صحيفة فزغلياد: إيران اقترحت على روسيا “عزل أميركا”



الصورة: kremlin.ru

 

مقدمة

خلال لقائه بـ فلاديمير بوتين في طهران، دعا القائد الإيراني آية الله علي خامنئي إلى التخلي عن استعمال الدولار، وبالتالي عزل الولايات المتحدة الأميركية. وقد اتفق قادة الدول الثلاثة المجتمعين في طهران على أن المحاولات التي تقوم بها واشنطن لعزل روسيا وإيران، بفرض عقوباتٍ متزامنة عليهما، تؤدي إلى تقاربٍ أوثق بين الدولتين، أكثر مما تجلبه من منافع قد تستفيد منه أذربيجان.

صرح الزعيم الروحي الإيراني آية الله علي خامنئي، في أثناء اجتماعه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في طهران: “باستطاعتنا التصدي للعقوبات، وعزل الولايات المتحدة الأميركية”. وأوضح آية الله أن من الممكن عزل الولايات المتحدة الأميركية، بالتخلي عن استخدام الدولار في معاملاتنا التجارية واستبداله بالعملات الوطنية.

وصف خامنئي الزعيمَ الروسي بذي “الشخصية القوية”، والروس بـ “الناس المثاليين لاتخاذ القرارات والعمل”. وختم زعيم الجمهورية الإسلامية بالقول: “يمكن العمل مع روسيا فيما يتعلق بالأمور الكبيرة التي تتطلب الحزم والإصرار من دولةٍ عظمى، كما يمكن التعاون معها على أُسسٍ منطقية”.

تدل نتائج لقاء بوتين بالرئيس الإيراني حسن روحاني والرئيس الأذري إلهام علييف الذي وصل طهران للانضمام إلى اللقاء، أن فكرة التخلي عن الارتباط بالدولار تنفذ بمعنًى ما. فموسكو، وطهران وباكو تبحث إمكانية الانتقال إلى التسديد بالعملات الوطنية. هذا ما أعلنه الرئيس روحاني في ختام القمة الثلاثية في طهران. كما صرح الرئيس الإيراني: “نحن عازمون على إنشاء ممر جمركي أخضر بين الدول الثلاث، واعتماد معايير جمركية موحدة”. وتقتبس وكالة (تاس) بعضًا مما جاء في كلمة فلاديمير بوتين، خلال المؤتمر الصحفي، الذي عُقد بعد انتهاء القمة الثلاثية: “بحثنا مسائل مهمةٍ في مجال الاستقرار، مكافحة الجريمة، الإرهاب، ولكن المسائل ذات الطبيعة الاقتصادية، كانت بالطبع حجر الزاوية في مباحثاتنا”.

الغاز الروسي إلى إيران عبر أنابيب نقل الغاز الأذربيجانية

أكد بوتين استعداد روسيا لتزويد الشمال الإيراني بالغاز الروسي، عبر شبكة خطوط أنابيب النقل الأذربيجانية. وأوضح الرئيس الروسي أن الدول الثلاث تنتج هذا الوقود بوفرةٍ (بحسب معطيات منظمة أوبك، تحتل روسيا المرتبة الثانية من حيث الإنتاج، تليها إيران في المرتبة الثالثة، بينما تأتي أذربيجان في المرتبة 34). وفي الوقت نفسه، قال بوتين: “من المثير للدهشة أن للدول الثلاث مصلحة بتوريد هذا المنتج لبعضها البعض، لأسبابٍ لوجستيكية داخلية”. وأضاف الرئيس الروسي: “من المعروف جيدًا، أن روسيا وإيران وأذربيجان دولٌ كبيرة، من حيث إنتاج المواد النفطية الخام، ولكن هذا لا يعني أن علينا التنافس فيما بيننا، بل يعني أن علينا تنسيق جهودنا”.

