الأطفال الأيتام والمنفصلون عن أسرهم نتيجة الحرب في سورية



تقدّر هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات عددَ الأيتام في العالم، بنحو 165 مليون يتيم، معظمهم أصبحوا أيتامًا، بسبب الحروب والمجاعات والفقر والكوارث الطبيعية[1]. خلال الهروب من مناطق النزاعات، كثيرًا ما تتعرّض العائلات وأطفالها إلى أخطار مضاعَفة، حيث التهديد من جرّاء الهجمات والقصف والألغام الأرضية. وتحت وطأة هذه الظروف كثيرًا ما يصبح الأهالي والأطفال معرّضين للإصابة بالأمراض بل الوفاة، وكثير من الأطفال يتشردون ويُتركون وحدهم لمواجهة أزمة النزوح واللجوء.

أوضحت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، في بحثٍ أجرته بالتعاون مع عدد من منظمات المجتمع المدني حول العالم أن “هناك أكثر من 140 [2]مليون طفل يتيم في العالم، فقدوا عائلاتهم بسبب الحروب أو الكوارث الطبيعية، ففي كل يوم، يتحول نحو 10 آلاف طفل إلى أيتام بسبب الحروب، والنزاعات، والأوبئة، والمجاعات، وعدد من الأسباب المشابهة، وأضافت (يونيسف) أن عدد الأطفال الذين فقدوا أحد والديهم أو كليهما يصل إلى نحو 5 ملايين في العراق، ومليونين في أفغانستان، ومليون في سورية”[3].

كما أوضح بحثٌ، أجرته منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، أن نحو مليون طفل سوري فقدوا أحد والديهم أو كليهما. والرقم ارتفع إلى نحو 200 ألف يتيم، مقارنة بإحصائية أجريت عام 2015. وبحسب البحوث العلمية والدراسات الحديثة، فإن هذه الكارثة تعد أكبر من الأزمة السورية ذاتها. حيث ذكر التقرير: “بعد ستة سنوات من الصراع والاضطرابات؛ فإن سورية تعد الآن أحد أخطر المناطق في العالم بالنسبة إلى الأطفال”. وأضاف التقرير أن “آلاف الأطفال فقدوا حياتهم، وأطرافهم، وأشقاءهم وشقيقاتهم وأصدقاءهم، ومن يقدمون لهم الرعاية ومنازلهم واستقرارهم، إلى جانب كل أوجه طفولتهم بالفعل”. فعدد الأطفال الذين أثرت عليهم الحرب الأهلية في سورية زاد أكثر من ضعفين خلال العام الماضي، مع تقطع السبل بمئات الآلاف من السوريين الصغار في المناطق المحاصرة”.

سبق أن قدّرت إحصائية، تعود إلى آب/ أغسطس الماضي، عددَ الأيتام السوريين بنحو 800 ألف، موزعين على المحافظات السورية ودول اللجوء المجاورة، فيما يؤكد رئيس قسم الإعلام في اتحاد منظمات المجتمع المدني السوري، أن عدد الأيتام السوريين المسجلين في دور الرعاية يبلغ 475 ألف يتيم، يحظى القليل جدًا منهم برعاية متكاملة. وحسب تقديرات الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن الثورة السورية قد تسببت بفقدان 82 ألف أسرة لرجالها المعيلين، كما فقدت 2300 أسرة أمهاتها. في حين أشارت (يونيسف) إلى نزوح نحو 8 آلاف طفل، وحيدين، من دون مرافقين من أسرهم، من أصل مليون طفل قد نزحوا إلى دول الجوار، وتبذل الجمعيات الخيرية والمنظمات الإغاثية جهودًا جبارة لرعاية الأيتام في سورية.[4]  وكما أكدت الإحصاءات أن نحو 90 بالمئة من الأطفال الأيتام السوريين غير مكفولين، بحسب اتحاد رعاية الأيتام الذي أقام ملتقاه الأول في إسطنبول في 25 أيار 2016، بمشاركة 23 منظمة تعنى برعاية الأطفال الأيتام السوريين، ذكر فيه أن عدد الأطفال الذين تمت كفالتهم لا يتجاوز 25000 طفل.

