يني شفق: لا يمكن لدكتاتور أن يأتي عبر الانتخابات



من غير الممكن، لأي نظامٍ يقوم على انتخابات حرة ونزيهة، أن ينتج دكتاتورًا؛ وعليه فإن الدكتاتور لا يأتي عن طريق الانتخاب، ولم نسمع في التاريخ كله بمجيء دكتاتور، عبر الانتخاب. ولكن مهلًا، كأنني، قبل إتمام قراءة الجملة، أسمع البعضَ يقول، بثقة وجزم: هتلر.

إن الزعم بمجيء هتلر على رأس الحكم، عن طريق الانتخابات، هو من أكبر أكاذيب التاريخ القريب. نعم، قدّم هتلر نفسه عام 1932 كمرشح للرئاسة في ألمانيا، إلا أنه انهزم أمام منافسه هيندنبورغ، ففي الانتخابات التي جرت في ذلك العام؛ لم يتمكن الحزب النازي الذي يتزعمه هتلر، من الحصول على الأكثرية التي تؤهله لتشكيل الحكومة، وكما أن هتلر لم يتمكن من تشكيل الحكومة بنفسه، فإنه منع “بابن” من تشكيلها أيضًا؛ فاضطر هيندنبورغ في النهاية إلى تعيينه رئيسا للحكومة، بالرغم من عدم انتخابه وعدم استحقاقه لذلك، وقد عُدّ ذلك أكبر خطأ سياسي في القرن العشرين، إذ إنه كلف العالم أبهظ الأثمان. اتخذ هتلر حادثة حريق الرايخستاغ ذريعة، ليعلن دكتاتوريته، ومن ثمّ لم تعد انتخابات العام 1935 انتخابات حرة ولا نزيهة.

عند الحديث عن “دكتاتور جاء عن طريق الانتخاب”، تستحضر الأذهان انتخابات صدام حسين، وحافظ وبشار الأسد، ومبارك، أو الاستفتاء الدستوري الذي أجراه كنعان إيڤرين. ونردّ: حتى الأطفال يدركون أن انتخاب أي من هؤلاء لم يجرِ ضمن انتخابات حقيقية، بحيث لا يمكن مقارنتها بالانتخابات الحرة النزيهة ذات المشاركة الواسعة، وعلى الأخص في بلد مثل تركيا.

ليس هناك من نموذج لدكتاتور جاء بالانتخاب، أما لدكتاتور غادر بالانتخاب، فيوجد. فقد اضطر عصمت إينونو إلى ترك السلطة ووداع الدكتاتورية، في انتخابات عام 1950؛ ومن هنا بدأ الألم الوراثي لحزب CHP (حزب الشعب الجمهوري)، فمنذ العام 1950 وما بعده لم يكن لهذا الحزب قدرة على تولي السلطة في أي انتخابات، بمفرده؛ ولهذا نجد أنه، بعد كل انتخاب، يعمد إلى اتهام زعيم الحزب الحاكم بـ “الدكتاتورية”. فقد اتهم عدنان مندريس، عام 1952 بأنه دكتاتور من قبل صحيفة (أولوص/ Ulus) التي يملكها نهاد أريم، من حزب CHP (والذي أصبح رئيسًا للوزراء فيما بعد) وهو لم يزل في العام الثاني لحكمه. حتى إن الذين كلفوا بالإعداد لانقلاب السابع والعشرين من أيار، من اليساريين والجمهوريين CHP، ما انفكوا يلوكون هذه الكلمة السحرية: “دكتاتور”، تحت ألسنتهم حتى إنهم كانوا ينادون في مسيراتهم الاحتجاجية شعارات مثل: “أيُعقل هذا.. أيقتل الأخ أخاه.. أيعقل هذا.. فليسقط الدكتاتور.. أتظنون أن الدنيا ستبقى لكم!”. كما أن حزب CHP نفسه لم يتجنب انتقاد الرئيس توركوت أوزال واتهامه بأنه دكتاتور أيضًا.

قيام حزب CHP الذي لم يلق أي ترحيب من الشعب، ولم يستطع الفوز، وهو يدرك أنه لن يستطيع الفوز بأي انتخابات، بإهانته رئيس الدولة واصفًا إياه بـ “الدكتاتور” هي محاولة منه لشرعنة أفعاله القبيحة والتغطية على معارضته الرديئة، ليس إلا.

