الجوع يبعد أطفال الغوطة عن مقاعدهم الدراسية



دخل مشرف المجمع التربوي في الغوطة الشرقية، ذات مرة، إلى أحد الصفوف، فوجد المُعلّمة توبّخ طالبًا في الصف الثاني الابتدائي، بنبرةِ صوت مرتفعة. سألها لِم تفعلينَ ذلك؟ لم تُجِب، فسألَ المُشرف الطالبَ، وقبل أن يجيب، طغى صوت بكاء طالبٍ آخر، يقف قربهما، قائلًا: “أستاذ، لقد سرق مني هذا الطالب (الطالب الذي توبّخه المعلمة) قطعةَ الخبز خاصتي، وشرَع الطفل الأول (السارق) بالبكاء، سأله المشرف لمَ سرقتَ طعام صديقك؛ فقال وهو يبكي: لأني جائع.. لم أتناول أي طعام منذ البارحة، وأخي في المنزل لم يأكل منذ يومين”. بهذه القصة عبّر عدنان السليك، مدير التربية في محافظة ريف دمشق، في الحكومة السورية المؤقتة، عن وضعِ التعليم في الغوطة، مناشدًا العالم أو ما أسماه (العالم الإنساني) الضغطَ على روسيا والنظام؛ لفكّ الحصار عن الغوطة.

قال السليك لـ (جيرون): “انعكستْ ظروف الحصار على الملف التعليمي، في الغوطة بشكل واضح، فبعد أن بدأ العام الدراسي بدايةً مبشرة، بنسبِ التزام عالية من قبِل الطلاب، تراجعت هذه النسب كثيرًا، بسبب الحصار الخانق والقصف الجنوني الذي استهدف المدنيين ومدارس الأطفال. لا شكّ أن الجوع يؤثر على تعليم الطلاب؛ إذ لا يمكنهم التركيز على دروسهم، وهم جياع، كذلك الأمر بالنسبة إلى الطلاب ضعيفي البنية الذين باتت أعراض سوء التغذية تَحول دون وصولهم إلى مدارسهم، فضلًا عن ارتفاع الأسعار وقلة الموارد التي تخصّ التعليم من (لباس، قرطاسية، كتب، وتدفئة)”.

بخصوص المُدرّسين، أكدّ السليك أن أوضاعهم المعاشية والإنسانية سيئة للغاية، وقال في هذا الصدد: “تصل مرتبات المعلمين، في أفضل حالاتها، إلى 100 دولار، وبشكل عام، فهي في حدود الـ 50 دولار، وهذا المبلغ لا يكفي في الغوطة أكثر من 5 أيام، بسبب الغلاء الفاحش”، وناشدَ “المنظمات الدولية التي تدعم التعليم والمعلمين في الغوطة إعادةَ النظر بأوضاعهم، ورفع مرتباتهم، لأنهم أيضًا على حافة الجوع”.

بدوره، قال الناشط عبد المالك عبود، من الغوطة: “يعاني الوضع التعليمي في الغوطة، منذ تحريرها، صعوباتٍ جمّة، ويعمل بشروطٍ سيئة للغاية، لعدة أسباب أهمها: القصف الذي تتعرّض له المنطقة يوميًا، حيث تم توثيق تدمير أكثر 37 مدرسة بقصف الطيران الحربي (الروسي والنظام)، وخروجها عن الخدمة بشكلٍ كامل، إضافة إلى إصابة واستشهاد عشرات الأطفال، وهم داخل مدارسهم، ومع اشتداد الحصار وإغلاق المنافذ إلى الغوطة كليًا؛ تضاعفت المعاناة، وتمثلّت بشكلٍ رئيس بالجوع، وشُحّ المستلزمات الضرورية لسير التعليم من (الوسائل التعليمية، الكتب، وقرطاسية الأطفال)، إذ أصبح تأمين هذه الاحتياجات، بالنسبة إلى الأهالي، ضربًا من الخيال، أضف إلى ذلك فصلَ الشتاء الذي يطرق الأبواب، واستحالة تدفئة المدارس في ظل شُحّ مواد التدفئة، وغلاء أسعارها”.

أضاف: “تبرز مشكلة نقص الغذاء، لدى طلاب المدارس بالمجمل، وبالأخص لدى فئة المرحلة الابتدائية، لأنهم في حالة نموٍّ جسدي وعقلي، ويزيد التعليم من حاجتهم إلى الغذاء المتكامل، نتيجة بذلهم نشاطًا ذهنيًا وجسديًا مضاعفًا”.

أوضحَ عبود أن التعليم في الغوطة، على الرغم من كل ما سبق ذكره من معوّقات وصعوبات، ما يزال قائمًا ومستمرًا، وأضاف في هذا الخصوص: “ما زال لدى الأهالي وأبنائهم من الطلاب، شيءٌ من مقومات الصمود والمثابرة، لأنهم يعتبرون أن تعليمَ أبنائهم سيسهم في مستقبلٍ أفضل لسورية”.

مؤكدًا تقصيرَ المنظمات الإنسانية في دعمها للملف التعليمي في الغوطة، على الرغم من أهميته، وقال في هذا الجانب: “يُعد التعليم مظلومًا في الغوطة، على الرغم من فاعليته، فالدعم لهذا الملف محدود جدًا، وأحيانًا تنطوي عدة أشهر، والمدارس بلا أي دخل، بسبب انقطاع التمويل أو تأخيره عن مديرية التربية”.

يُقدّر عدد المدارس داخل الخدمة في الغوطة بـ 140 مدرسة، إضافة إلى بعض المدارس الخاصة، وبحسب عبود، فقد “ارتفع عدد الأطفال المتسربين عن التعليم، في الآونة الأخيرة، ليصل إلى 8659 طفل من أصل 52 ألف طالب، العدد الكلي لطلاب الغوطة”، فيما نبّه السليك إلى أن “استمرار الحصار، واستهداف المدنيين والمدراس بالقصف، قد يؤدي إلى إيقاف العملية التعليمية في الغوطة بشكل كامل”.


آلاء عوض


المصدر
جيرون