يدفع آلاف اليتامى السوريين فاتورة الحروب والمواجهات المسلحة المستمرة في سورية مرتين، مرة عندما يفقدون آباءهم، ومرة أخرى عندما لا تستطيع المؤسسات الحكومية والأهلية المتخصصة استيعابهم؛ الأمر الذي يجعل معاناة اليتيم لا تتوقف عند فقدان الأب أو الأم، وإنما تمتد طوال الحياة.

ويجمع الخبراء الاجتماعيون والمهتمون بشؤون الطفل أن لا حلّ يمكن أن ينهي الجريمة المستمرة في حق الأطفال السوريين سوى إنهاء الأزمة السورية، وهو ما يتباطأ المجتمع الدولي بالقيام به مقابل مصالحه ومشاريعه.

الأطفال غير المصحوبين والمنفصلين عن ذويهم

بسبب الحرب والأزمة في البلاد، فإن العديد من الأطفال السوريين ليسوا بصحبة أسرهم، إما بسبب اعتقال أحد الوالدين أو بسبب الطلاق أو إعادة زواج الوالدين أو تشرد الطفل، خلال اللجوء وفقدانه عائلته. وقد اضطرت العديد من الأسر إلى الهروب من منازلها بشكل متكرر، لفترات زمنية متفاوتة. وفي الواقع فرت بعض الأسر في سورية ما يصل إلى 25 مرة بسبب الوضع الأمني والعسكري والبحث عن الأمان والخدمات؛ ما جعل هذه الأسر معرضة لخطر الانفصال عن بعضها. وكانت أكثر أسباب انفصال الأطفال عن أسرهم وبقائهم من دون رعاية أسرية هي: (1) وفاة أحد الوالدين (2) الطلاق (3) الفقر والأسباب الاقتصادية (4) تجنيد الأطفال الإجباري (5) زواج الطفلة (6) اللجوء إلى أماكن أكثر أمنًا (7) اختطاف الطفل (8) اختفاء الطفل وضياعه (9) العنف الأسري وهروب الطفل (10) عدم التماسك العائلي وتشتت الأسرة (11) اعتقال الطفل. ويبين الشكل التالي النسب، وفق إحصاءات الأمم المتحدة.

وقد ظهرت مشكلة الأطفال اللاجئين بمفردهم، والمنفصلين عن أسرهم، كواحدة من أكبر القضايا الاجتماعية في أزمة اللاجئين، وهذه بعض المعلومات الصادرة عن أوضاعهم:

في تركيا: بحسب إحصاءات منظمة الإغاثة الإنسانية IHH Humanitarian Relief Foundation التركية، عدد الأيتام تعدى نصف مليون يتيم في تركيا، ممن يحاولون مساعدتهم داخل المنظمة فقط. ويقول[5] مسؤول الإعلام في المنظمة: “رصدت المنظمة العديد من الانتهاكات بحق الأطفال الأيتام، منها العمل رغم صغر السن، فهناك أطفال لا يتعدون العاشرة، يعملون في مهنٍ خطرةٍ منها صناعة الأسلحة، إضافة إلى الحرمان من التعليم”. ويضيف: “كما أن هناك أخبارًا ترد إلى المنظمة عن تبني أطفال سوريين وإرسالهم إلى أوروبا”. ويختم عن حالة الأطفال الصحية: “الطفل أكثر من يتعب في ظروف التهجير، فكيف إذا كان يتيمًا! إن عددًا كبيرًا من الأطفال لديهم مشكلات نفسية، كالتبول اللاإرادي والأرق والاستيقاظ المفاجئ، وقلة التغذية والعصبية، وبعض الأمراض السارية كاللشمانيا”.