ننبه إلى أن هذا التعاون ملحّ بشكلٍ خاص، إذا أخذنا بالحسبان العقبات التي تعترض مشاريع الغاز الأذرية في أوروبا. فقد وجهت صيف هذا العام مجموعةٌ من المنظمات الدولية النافذة (ومن ضمنها منظمة Greenpeace, Bankwatch Network, Friends of the Earth Europe и Climate Action Network Europe) نداءاتٍ إلى اللجنة الأوربية للخلي عن مشروع لمد خط أنابيبٍ لنقل الغاز من حقول استخراجه في (شاه دينيز) في أذربيجان إلى دول الاتحاد الأوربي عبر البحر الأدرياتيكي.

تجبر العوامل الخارجية روسيا وإيران على التعاون الذي يعود بالفائدة المشتركة. حيث تتعرض الدولتان إلى ضغوطٍ قريبةٍ من بعضها من جانب الغرب. ونذكر أن الولايات المتحدة الأميركية فرضت منذ 31 أكتوبر عقوباتٍ جديدة على إيران، شملت كبريات شركات الطاقة في إيران. وفي الوقت نفسه، صادقت وزارة المالية الأميركية على حظرِ جديد، يمنع الشركات الأميركية من التعاون مع روسيا، بما في ذلك في مجال الطاقة كـ (مشاريع الغاز الصخري، استخراج النفط في القطب الشمالي).

في تعليقٍ له لصحيفة (فزغلياد)، يقول الخبير السياسي المختص بالشؤون الإيرانية، ونائب رئيس جمعية المهاجرين الروس (ممثل أذربيجان) مايس قوربانوف: “الاتفاق الذي تم التوصل إليه من قبل علييف، بوتين وروحاني هو طريقٌ مباشر إلى الخليج (الفارسي). إنه اتفاقٌ مفيد لروسيا وأهميته ليست بأقل بالنسبة إلى إيران وأذربيجان”. تقارُبُ الدولتين، روسيا وإيران، اللتين تمتلكان ما يقارب 50 بالمئة من الاحتياطي العالمي من المواد الكربونية الخام، أمرٌ مهم أيضًا من الناحية الاقتصادية، والجيوسياسية.

حلقة جديدة على مسار “شمال-جنوب”

نوه فلاديمير بوتين بأمرٍ مهم آخر: (مشروع أوراسيا) الممر الدولي “شمال-جنوب”، واصفًا إياه بواحدةٍ “من أقصر وأكثر الطرق احتمالًا لتحقيق مكاسب النقل التجاري، من جنوب آسيا إلى أوروبا”.

وللتوضيح نقول: في عام 2000، تم التوقيع بين حكومات روسيا، إيران والهند على الاتفاق بشأن نقل حاويات شحنات التصدير-الاستيراد. وحتى الوقت الحاضر، اعتبر مشروع “شمال-جنوب” أكثر المسارات فائدةً، مقارنةً بطرق النقل البحري المعتادة عبر قناة السويس (أقله من حيث اختصار المسافة مرتين). والآن، يدعم الرئيس بوتين خططَ طهران لبناء الجزء المتبقي غرب مسار بحر قزوين، الواصلة بين ميناء بيشت الإيراني على بحر قزوين والحدود القديمة بين إيران وأذربيجان.

قال لصحيفة (فزغلياد)، مدير مركز دراسة بلدان الشرق الأوسط وآسيا الوسطى سيمون باغداساروف: إن مثل هذا الممر “سيكون فعالًا للغاية لبلادنا، لأن الكثير من الخدمات اللوجستية ستتم في روسيا الاتحادية. وبأخذ أسواق إيران، باكستان ودول الخليج عمومًا، فإنه سيكون اختراقًا مهمًا. عدا ذلك، يجب ألا ننسى أن الإيرانيين يخططون لمد سكة حديد، عبر الأراضي العراقية والسورية وصولًا إلى البحر المتوسط، الأمر الذي ترفضه (إسرائيل) والولايات المتحدة الأميركية، ونحن يمكننا المساهمة في هذا المشروع.

الضغط في المسألة السورية

بالطبع، لم يكن ممكنًا ألا تكون المسألة السورية إحدى النقاط الجوهرية، في لقاء بوتين مع آية الله خامنئي والرئيس حسن روحاني. وركز الرئيس الروسي على القول: “بفضل جهودنا المشتركة، وكذلك بفضل جهود تركيا، فإن الأحداث تتطور بشكلٍ إيجابي في الأراضي السورية، من جهة الحرب على الإرهاب والعملية التفاوضية التي تجري في أستانا، حيث انتهت للتو جولةٌ جديدة، وتوصلت إلى نتائج إيجابية”.