هنا؛ يتوجب وضع ما أقدم عليه المتحدث باسم حزب CHP وباسم رئيسه بولنت تزجان، بوصف رئيس جمهوريتنا، بشكل مباشر، بأنه “الدكتاتور الفاشي” في موضع آخر. لأن تزجان -بلا ريب- يحاول إرضاء نفسه، معللًا إياها بالآمال (كالهر الذي يتطاول إلى لحم الكبد، فلا يصل إليه؛ فيقول إنه فاسد) أو كالمثل العربي الذي يقول (من لا تبلغْ يده العنب؛ يقلْ إنه حامض)، وبالشكل الذي يتناسب مع تقاليد CHP، ولكن ليس إلى هذا الحد.

عندما كنا صغارًا، كان “مرقصو الدببة” يأتون إلى حيّنا الشعبي، بين الحين والآخر، ويقومون بجمع الكبار والصغار حولهم، بالضرب على الطبول التي في أيديهم، ثم يقومون بإرقاص الدببة، عبر أوامر وإشارات يرسلونها؛ فتبدأ الدببة بالرقص و(بتقليد النساء اللواتي يغمى عليهن في الحمام)، وسط ذهول وحماس واستمتاع الحاضرين. ولكننا أدركنا -بعد أن كبرنا- أن المرقّص كان يقوم بوخز الدب بالعصا المدببة التي في يده، خفية، وأن رقص الدب هو ردة فعل على ذلك الوخز، ليس إلا.

من هنا؛ نجد أن بعض حزبيي CHP، بإهانتهم رئيس جمهوريتنا المنتخب مباشرة من قبل الشعب بانتخابات حرة ونزيهة، لا يتصرفون طبق تقاليد CHP القديمة الموروثة فقط، وإنما يبدون ردات فعل لهذه “الوخزات” في الوقت نفسه أيضًا.

إن العديد من المفاهيم، مثل “دكتاتور” و”فاشي” و”طاغية”، لا ينتجها CHP بنفسه، وإنما هو بذلك يجسد حال من يُملي عليه هذه المفاهيم، وهو بذلك يتحدث باسمه، وعلى رأسهم فتح الله غولن، ومن يسير على نهجه، بمعنى أنه يردد العبارة التي تسند إليه من قبل من يخزه.

فنحن نعلم قصة إخافة الدب الذي يقوم بتمثيل دور الإغماء عبر الوخز بالعصا المدببة، كما نعلم بالاستجابة التي تبديها “كلاب باڤلوڤ” تجاه اللحم أيضًا. لكن ما الذي يجنيه CHP لقاء أن يكون بُوقًا لفتح الله غولن أو للمراكز الدولية الأخرى؟ ما هو عقاب أو ثواب ذلك؟ للإجابة عن هذا السؤال، يكفي أن نسترجع الحركات الانقلابية التي حدثت في تركيا، وما تلاها من ظهور الحكومات الدكتاتورية، بعد ذلك.

نذكّر هنا، بما جرى للدببة! إن الدولة جمعتها كلّها، وأرسلتها إلى محميّات طبيعية، ووضعتها تحت الحماية، لتتمكن من العيش والحياة هناك، وطبّقت بحق مرقّصيها أشدّ العقوبات. نحن نعرف أيضًا كيف أن “كلاب باڤلوڤ” تلقت تدريباتٍ، بفضل استجابتها الشَّرطية للحوم، وقد تمّ ربط القنابل عليها، وأُرسِلت ليتم تفجير دبابات هتلر بها.. انتصر السوفييت في الحرب، لكن لا أحد يذكر -اليومَ- أن كلابًا ماتت، بلا إدراك ووعي، في حرب بشر، لقد تحوّل أولئك إلى روبوتات وعبيد.

لكن علينا ألا ننسى أيضًا أولئك الذين يتكلمون، ولا يعون ما يقولون، من حمير الألغام، والببغاوات الذين فقط يرددون ما يُلقّنون، أو أرانب الحظ التي تنتقي أوراق الحظ وتعطيها للزبون، ليكسب أصحابها النقود.

وهناك أيضًا قولٌ، في “مزرعة” جورج أورويل: كلمة “دكتاتور” لا تكاد تفارق لسان الخنزير؛ لأن في ذهنه أن يصبح دكتاتورًا، لكن -في كل الأحوال- هذه تركيا.. بلد الناس الجيدين.

اسم المقالة الأصلي Seçimle gelen diktatör yoktur الكاتب Aydın ÜNAL، آيدن أونال مكان النشر وتاريخه Yeni Şafak gazetesi 02.11.2017 رابط المقالة http://www.yenisafak.com/yazarlar/aydinunal/secimle-gelen ترجمة علي كمخ


علي كمخ


المصدر
جيرون