمواطن صرف مبلغ 500 دولار مرة واحدة في الشهر، وإذا أراد صرف مبلغٍ يتجاوز 500 دولار؛ فعليه أن يجمد أمواله ثلاثة أشهر قبل أن يستلمها، أو يتخلى عن 10 بالمئة منها، ويستلمها مباشرة، وهذا يضيف أعباء تحويل هي الأعلى في العالم؛ ويدفع بحركة التحويل الخارجي إلى أقنية التحويل السوداء التي تسيطر عليها مافيات مقربة من قادة الأجهزة الأمنية في سورية. ويقدم هذا القرار فرصة إضافية لمافيا الصرافة في سورية، لتأمين قنوات نهب جديدة لتعب وشقاء السوريين في الخارج، خدمة لكيان سياسي يعتاش على نهب الشعب وتدمير فرص نموه، ومن تأثيرات هذا القرار الإضافية، إرباك الشركات الأجنبية العاملة في سورية، على ندرتها الآن، وهي الشركات التي تموّل أجور عامليها من خارج البلاد بالكامل، وعليها التزامات شهرية تحوّلها من الخارج إلى المصارف السورية شهريًا، لتسديد التزاماتها من رواتب وأجور وضرائب.

يضع القرار الجديد المغتربين السوريين الذين يصلون إلى البلد في مأزق الإكراه على تصريف ما يلزمهم من مصاريف، خلال إقامتهم في سورية، حُكمًا في السوق السوداء؛ إذ لم يعد باستطاعتهم تحويل أموالهم بالعملات الأجنبية في المصارف السورية، لأن السقف حدد بـ 500 دولار، وهذا المبلغ لا يكفي نزيلًا في فنادق النجوم الخمسة يومًا واحدًا؛ ما سيدفعهم إلى سوق الصرافة السوداء للحصول على الليرة السورية التي يحتاجون إليها، لتسديد أجور الفنادق ومستلزمات إنفاقهم خلال إقامتهم في سورية.

المصرف المركزي يقدّم -بهذه الخطوة- مواردَ إضافية للسوق السوداء، بدلًا من أن يقوم باستحواذ أكبر كمية ممكنة من الدولارات، قبيل مرحلة التدفق الدولاري مع عمليات إعادة الإعمار، ولكن هذه الخطوة تشي بأن السلطات النقدية السورية أصبحت مقتنعة تمامًا بنفاذ القرار الأميركي بحظر عمليات تمويل إعادة الإعمار في المدن والأراضي المدمرة التي يسيطر عليها الأسد، إلا بعد دخول المرحلة الانتقالية، وعلى هذا الأساس جرى التوسع في عمليات النهب.


مصطفى السيد


المصدر
جيرون