إيران و«القاعدة» و«داعش» في سلّة واحدة



بدا الإعلان عن وثائق أخرى من مخلّفات أسامة بن لادن، زعيم تنظيم «القاعدة»، كأنه استكمال لما نشر سابقاً، بعد درسه وتمحيصه، لكن الجديد أنه يأتي في سياق ذي دلالات راهنة، ففي الوثائق معلومات وإشارات واضحة إلى العلاقة بين طهران و«القاعدة»، وبالتالي فإنها تُوظَّف في استراتيجية المواجهة الأميركية مع إيران وبناء ملف القضية ضدّها وضد الميليشيات التابعة لها ولا سيما «حزب الله». كانت ثمة مآخذ من جانب حلفاء وأصدقاء للولايات المتحدة بأنها أكثرت من الكلام حتى الآن ولم تقم بأي فعل يثبت توجّهها إلى الحدّ من توسّعات النفوذ الإيراني، لكن المؤشّرات تتزايد إلى أنها في مرحلة التمهيد لتطبيق استراتيجيتها تلك، ومن ذلك مثلاً أنها توشك الإعلان عن استراتيجية جديدة في شأن الوضع السوري.
الأهم أن الحديث عن حرب إسرائيلية في سوريا ولبنان لم يعد مقتصراً على الغرف المغلقة، بات متداولاً بشكل عادي. والأرجح أنه كان المحور غير المعلن في محادثات الرئيس الروسي في طهران قبل أيام، إذ تحاول موسكو التخفيف من إحراجات مواجهة لا تريدها ولن تشارك فيها، رغم كل الكلام عن تضامن روسي – إيراني في مواجهة التحديات الأميركية، فالمواجهة بالمفهوم الروسي لا تصل إلى العمل العسكري. ولا شك أن موسكو تعرف الكثير أيضاً عن روابط إيران مع «القاعدة»، واستطراداً مع «طالبان» التي تتشارك الدولتان في دعمها حالياً لمناكفة الوجود الأميركي في أفغانستان. ويختلف الأمر بالنسبة إلى سوريا حيث أقرّ الأميركي بدور محوري ووجود طويل لروسيا فيها، لكن من دون إيران.
لم تكن الولايات المتحدة بحاجة إلى أوراق أبوت أباد لتكتشف العلاقة بين تنظيم «القاعدة» وإيران، فغداة غزو أفغانستان أواخر العام 2001، وقد تخللته تسهيلات إيرانية للعمليات العسكرية الأميركية، بوشرت اتصالات مباشرة عبر الأجهزة وغير مباشرة عبر قنوات متعددة لمطالبة إيران بتسليم قادة من التنظيم لجؤوا إليها، وكان هاجس الأميركيين التأكّد مما إذا كان أسامة بن لادن بينهم. عشية هجمات 11 سبتمبر والغزو الذي تلاها كان الإيرانيون في مواجهة ساخنة مع «طالبان»، التي أصبحت عدوّهم اللدود، تحديداً بعد قتل ثمانية من دبلوماسييها في أفغانستان عام 1997، لذلك التقطوا أولئك «القاعديين» واحتجزوهم أولاً باعتبارهم تابعين لـ«طالبان»، وكذلك للمساومة عليهم، أو احتمال استيعابهم واستخدامهم. لم تكن إدارة جورج بوش الابن في وارد المساومة على مطالب مرتبطة بالعلاقات مع طهران، لذلك بقيت نتيجة الاتصالات محدودة: توفير بعض المعلومات عن «القاعديين»، وبعض التنسيق في العراق في مرحلة لاحقة.
ما يلفت أن الـ«سي. آي. إيه» بدأت تكشف عن مقتطفات من مخلفات بن لادن منذ أواخر 2011، بعد بضعة شهور من اقتحام مكان إقامته وقتله، وحتى أواخر 2016 لم تُخرج أي وثيقة فيها إشارة إلى إيران. كانت تلك الحقبة الأوبامية المشوبة بتغطية متعمّدة على أي معطى استخباري أو عسكري يمكن أن ينطوي على اتهام لطهران، خصوصاً في مسألة الإرهاب. كان جنرالات البنتاغون وحدهم يواظبون على إدانة إيران، لكن الإدارة والبيت الأبيض تمسّكا بموقفهما المتحفّظ انسجاماً مع إرادة الرئيس، وبما أن واشنطن واصلت استراتيجيتها المعادية لتنظيم «القاعدة»، ثم ألحقت به توأمه الأخطر «داعش»، فقد كان الربط بين إيران وهذين التنظيمين يعني بالنسبة إلى الجنرالات أن تشملها الحرب على الإرهاب، لكن قراراً كهذا من اختصاص الرئيس، وأوباما كان مشغولاً وقتها بالحصول على الاتفاق النووي، اعتقاداً أو توهّماً منه بأن هذا الاتفاق سيغيّر سلوك إيران.
ها هي إدارة دونالد ترامب وجهاً لوجه أمام الحقيقة والواقع: إيران و«القاعدة» و«داعش» شيء واحد. كان الأميركيون أغفلوا الخطر الأكبر لدى تخطيطهم لغزو العراق، ولم يعترفوا بوجوده إلا بعدما أصبح «شريكاً» لهم، بل منافساً يسرّب «القاعديين» لمحاربتهم والتعجيل بانسحابهم، ولذلك فإن المواجهة المرتقبة لن تكتمل إلّا إذا شملت العراق. ليست هناك سيناريوهات جاهزة ومعروفة لهذه المواجهة، وهي لن تكون سهلة أو سريعة، وقد تؤدّي إلى فوضى أكبر من تلك التي شهدتها المنطقة حتى الآن. فعدا الميليشيات المذهبية ستوظّف إيران «القاعدة» وفلول «داعش» امتداداً حتى غرب أفريقيا وشمالها بالإضافة إلى جنوب آسيا. يبقى أن كثيراً من المحللين يرون في استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري مؤشّراً أولياً، فهو دخل في تسوية داخلية أدّت إلى انتخاب مرشح «حزب الله» رئيساً للجمهورية، لكن «الحزب» اعتبر ما حصل تسليماً بانتصار المشروع الإيراني وتفويضاً له كي يتصرّف بالدولة اللبنانية كما يشاء.

(*) كاتب لبناني


الاتحاد


المصدر
جيرون