نيو يورك تايمز: ماذا بعد داعش، ما الخطوة التالية؟



إن القتال من أجل تحرير الرقة، في سورية، آخر معاقل (داعش)، ترك المدينة مثل كثير من مدن سورية والعراق، مدمرة. تصوير: ديليل سليمان/ وكالة الصحافة الفرنسية – صور جيتي

أضعف تحرير مدينة الرقة: معقل “الدولة الإسلامية” (داعش) الأخير، الجماعةَ بشدةٍ، كتهديدٍ عسكري. ومع هروب أعضائها من ساحة المعركة، وذوبانهم بين السكان المحليين، أو التسلل إلى دولٍ في أوروبا وأفريقيا، وبقية دول العالم؛ فإنهم يتركون وراءهم الخراب والدمار، ومن شبه المستحيل أنْ يتحدّوا الولايات المتحدة من جديد.

على مدى أربع سنواتٍ مروعة، ابتلع تنظيم “الدولة الإسلامية” في العراق والشام مناطقَ واسعة من العراق وسورية، وسيطر على حقول النفط، واستخدم قطع الرؤوس، والاغتصاب، وغيره من أشكال القسوة لإرهاب السكان. الآن، سمح تدهور الجماعة لإيران وروسيا وغيرهم، بالتدافع من أجل الاستفادة.

إنَّ التحالف المناهض لـ (داعش) يتكسر، ويُعيد إحياء الانقسامات، ويهيئ الظروف التي يمكن أنْ تسمح للمتطرفين بإعادة التجمع. ويبدو أن القادة الأميركيين ليس لديهم خطة واضحة لإدارة عدم الاستقرار هذا، أو للاستفادة من نجاحهم العسكري.

أحد المخاوف الكبرى هو منطقة كردستان شبه المستقلة التي كانت حتى وقتٍ قريب مصدر دعمٍ للعراق. اليوم، إنَّ مستقبلها، ومستقبل عراقٍ موحد، هما موضع شك؛ وذلك بسبب استفتاء الاستقلال الذي مررّه بالقوة مسعود البارزاني، الذي كان وقتها الزعيم الكردي، على الرغم من تحذيرات الحكومة المركزية العراقية، وتركيا، وإيران، والولايات المتحدة -الحليف الرئيس للأكراد- من أنَّ التصويت قد يؤدي إلى تفكيك العراق، ويقوّض معركة مكافحة (داعش)، ويوسّع الانقسامات حتى بين الفصائل الكردية.

منذ الاستفتاء الذي نال تأييدًا ساحقًا من الناخبين، سيطرت القوات العراقية على كركوك، وهي مدينةٌ عراقية غنية بالنفط، كانت قد استولت عليها ميليشيات كردية عام 2014 حيث استغل السيد برزاني تهديد (داعش) في ذلك الوقت. العراق -كما تفيد الأنباء- يتحرك للسيطرة على معابر كردستان الحدودية مع كلٍّ من سورية، وتركيا من القوات الكردية المسلحة، والمدربّة من قبل واشنطن، وقد اضطر السيد بارزاني إلى التنازل عن السلطة.

وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون زار بغداد، الشهر الماضي؛ لحثّ الأكراد -وهم أعداء تنظيم (داعش) الأكثرُ قدرةً على مواجهته- والحكومةِ المركزية على تسوية خلافاتهم. وبعد ذلك، أعلن الأكراد عن خططٍ لوقف حملة الاستقلال، والدخول في المحادثات. إنَّ تهدئة التوترات بين العراق، والأكراد، وحل المظالم المزمنة، مثل إيجاد صيغةٍ عادلة لتقاسم الأرباح النفطية، مع الحفاظ على مكانة كردستان، كمنطقةٍ شبه مستقلة، يجب أنْ يكون أولويةً أميركية. كل هذه الخطوات ضروريةٌ للاستقرار الإقليمي.

