لتأمين حد أدنى من الخدمة الطبية.. إجراءات يلجأ لها الأطباء بالغوطة المحاصرة مضطرين



السورية نت - رغداء زيدان

عمليات جراحية عبر "فيس بوك"، خيطان جراحة وقفازات وأنابيب تنفس يُعاد تعقيمها، نصف جرعة دواء وأخرى منتهية الصلاحية، حلول يلجأ إليها أطباء الغوطة الشرقية المحاصرة قرب دمشق لتقديم حد أدنى من الخدمات الطبية.

في غرفة جراحة أرضها متسخة وملأتها الحاجيات والصناديق، يشير الممرض أنس ضاهر (23 عاماً) إلى خيط انتهى الجراح لتوه من استخدامه، ويقول "بعد أن ننتهي من العمل به، نغسله ونعقمه مجدداً".

يخرج الممرض من غرفة العمليات وبدلاً من أن يرمي قفازه المليء بالدم في النفايات كما هو مطلوب بعد كل عملية جراحية، يغسله جيداً بالمياه والصابون ويرميه في سلة حمراء مليئة بالقفازات التي تنتظر تعقيمها لإعادة استخدامها.

في غرفة مجاورة، يعمل ممرضان على تنظيف وتعقيم القفازات، يرشانها بالبودرة ثم يضعانها في برطمان يضيفان إليه الحبوب المعقمة قبل إغلاقه لـ24 ساعة.

ويقول مدير قسم العمليات في مستشفى ريف دمشق التخصصي محمد العمر (32 عاماً): "نحن كفريق طبي في الغوطة الشرقية، نقوم بإجراءات غير مرغوب فيها طبياً وذلك عبر تعقيم غالبية المستهلكات الجراحية من القفازات الجراحية إلى الأنابيب وحتى الشفرات الجراحية والخيطان ولو بمقدار قطبة واحدة أو سنتمتر واحد".

وبحسب القواعد الطبية فإن هذه المواد جميعها مخصصة للاستخدام لمريض واحد.

ووصل الأمر بالأطباء إلى الاكتفاء بإعطاء المريض "نصف الجرعة المفروضة من مواد التخدير، فضلاً عن أنها تكون منتهية الصلاحية".

ونتيجة ذلك كله، اقتصر العمل على العمليات الجراحية الطارئة ووقف الأنواع الأخرى غير العاجلة.

وتعاني الغوطة الشرقية، معقل الفصائل المعارضة قرب دمشق، من حصار خانق منذ العام 2013. ولا تصلها في بعض الأحيان المساعدات الإنسانية لأشهر طويلة ما دعا سكانها إلى ابتكار طرق جديدة لتأمين حاجياتهم.

جراحة عبر "فيس بوك"

في ظل النقص في الكوادر الطبية أصلاً، وانعدام القدرة على تعلم تقنيات جراحية جديدة، لم يجد أطباء في الغوطة الشرقية بدّاً من اللجوء إلى زملاء لهم في الخارج للاستعانة بخبراتهم مباشرة أثناء إجراء العمليات.

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في غرفة عمليات في مستشفى ريف دمشق التخصصي، اجتمع أربعة أطباء من اختصاصات مختلفة لا تشمل جراحة الأطفال حول طفل رضيع يعاني تشوهاً في المريء.

عبر موقع "فيس بوك"، اتصل الأطباء بزميل لهم متخصص في جراحة الأطفال لمساعدتهم في اتمام عملية يجرونها للمرة الأولى.

يضع الطبيب حسام عدنان (44 عاماً) سماعتين في أذنيه يصلهما بهاتف جوال يحمله ممرض إلى جانبه. يبلغ زميله من الجانب الآخر بما يرى أمامه وينتظر منه الإرشادات.

ويقول عدنان "في الأحوال العادية، يتم تحويل عملية كهذه إلى دمشق، ولكن بسبب الحصار اضطررنا للقيام بها (...) بالتواصل عبر الإنترنت مع جراح أطفال خارج سوريا".

لم تكن العملية سهلة على الإطلاق. ويروي عدنان "تباطأ القلب للحظات، شعرنا بأن قلوبنا توقفت معه. قمنا بإنعاشه، عاد لينبض مجدداً وعادت البسمة للوجوه".

انتهت العملية بنجاح، إلا أن الطفل لم يتحمل مضاعفاتها لاحقاً نتيجة النقص في التغذية والأدوية الضرورية، فتوفي بعد 48 ساعة.

لا نغطي شيئاً

في قبو صغير تفوح منه رائحة عطرة وتنتشر على جدرانه الأسلكة الكهربائية في مدينة دوما، ينهمك عمال في مؤسسة الشفاء في صنع مواد طبية بسيطة يعوضون بها النقص الكبير في الغوطة الشرقية.

يتفقد أحدهم آلة حديدية كبيرة لخلط دواء ضد القمل، ويركب آخر خيطاناً بيضاء على آلة لصنع شاش الجراحة.

وفي غرفة قريبة تعبئ فتيات يرتدين مراييل زرقاء ويغطين وجوههن بأقنعة طبية مسحوقاً مضاداً للقمل في زجاجات صغيرة بنية.

ويقول عمار عبدو (30 عاماً)، الصيدلاني في مؤسسة شفاء، "ظهرت فكرة المشروع بعد الحصار الخانق على الغوطة الشرقية. نقوم بتصنيع سيرومات (مساحيق) غسل للجروح بسبب ندرة السيروم النظامي، كما نصنع مسحوقاً للقمل وكريمات أخرى للتقرحات الجلدية والجرب".

وتكتفي المؤسسة بآلة صغيرة لصنع الشاش لا تنتج سوى ثمانية كيلوغرامات يومياً، ولا تغطي سوى جزءاً محدوداً جداً من احتياجات الغوطة.

ويضيف عبدو: "لا نغطي شيئاً تقريباً ولكن نحاول قدر الإمكان (...) نوع من بديل في الوضع الذي نحن فيه".

ورغم كون الغوطة الشرقية إحدى أربع مناطق يشملها اتفاق خفض التوتر لكن دخول المساعدات لا يزال خجولاً، ما يفاقم معاناة المدنيين.

وتصاعدت أخيراً أصوات منددة بالحصار بعد وفاة طفلين نتيجة مضاعفات سوء التغذية.

ونتيجة النقص في المواد الغذائية المخصصة للأطفال، لم يجد أهل الغوطة أمامهم سوى ابتكار مكملات غذائية خاصة بهم من الأرز والقمح وحتى الشعير في بعض الأحيان.

وفي أحد مراكز الإغاثة في دوما، ينهمك عمال في تعبئة أكياس نايلون بالنشاء وقليل من السكر، فيما ينتظر آباء وأمهات في الخارج للحصول على هذه المكملات الغذائية.

في منزلها المتواضع الخالي من الأثاث في دوما، تضع سوزان (30 عاماً) بودرة الأرز مع قليل من المياه فوق أداة صغيرة لإشعال الفحم لتطعم طفلتها ابنة الأشهر التسعة.

وتقول سوزان: "هذا الأرز لا يكفيها شهراً (...) غالبية الأوقات أطعمها اللبن فقط".

اقرأ أيضا: بعد البحرين والسعودية.. دولة خليجية ثالثة تدعو مواطنيها إلى مغادرة لبنان فوراً




المصدر