استراتيجية بوتين في سورية



الرئيس السوري بشار الأسد مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين

في آذار/ مارس من عام 2011، قام 15 طفلًا من قرية سورية، متحمسين من جرّاء الانتفاضات الشعبية التي انتشرت في الشرق الأوسط، آنذاك، بخربشة رسومات على الجدران تدعم الربيع العربي؛ فاعتقلهم قوات الأمن السورية، وعذّبتهم بوحشية.

وقُتل إثر التعذيب واحد منهم، وهو حمزة الخطيب البالغ من العمر 13 ربيعًا؛ واندلعت الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد، وكان رد قوات أمن الرئيس بشار الأسد على الاحتجاجات قتل المئات من المتظاهرين وسجن الكثيرين. اشتد عود المعارضة، وفي تموز/ حزيران، أعلن منشقون عن جيش النظام تشكيل الجيش السوري الحر، وهي جماعة ثائرة، هدفها الإطاحة بالحكومة؛ وهكذا انزلقت سورية إلى حرب أهلية.

اعتبر مجلس الأمن الدولي أن الوضع في سورية ينذر بالخطر، وفي 4 من تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2011، طُرح بيان للتصويت يعرب عن القلق الشديد، معتبرًا أن الحل للأزمة كان (من خلال عملية سياسية شاملة تقودها سورية، بهدف التعامل مع التطلعات والمخاوف المشروعة للشعب). لكن الصين وروسيا اعترضتا على القرار. وكان الموقف الذي تبناه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مبنيًا على اعتقاده بأن الأزمة المتفاقمة في سورية أتاحت له فرصة سياسية كبيرة.

تاريخيًا، لطالما كان التأثير الروسي قويًا في سورية، ويعود إلى فترة الانتداب الفرنسي، قبل أن تُصبح سورية دولة مستقلة وذات سيادة، في نيسان/ أبريل من عام 1946. فقبل شهرين من الاستقلال، تم التوقيع على اتفاق بين سورية والاتحاد السوفيتي يضمن دعم الأخير للاستقلال السوري. ولم يكن من المستغرب بعدئذ، في عام 1971، وبموجب اتفاقية مع الرئيس حافظ الأسد، أن يتم السماح للاتحاد السوفييتي بإنشاء قاعدة بحرية في طرطوس، ولا تزال روسيا تعتبر هذه المنشأة مهمة لمصالحها الوطنية، ولتعميق التعاون. وفي شهر تشرين الأول/ أكتوبر، وقعت سورية والاتحاد السوفيتي على معاهدة صداقة وتعاون تؤمن مشاورات دائمة، وتنسيقًا للمواقف، في حال اندلاع أزمة ما، كما تؤمن التعاون العسكري. ولا تزال هذه المعاهدة سارية المفعول حتى الآن.

هذه هي الخلفية التي اعتمد عليها إعلان بوتين، أوائل عام 2012، عن دعمه القوي للأسد في الصراع الأهلي الذي اندلع لاحقًا في سورية. بعد وقت قصير من بدء تزويد الأسد بكميات كبيرة من الأسلحة الروسية. وفي 20 آب/ أغسطس من عام 2012، كثُرت الشكوك حول نشر نظام الأسد للأسلحة الكيميائية، فصرّح رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما: “لقد كنا في غاية الوضوح بالنسبة إلى نظام الأسد، وإلى أطراف أخرى على الأرض، بأن الخط الأحمر بالنسبة لنا هو أن نرى نشر أو استخدام مجموعة من الأسلحة الكيميائية”. وبعد عام واحد فقط، وفي 21 من آب/ أغسطس من عام 2013، ضُربت ضواحي دمشق، التي كانت تحت سيطرة المعارضة، بصواريخ تحتوي على غاز السارين، وقُدّرت أعداد القتلى بحوالي 1729 شخصًا.

على الرغم من تحذيره الواضح، إلا أن أوباما تردد كثيرًا في ردة فعله. بيد أن بوتين انطلق للعمل، ولوضع نفسه كوسيط نزيه، نجح بوتين في ثني أوباما عن القيام بعملية عسكرية، من خلال إقناعه بأن الأسد وافق على تفكيك ترسانته الكيميائية والتخلص منها، تلك الترسانة التي رفض الأسد الاعتراف بامتلاكها في المقام الأول.

وكما تبين لاحقًا، لم يقم الأسد بشيء من هذا القبيل، وتم الاحتفاظ بالمخزونات الكيميائية، واستمر إنتاج واستخدام غاز الأعصاب. وعلى الرغم من هذا، استخدمت روسيا حق النقض ضد ما لا يقل عن تسعة قرارات لمجلس الأمن، تهدف إلى إدانة سلوك حكومة الأسد في الحرب، وفرض عقوبات عليها أو إحالتها إلى المحكمة الجنائية الدولية. وتُعتبر آخر مرة استخدم فيها بوتين حق النقض بالتحديد أمرًا فاضحًا. ففي نيسان/ أبريل من عام 2017، حدث هجوم بالأسلحة الكيميائية على مدينة خان شيخون، خلّف العشرات من الضحايا والمئات من الجرحى من المدنيين.

