بين الرقة ودير الزور.. مرّت خطوط حمراء عديدة



بعد تصريحات “علي أكبر ولايتي” مستشار الخامنئي بأن الرقة ستكون الوجهة الثانية بعد دير الزور التي سيطرت عليها قوات النظام وميليشيا إيران؛ وصل قاسم سليماني قائد (فيلق القدس) التابع للحرس الثوري الإيراني إلى المدينة، ليعطي ذاك التصريح صفة الجدية.

مدينة الرقة التي سيطرت عليها “قوات سورية الديمقراطية”، قبل نحو أسبوعين، زارها ثامر السبهان وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج برفقة المبعوث الأميركي لدى التحالف بريت ماكغورك، وسرت أنباء -حينذاك- عن استثمارات سعودية، لإعادة البنى التحتية في المدينة.

السبهان من جانبه أطلق تصريحًا، ردّ فيه على تصريح ولايتي، بدعوته إلى تشكيل تحالف دولي ضد “حزب الله” وحلفائه، مرحّبًا بالعقوبات الأميركية الجديدة ضد هذا الحزب، في حين وصل ولايتي، بعد ذلك ببضعة أيام، إلى العاصمة اللبنانية، والتقى رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري الذي كان التقى في وقت سابق الوزير السبهان.

إيران ومنظومتها تجاوزت خطوطًا حمراء إقليمية سعودية ودولية أميركية، ليست بعيدة عن التوافق مع روسيا التي نقلت بعض المصادر أنهما يضغطان باتجاه عدم حدوث معارك، بين قوات النظام وميليشيا إيران وبين (قوات سورية الديمقراطية) التي تسيطر على الرقة، وهو ما يفسر التصريح الذي أطلقه وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون بأن واشنطن تتصدى مع حلفائها العرب للهلال الإيراني في المنطقة، وأن هناك إجماعًا على خطورة النفوذ الإيراني في المنطقة.

إرجاء الحرب بين المسيطرين الجدد على كل من الرقة ودير الزور، أي ” قوات سورية الديمقراطية” وميليشيا إيران، إلى حين انقشاع تطورات الحل الروسي من خلال مؤتمر (سوتشي)، يرجح أن يكون هو الدافع وراء انتقال النار الحامية إلى لبنان التي أعلن رئيس حكومتها سعد الحريري رفْعَ الغطاء الرسمي عن (حزب الله)، من خلال تقديمه استقالته التي هاجم فيها إيران، وتوعد بقطع يدها في المنطقة.

بالمقابل، ردًّا على استقالة الحريري؛ شنّ الأمين العام لـ (حزب الله) حسن نصر الله هجومًا عنيفًا على الوزير السبهان، على خلفية التصريحات النارية التي أطلقها ضد (حزب الله) وإيران، وذلك بعد أن تبنى مجلس الشيوخ الأميركي مشروعَ قانونٍ، حول فرض عقوبات جديدة على (حزب الله)، تشمل تشديدات في ملفات تجميد الأصول، وحجب التعاملات المالية، ومنع إصدار تأشيرات السفر إلى الولايات المتحدة، وملاحقة الأشخاص والكيانات المتعاملة مع (حزب الله).

يعكس هذا التصعيد من الجانبين تطورات على الساحة السورية، وكذلك اللبنانية التي تعد ساحة لـ (حزب الله)، وفي أول ردة فعل من جانب إيران على استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري من رئاسة الحكومة؛ قال مستشار وزير الخارجية الإيراني “حسين شيخ الإسلام”: إن الاستقالة جاءت بترتيب من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وبقرار سعودي واضح لمواجهة (حزب الله). فيما قال الوزير السبهان: إن الحرس الخاص لرئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري كانت لديه “معلومات مؤكدة”، بشأن مؤامرة لاغتياله. وقال في مقابلة مع قناة (المستقبل): كانت هناك تهديدات لرئيس الوزراء، وإن السعودية حريصة على سلامته، وبيّن أن استقالة الحريري أتت من الرياض لأسباب أمنية، مشيرًا إلى أن السعودية تختلف عن الدولة الإرهابية: إيران.

استقالة الحريري مرتبطة بالوضع الإقليمي وبالوضع السوري، وقد تكون مؤشرًا على تطورات، ربما تحمل أبعادًا عسكرية تجاه (حزب الله)، وهو ما يفسر ردة فعل إيران القلقة منها. فالحريري تحدث في خطابه عن أجواء مشابهة للأجواء التي سبقت اغتيال والده رفيق الحريري، عام 2005 من دون أن يتجاهل الإشارة إلى تعرضه لمحاولة اغتيال قبل بضعة أيام في بيروت، في رسالة واضحة إلى (حزب الله) المتهم باغتيال الحريري الأب.

بدَت بيروت، في أحداثها التي بدأت باستقالة الحريري والتطورات المقبلة، خطًا أحمر، بين دير الزور والرقة التي لم تنتقل إليها حالة التصعيد، بقدر ما تمددت باتجاهها، لتكون أشبه بغرفة عمليات لصراعات إقليمية، بين محوري إيران والمملكة العربية السعودية.

في مقابل بيروت، اتخذت إيران من اليمن غرفةَ عمليات لها كردٍّ على موقف السعودية والحريري،  حيث أطلقت صاروخًا باليستيًا من الأراضي اليمنية، من خلال الحوثيين، باتجاه العاصمة الرياض، فيما سارعت كل من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية إلى تحميل إيران مسؤولية إطلاق الصواريخ التي يوجهها الحوثيون باتجاه الأراضي السعودية، وقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب: “إن إيران مذنبة بشن قصف صاروخي من اليمن باتجاه المملكة”، فيما أعلن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أن السعودية تحتفظ بحق الرد، على التصرفات العدائية ضدها من قبل السلطات الإيرانية، مؤكدًا أن بلاده لن تتسامح مع الإرهاب ورعاته.

من الجانب الآخر، ردّ وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مباشرة، وقال: إن الزيارات إلى المملكة التي وصفها بـ (المحاربة) أصبحت خطيرة، بالنسبة إلى سلامة المنطقة؛ حيث أدت زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إليها إلى الاضطهادات في البحرين؛ ثمّ إلى كارثة قطر، فيما أسفرت زيارة مستشار الرئيس الأميركي جارد كوشنير ورئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري عن استقالته في الخارج.

بيروت واليمن بديلان مؤقتان للرقة ودير الزور، وقد يطول بقاؤهما -كغرفتي عمليات- أبعد من موعد القمة التي ستجمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، خلال الأيام القليلة المقبلة في فيتنام، من أجل استئناف العمل -إقليميًا- هذه المرة، ربما على أساس ما توافقت حكومتاهما عليه، منذ إطلاق يد روسيا وصيةً على سورية عام 2013، وهو العام الذي تم فيه عقد صفقة “السلاح الكيماوي” الذي كان خطًا أحمر، كما الخط الفاصل بين مصالح القوى الكبرى، في الرقة ودير الزور.


فؤاد عزام


المصدر
جيرون