في الوقت نفسه، وسَّعتْ إيران وروسيا كلتاهما نفوذَهما الإقليمي. في كلا البلدين: العراق وإيران، هناك أغلبية شيعية، وبعد أنْ أطاح الأميركيون صدام حسين الذي حكمت الأقلية السنية في العراق في عهده؛ أقامت إيران علاقاتٍ وثيقة مع جارتها العراق، وتمارس الآن نفوذًا هناك من خلال تدريب وتسليح الميليشيات المتحالفة مع الحكومة في مقاتلة (داعش). في سورية، وفرّت إيران أيضًا قواتٍ وأسلحة، بالتوازي مع المقاتلات الحربية الروسية؛ ساهمت في إبقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة، وساعدت إلى حدّ ما، في دفع هدف طهران، بإقامة ممرٍ يربطها بحلفائها “حزب الله” اللبناني، ودمشق.

في الواقع، القوات السورية في سباقٍ ضد الولايات المتحدة وحلفائها، للسيطرة على جيوب (داعش) المتبقية لتعزيز دورهم في المفاوضات، حول تسويةٍ سياسية سورية في المستقبل.

عندما ينتهي القتال، لا توجد وسيلة عملية سوى الحرب، لإجبار روسيا وإيران على مغادرة سورية تمامًا. ولكن يجب على الولايات المتحدة أنْ تستكشف سبل التفاوض، بشأن حدود أدوار البلدين في سورية ما بعد الحرب.

ثمة تحدٍّ كبير آخر، وهو تحدٍ قديم: إقناع الحكومة العراقية التي يقودها الشيعة، بإدماج الأقلية السنية في بنية الحكم، بحيث يكون للسنّة مصلحة في مستقبل البلاد. إنَّ سوء المعاملة المزمن للسنة قدَّم لـ (داعش)، وهي جماعةٌ سنية، أرضيةً خصبة للتجنيد.

بالنظر إلى رؤية السيد ترامب الأميركية الأولى، ليس من الواضح كيف سيستجيب السيد ترامب لهذه التحديات المعقدة. إنَّ تفانيه في بناء الأمة، بما ينطوي عليه من التزامٍ طويل الأجل، أمرٌ مفهوم. لقد حاولت الولايات المتحدة بناء الدولة-الأمة في العراق، وأفغانستان وأماكن أخرى، من دون أن تحقق نجاحًا يُذكر، ولا ينبغي أنْ تتحملَ العبء الرئيس الآن، لكن ترك العراق وسورية، من دون خطة تعافٍ تشمل إعادة الإعمار والأمن، وتحسين الحكم؛ سيهيئ الظروف لعودة (داعش).

ستكون هذه الأوضاع أسوأ؛ إذا لم يكفلْ الحل السياسي للحرب الأهلية في سورية رحيل الأسد في نهاية المطاف. هذه هي النتيجة التي حاولت روسيا، وأميركا أنْ تنسق في سبيلها سابقًا، وينبغي عليهما أنْ يحاولا من جديد. يجب على روسيا، وإيران، الحلفاء المؤيدين للأسد الذين ألحقوا الكثير من الدمار بسورية، أنْ يتحملوا مسؤوليةً كبيرة في إعادة البناء. وهناك حاجةٌ أيضًا إلى شركاء آخرين، مثل الاتحاد الأوروبي.

بعد أنْ أُهلكت (داعش)؛ يجب على الولايات المتحدة، وشركائها في الحملة المناهضة لـ (داعش)، أن يلتفتوا نحو إيجادِ المسلحين والحد من حركتهم، وهم الذين تفرقوا عن خلافتهم الفاشلة، وإقناعِ غالبية السكان الشباب في الشرق الأوسط، بأنَّ المستقبل ليس مع المتطرفين، ولكن مع الناس الذين حررّوهم كي يحلموا، ويحققوا ما حلموا به.

اسم المقالة الأصلي After ISIS, What Comes Next? الكاتب هيئة التحرير، THE EDITORIAL BOARD مكان النشر وتاريخه نيو يورك تايمز، 2017/The New York Times، 04/11 رابط المقالة https://www.nytimes.com/2017/11/04/opinion/sunday/after-isis-syria-iraq.html?rref=collection%2Fsectioncollection%2Fopinion-editorials&_r=0 عدد الكلمات 745 ترجمة أحمد عيشة


أحمد عيشة


المصدر
جيرون