حادثة تحرّش



فَقَد أبو حامد حماره “بوعرقوب”. كان أبو حامد قد عاد من الكرم، ووضع عن الحمار حمل الحطب، وأطلق له الحرية كي يروّح عن نفسه، بعد عناء يوم طويل.

في المساء، لم يعد الحمار “بوعرقوب” إلى البيت، كما هي العادة، وعهده به أن لا يتأخّر عن الرجوع إلى الدار، بعد مغيب الشمس. وها هي الشمس قد غطست وراء التلال الغربية، و”بوعرقوب” لم يأت.

انشغل فكر أبي حامد، وأخذ يضرب أخماسه بأسداسه. أين ذهب “بوعرقوب”، يا ترى؟ وما هو المشروع الذي خطر له حتى يتأخر عن العودة إلى البيت، كل هذا الوقت؟ ولما قطع الأمل من عودته؛ خرج يبحث عنه، ويسأل الصادر والغادي دون أن يقف له على أثر، حتى وصل إلى بيت أبي جميل، لعله يجده هناك، حيث اعتاد “بوعرقوب” أن يأتي إلى هناك، بين فترة وأخرى لعلاقة تربطه بأتان دار أبي جميل. وحين طرق الباب، خرجت أم جميل، ووجهها يكب سمّا. وبادرت أبا حامد قبل أن يسألها:

– يا بو حامد كفّوا شركن عنا. الله يرضى عليك. حمير الناس مش داشرة”؛ فامتقع وجه أبي حامد وال لها:

– له. له. له. خير إن شاء الله، يا أم جميل، عسى أننا لم نفعل ما يستوجب هذا الغضب. قالت:

– شوف بو حامد! اللي عندو حمار يربطو بشاربو. فأجابها:

– نحن أهل يا أم جميل. ما هذا الكلام. فقالت له:

– أنت يا بو حامد، ما خلّيت للأهلية مطرح. كل يوم والثاني جاي الأفندي يهدّ ويرعد، ويفرجينا أخضر وأحمر. فقال لها:

– تقصدين “بوعرقوب”؟ فقالت:

– أي نعم. روح سآل عنه بالمخفر.

………………..

توجّه أبو حامد إلى المخفر مسرعًا، طرق الباب، فاستقبله الشرطي المناوب أبو رياض متثائبًا، وكان قد صحا من النوم لتوّه؛ فعرض عليه أبو حامد مشكلته على الشكل التالي:

” الحمار -أجلّك الله- خرج في غفلة مني. وعلمت أنه موقوف عندكم في المخفر.

تثاءب أبو رياض ثانية، ودعا أبا حامد للجلوس على حافة السرير، وأخرج دفتر الضبوط وفتحه، ثم نظر إلى أبي حامد:

– حماركم موقوف بتهمة التحرش.

ذهل أبو حامد. حتى كلمة التحرش كان يسمعها لأول مرة، فقال:

– كيف يعني تحرش؟ فأجاب أبو رياض:

– لقد ضبط حماركم المحترم، وهو يحوم أمام باكية بيت أبي جميل، فألقت عليه الدورية القبض، بتهمة التحرش بدابة بيت أبي جميل. لقد جاءت أم جميل، وقدمت ادعاء بهذا الخصوص. وفي الحال تشكّلت دورية وضبطت الأفندي بالجرم المشهود؛ فساقته مخفورًا إلى المخفر. فسأل أبو حامد:

– وما العمل كي نطلق سراح الحمار؟ فأجاب أبو رياض:

– والله القضية صعبة، يا أبا حامد. لقد حوّلنا الحمار إلى القضاء.

………………..

ولأن الحمار لا يستطيع أن يمثل أمام القاضي، فقد ناب عنه أبو حامد في المثول، باعتباره صاحبه، والمسؤول عنه. وبعد الاستماع إلى الشهود ودفاع أبي حامد، رفعت الجلسة للمداولة. ثم صدر قرار المحكمة؛ ولأول مرة ليس باسم الشعب العربي السوري، كما هي العادة؛ وذلك لوجود أكثر الشعب السوري خارج البلد. وجاء في خلاصة الحكم:

أولًا: يغرم الحمار “بوعرقوب” بـ 20 ألف ليرة سورية، لقاء مروره أمام باكية المجني عليهم بيت أبي جميل، ويكلف المدعو أبو حامد بالدفع باعتباره مسؤولًا عن حماره.

ثانيًا: يغرم المدعو أبو حامد بمبلغ 25 ألف ليرة سورية، مقابل الحق العام. لعدم ضبط حماره.

ثالثًا: يطلق سراح الحمار، لعدم وجود سجن خاص بالحمير.

قرارًا وجاهيًا قابلًا للطعن بطريق الاستئناف والنقض. صدر وأُفهم علنًا.

خرج أبو حامد من المحكمة، وهو يقول:

– هلق وقفت الشغلة على “بوعرقوب”! يروحوا يشوفوا الدنيا قايمة قاعدة.


فوزات رزق


المصدر
جيرون