أما الموقف الإيراني، فقد عبر عنه آية الله في أثناء لقائه ببوتين: “هزيمة التحالف الأميركي، الداعم للإرهابيين في سورية، حقيقةٌ لا يمكن إنكارها”.

إلا أن الولايات المتحدة الأميركية منشغلةٌ بالتخطيط والإعداد للمؤامرات، ولهذا “تحتاج التسوية السلمية إلى استمرار التعاون الوثيق”. ويلاحظ سيمون بوغداساروف: “حقق الإيرانيون نصرًا بينًا في العراق، ولم يسمحوا للأميركيين بإقامة كردستان مستقل. والآن، يريدون تحقيق النصر في سورية”. وأضاف: “إنه الإصرار الإيراني، وهو شعورٌ إمبراطوري بالنسبة إلى إيران، يستحق الثناء، ولكن ما الذي يعنيه لنا؟”.

يرى الخبير أن مسايرة هذا “الإصرار” قد تجر إلى مواجهةٍ مع الولايات المتحدة الأميركية و(إسرائيل). وسيكون هذا في وضعٍ، لم يتحقق النصر في سورية بعد. “سيستمر الصراع لمدةٍ طويلة من الزمن بين مختلف المجموعات واللاعبين الدوليين في سورية”، يلاحظ بوغداساروف.

مثلثان

يقول الخبير السياسي، رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية (روسيا-العالم الإسلامي) شاميل سلطانوف: إن قواعد اللعبة تتغير في الشرق الأوسط. وأشار الخبير، في حديث أمام مؤتمر (محور موسكو-باكو: جيوسياسة جديدة في القوقاز) الذي عُقد مؤخرًا في موسكو، برعاية نادي إيزبورغ، إلى أن دور اللاعبين الإقليميين يتزايد في الشرق الأدنى والأوسط، وخاصة، أن بالإمكان الحديث عن تشكل مثلث جديد تركيا-إيران-قطر. إن تغير الوضع الجيوسياسي ينطوي على عواقب، لا يمكن التنبؤ بها حاليًا، لا في موسكو ولا في واشنطن.

برأي الخبير السياسي سلطانوف، فإن أهمية أذربيجان تتزايد في مثل هذه الظروف؛ فقد تكون “نموذجًا فريدًا لدولةٍ علمانية، تحمل في داخلها تأثير التطرف الديني”، كتهديد حقيقي في الشرق الأوسط، وكتهديد محتملٍ بالنسبة إلى دول وسط آسيا. وبدورها، تأمل أذربيجان أن يتمكن المثلث (روسيا-إيران-تركيا) من لعب دورٍ في إيجاد حل لمشكلة ناغورنو كاراباخ. والخبير على ثقةٍ بأن مجموعة (مينسك) التي تشكلت منذ عام 1992 لحل قضية كاراباخ، قد أصبحت عديمة الفائدة. على كل حالٍ، وبحسب تقييم المراقبين، فإن مثلث (موسكو-طهران-باكو) قد يصبح فعّالًا.

الأمر الملفت للنظر أن القمة الثلاثية، بين إيران وروسيا وأذربيجان، ستُعقد في موسكو، عام 2018، الأمر الذي أعلنه حسن روحاني في ختام المؤتمر الصحفي: “اقترح فلاديمير بوتين عقد القمة التالية في روسيا، ونحن وافقنا”.

 

اسم المقالة الأصلية Иран предложил России «изолировать Америку» الكاتب ألكسي نيتشليف/ نيكيتا كوفالينكو/ ميخائيل موشكين مكان وتاريخ النشر صحيفة فزغلياد. 02.تشرين ثاني 2017 رابط المقالة https://vz.ru/politics/2017/11/2/893540.html ترجمة  سمير رمان

 


سمير رمان


المصدر
جيرون