في بريطانيا: اختفى المئات من الأطفال اللاجئين الذين وصلوا إلى الأراضي البريطانية، من دون مرافقة شخص بالغ، وفق ما أفادت صحيفة (إندبندنت)[6] نقلًا عن وزارة الداخلية. وذكرت الصحيفة أن السلطات لا تعرف مكان وجود ما مجموعه 360 طفلًا لاجئًا، ونوهت بأنه لا يوجد اتصال مع أكثر من 200 من الأطفال اللاجئين، منذ أكثر من عامين.  وأعربت الداخلية البريطانية عن مخاوفها من أن يكون هؤلاء القاصرون قد وقعوا ضحايا لتجار الرقيق أو يتعرضون للعنف، وقد يكون من بين أسباب اختفاء الأطفال المذكورين إصابتهم بهزات وصدمات نفسية وفقدانهم للثقة في السلطات، وكذلك الخوف من الترحيل. تجدر الإشارة إلى أن عدد الأطفال الذين تسللوا إلى بريطانيا، على مدى السنوات الخمس الماضية، من دون الآباء أو الأوصياء، بلغ 9287. وتم وضع معظمهم في دور الأيتام أو مع عائلات لتقوم بتربيتهم.

في ألمانيا: كشفت بيانات المكتب الاتحادي لمكافحة الجريمة في ألمانيا[7]، أن نحو 9 آلاف، من الأطفال اللاجئين القادمين إلى ألمانيا من أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى، اختفوا دون أثر منذ بداية العام. وذكرت صحيفة (نوين أوسنابريكه تسايتونغ)، نقلًا عن المكتب الاتحادي لمكافحة الجريمة، أن عدد الأطفال واليافعين اللاجئين المفقودين وصل إلى 8991 من القاصرين، من دون عائل منذ بداية العام إلى تموز/ يوليو الماضي، في الوقت الذي لم يتجاوز فيه هذا الرقم 4749 بداية العام. وأضافت وسائل الإعلام أن الآلاف من الأطفال القصّر الذين هم دون سن الـ 14 سنة قدموا إلى ألمانيا بقصد اللجوء والإقامة، ولم يكونوا مصحوبين بذويهم أو خاضعين لإشراف شخص بالغ.

في إيطاليا: في تصريحات صحافية، قال رئيس وكالة الشرطة الأوروبية برايان دونالد: إن هناك خمسة آلاف طفل مفقود في إيطاليا وحدها، محذرًا من أن البنية التحتية الإجرامية الأوروبية بدأت تستهدف اللاجئين الآن. وأضاف “ليس مستبعدًا أننا نبحث عن أكثر من 10 آلاف طفل، وليسوا جميعهم مستغلين إجراميًا، بل يمكن أن يكون بعضهم لدى أقربائه، لكننا فقط لا نعلم أين هم، وما الذي يفعلونه، ومع من”. وتابع: “سواء كانوا مسجلين أم لا، فنحن نتحدث عن 270 ألف طفل، معظمهم بلا مرافق”.[8]

في السويد: كشف المسؤولون في مدينة تريلبورغ، جنوب السويد، عن فقدان 1000 طفل نبهت السويد، في تقرير منفصل إلى أن العديد من اللاجئين الذين قدموا من غير مرافق اختفوا، وهناك القليل من المعلومات حولهم.

منظـمة إنــقــاذ الطفولة: قدرت منظمة (إنقاذ الطــفـــولة) الدولـــيـــة عدد الأطفال الذين دخلوا أوروبا من دون مرافقين بـ 26 ألف طفل، بينما قدرت الشرطة الأوروبية (اليوروبول) التي تملك 900 محلل وضابط استخبارات، أن 27 في المئة من المليون لاجئ في أوروبا العام الماضي، كانوا أحداثًا.[9]

اليوم العالمي لأيتام الحروب

اهتمت دول العالم والأمم المتحدة بأيتام الحروب، وبخاصة اللاجئون والمهجرون والمفقودون، وقد تم تخصيص يومٍ باسم “اليوم العالمي لأيتام الحروب”، في السادس من كانون الثاني/ يناير من كل عام. ويعود الإعلان عن اليوم العالمي لأيتام الحروب، إلى المنظمة الفرنسية (نجدة الأطفال المحرومين) SOS enfant en detresse، وهي منظمة إنسانية غير حكومية تهتم بأحوال الأطفال، خاصة أولئك الذين يحتاجون إلى الحماية من جميع أشكال الإساءة، ومقرها الرئيسي في فرنسا.