كانت الأمم المتحدة قد أعدت في عام 2015 آليتها الاستقصائية المشتركة لتحديد هوية مرتكبي الهجمات الكيميائية على وجه الخصوص، ولتحميل مسؤولية انتهاكات حقوق الإنسان التي لاقت إدانة دولية. وكان من المقرر أن ينتهي تفويض الآلية الاستقصائية المشتركة، والتي كان هدفها تقديم تقرير عن هجوم غاز الأعصاب على خان شيخون، في نهاية شهر تشرين الأول/ أكتوبر، في تشرين الثاني/ نوفمبر. وفي 24 من تشرين الأول/ أكتوبر، عُرض قرار لتمديد تفويض الآلية الاستقصائية المشتركة على مجلس الأمن للتصويت؛ لكن روسيا استخدمت حق النقض مجددًا.

إن لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة والمختصة بالشأن السوري مكلفة بالتحقيق في ادعاءات جرائم الحرب، وقد اتهم محققوها مسبقًا، بشكل رسمي، الحكومةَ السورية باستخدامها غاز السارين في ذلك الهجوم. وأضاف تقريرهم أن ذلك الهجوم كان واحدًا من أصل 20 هجومًا بالأسلحة الكيميائية، قامت بها الحكومة السورية منذ شهر آذار/ مارس من عام 2013. وتعرّض هذا التقرير أيضًا للرفض من الجانب الروسي.

دانت الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أخرى قرارات النقض التي اتخذتها موسكو، في محاولة منها لحماية الجناة من المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان الأكثر جدلًا في الحرب الأهلية السورية المستمرة منذ ستة أعوام. ولكن في عالم الواقعية السياسية للشرق الأوسط لا ينجح شيء إلا الفعل. وعندما أرسل بوتن قواته إلى سورية، في 30 أيلول/ سبتمبر من عام 2015، كان في حسبانه تحقيق هدفين رئيسين: تأسيس روسيا كقوة فاعلة على الصعيدين السياسي والعسكري في المنطقة، وتأمين قبضته على القاعدة البحرية الروسية في طرطوس، وتجديد القاعدة الجوية ومركز جمع المعلومات الاستخباراتية في اللاذقية. وقد تمكن من تحقيق الهدفين كليهما، عندما شن هجمات جوية وصاروخية كثيفة على أعداء الأسد الداخليين بشكل رئيس، أي قوات الثوار تحت قيادة الجيش السوري الحر.

بفضل الدعم المتواصل من روسيا، والذي ترافق مع الجهد العسكري الإيراني الضخم الذي يخدم مصالحه، تمكّن الأسد من النجاح، رغم الصعوبات الكبيرة، في إحكام قبضته على السلطة واستعادة السيطرة على مناطق واسعة من سورية، كانت سابقًا تحت سيطرة “تنظيم الدولة الإسلامية”. وكنتيجة لذلك، تعزز موقفه بشكل كبير في مباحثات مؤتمر جنيف الرامية للسلام مع مختلف فصائل الثوار.

سيضمن استمرار الأسد كرئيس لسورية، ولو كان على المدى القصير، تواجدًا عسكريًا لبوتين، وتوطيدًا لنفوذه السياسي المتزايد في شؤون الشرق الأوسط. كما أنه سيزيد من احتمال تكرار تحالفات الحرب الباردة القديمة، مع تواجد الولايات المتحدة و(إسرائيل) والمملكة العربية السعودية وحلفائها في معسكر من جهة، وروسيا وإيران و(حزب الله) والعالم الإسلامي الشيعي في معسكر من جهة أخرى. ولحسن الحظ أن تلك النتيجة ليست واقعية، لأن علاقات روسيا و(إسرائيل)، وهي مصالح تجارية من الطرفين، وثيقة إلى حد بعيد، وتتمحور، كما البلدين، على ودائع الغاز الطبيعي في المياه الإسرائيلية. وفي هذا يكمن الأمل بالوصول إلى نهاية للمأساة السورية بعيدة عن المواجهة.

اسم المقالة الأصلية Putin’s Syrian Strategy كاتب المقالة Neville Teller نيفيل تيلر مكان وتاريخ النشر Eurasia review

9 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 رابط المقالة http://www.eurasiareview.com/09112017-putins-syrian-strategy-oped/ ترجمة مروان زكريا


مروان زكريا


المصدر
جيرون