ولكن هل يكفي يوم واحد لتسليط الضوء على هذه المشكلة؟

بينما يولي العالم المتحضر تربية الأطفال وعنايتهم أولويةً اجتماعية وسياسية وحتى اقتصادية، فإن الأطفال في دول الحروب بين قتيل ومشرد ومتسرب من مقاعد الدراسة، ليتحول الطفل إلى ضحية هذه الحرب.

مليون طفل سوري من الأيتام والمنفصلين عن أسرهم نتيجة الحرب السورية، ما هو مصيرهم وكيف سيتم التعامل مع هذا الملف الإنساني الصعب؟ كيف ستتم حمياتهم من الاستغلال، ومن الاتجار بالبشر، ومن تجار الأعضاء البشرية، وأسوأ أشكال عمل الأطفال والتجنيد الإجباري؟

أسئلة كثيرة لا نملك الإجابة عليها، مع استمرار الحرب والانتهاكات الممارسة بحق أطفال سورية. من المفترض أن تكون الإجابة عن هذا السؤال عند منظمة الأمم المتحدة، وبشكل خاص منظمة الأمم المتحدة للطفولة، المسؤولة عن حماية الأطفال. لكن -للأسف- بالرغم من كل الجهود، لم تستطع هذه المنظمات حماية أطفالنا.

من الصعب تقديم مقترحات كافية ووافية لحل أو علاج مشكلة متعددة الأسباب والمظاهر، ويرتبط حلها بحل الأزمة السورية أساسًا، وتحتاج إلى تضافر جهود حثيثة من قبل جهات مختلفة رسمية وغير رسمية، إلا أننا نعتقد أن وضع رؤيا واضحة لمساعدة الأطفال السوريين، تنسب إليها خطة استراتيجية يشارك في بنائها الأطراف المساهمة، مستندة إلى مبادئ اتفاقية حقوق الطفل، سوف يساهم في حماية أطفالنا. على الجهات المختصة بحماية الأطفال حشد التمويل وتطوير استراتيجيات لتوفير الحماية والرعاية والدعم للأطفال اليتامى والمنفصلين عن أسرهم، وتوفير مراكز الإيواء المجتمعية والرعاية الأسرية، والرعاية الذاتية.

وبينما ننتظر أن تنتهي هذه الحرب المدمرة، تقع علينا مسؤولية اجتماعية. إنها مسؤوليه كافة منظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية، وخاصة الجمعيات الأهلية العاملة في مجال رعاية الأيتام، فعليها مضاعفة جهودها لتلبية الاحتياجات المتزايدة، كما عليها الابتكار في تطوير خدمات وأفكار جديدة، توفر الرعاية الأسرية للطفل في المجتمع، مثل “الرعاية المبنية على المجتمع”، باعتبارها أفضل وسيلة فعالة من حيث التكلفة لرعاية الأيتام.

[1] ttps://www.alaraby.co.uk/society/2015/1/5/اليوم-العالمي-لأيتام-الحروب-وقفة-لمراجعة-الحسابات

[2] a.com.tr/ar/دولي/اليونيسيف-الحروب-والكوارث-الطبيعية-تُيتّم-140-مليون-طفل/790758

[3] اليونيسيف: الحرب يتّمت مليون طفل سوري

ttps://smo-sy.com/اليونيسيف-الحرب-يتّمت-مليون-طفل-سوري/

[4] http://www.akhbaralaan.net/news/arab-world/2014/4/4/syria-revolution-orphanage-children-victims-fighting-war-armed-clashes

[5] ttps://www.alaraby.co.uk/society/2015/1/6/الألم-والخوف-والاستغلال-حكاية-أيتام-سورية

[6] الأطفال المهاجرون ورحلة ضياع الحقوق والاستغلال الجنسي

http://www.alquds.co.uk/?p=617852

[7] آلاف الأطفال النازحين في قبضة عصابات الجريمة المنظمة في أوروبا

http://www.alhayat.com/m/story/17588996#sthash.HFHnE3DW.dpbs

[8] الأطفال المهاجرون ورحلة ضياع الحقوق والاستغلال الجنسي

http://www.alquds.co.uk/?p=617852

[9] http://www.alquds.co.uk/?p=617852


شذى ظافر الجندي


المصدر
جيرون