التورّط الروسي في الصراع السوري



منذ بداية الثورة السورية، اتخذت روسيا موقفًا عدائيًا من المطالب المشروعة للشعب السوري، وتصرّفت وفقًا لشعار: “سورية الأسد إلى الأبد”، وقد نتج عن ذلك تغطيتها لانتهاج النظام الحل الأمني، وقتله شعبه وتدمير عمرانه، بالبراميل المتفجرة وبصواريخ المدفعية والدبابات، فضلًا عن قيامها بتزويد ترسانته العسكرية بالأسلحة والذخيرة، إضافة إلى حؤولها دون صدور أي قرار عن مجلس الأمن الدولي، يضع حدًا لمجازر النظام، وضمن ذلك مناهضتها لفكرة المناطق الآمنة، أو مناطق الحظر الجوي، كما يأتي في ذلك تمييعها مفاوضات جنيف، ولبيان جنيف 1 (2012)، وفتحها مسارات تفاوضية أخرى، في أستانا، مع محاولة أخرى في حميميم – سوتشي.

لكن عدوان روسيا بوتين المستمر ضد الشعب السوري بلغ أشده مع التدخل العسكري الوحشي، بواسطة سلاح الجو الروسي، منذ أيلول/ سبتمبر 2015، الأمر الذي حال دون سقوط النظام، بل مكّنه من استعادة السيطرة على جزء كبير من الأراضي التي خرجت عن سيطرته.

في الأيام القليلة الماضية، اتخذ العدوان الروسي على الشعب السوري، أشكالًا عديدة، أولها، أن روسيا لم تكتف باستخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي، في شأن يخصّ الصراع السوري (25/ 10)، بل إنها تعمدّت، أيضًا، إعاقة أي قرار يمكن أن يفعّل دور لجنة التحقيق الدولية المشتركة، بين منظمة حظر الأسلحة الكيماوية والأمم المتحدة. وفي ذلك فقد رفضت روسيا التقرير الذي كانت أصدرته اللجنة المذكورة، والذي اتهمت فيه النظام باستخدام السلاح الكيماوي في خان شيخون (نيسان/ أبريل الماضي)؛ ما استدرج ردّة فعل أميركية سريعة ومفاجئة، وقتذاك، تمثلت بضرب مطار “الشعيرات” الذي انطلقت منه الطائرات التي قصفت البلدة المذكورة. ومعلوم أن هذه المرة التاسعة التي تستخدم فيها روسيا حق النقض، منذ بداية الصراع السوري (آذار/ مارس 2011)، وأنها هي التي حالت دون توجيه الولايات المتحدة لضربة عسكرية للنظام، عقابًا له على استخدام السلاح الكيماوي، المحظور دوليًا، في الغوطة (آب/ أغسطس 2013)، وذلك بإقناعها إدارة أوباما المنصرفة، بغض النظر عن ذلك، مقابل تخلّي النظام نهائيًا عن مخزونه من السلاح النووي، ووقف إنتاجه ونقله وتخزينه.

وثانيها، أن روسيا التي تتبجّح دائمًا بأن لا حلّ عسكريًا للصراع السوري هي بالذات باتت بمثابة رأس الحربة في الصراع العسكري، إنْ بقتالها السوريين مباشرة، وتدمير عمرانهم، وارتكاب المجازر الوحشية بحقهم، كما حدث مؤخّرا (13/ 11) في قصفها المدنيين في بلدة الأتارب في ريف حلب الغربي، على سبيل المثال، حيث نتج عن ذلك ضحايا بالعشرات، منهم أطفال ونساء وشيوخ، أو في دعمها وجود قوات الحرس الثوري الإيراني، وميليشيات (حزب الله) ونجباء وفاطميون وزينبيون وكتائب أبو الفضل العباس الإرهابية والإجرامية. ومعلوم أن القصف الجوي الروسي يشمل، أيضًا، القصف بالصواريخ الارتجاجية، التي تحدث أضرارًا كبيرة في المباني والممتلكات. واللافت أن روسيا تقوم بذلك حتى في مناطق تم الاتفاق عليها، في المسار التفاوضي في أستانا، باعتبارها مناطق “خفض تصعيد”، ما يعني أن روسيا ذاتها لا تبالي لأي شيء، في سبيل فرض أجندتها في الصراع السوري، وأن المفاوضات ما هي إلا لعبة علاقات عامة، أو لمجرد التورية.

وثالثها، أن البيان الأميركي-الروسي، الذي صدر بعد لقاء عابر بين الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين، في فيتنام (11/ 11)، ورغم الملاحظات عليه، قامت روسيا بالتنكر له، حتى قبل أن يجفّ حبره، بحجة أن التفسير الأميركي له لا يتوافق مع نص الاتفاق، علمًا أن النقطة الخلافية في هذا الأمر تتعلق برفض وإنهاء وجود أي قوات أجنبية في جنوب غرب سورية. وكانت الولايات المتحدة اعتبرت أن ذلك الأمر يشمل القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها، في حين أن التفسير الروسي لذلك يستثني هذه القوات؛ الأمر الذي يوضح مدى تورط روسيا في حماية النظام، بل وحلفائه، إذ إن إيران كانت رفضت البيان المذكور، وأكدت أن قواتها باقية في سورية، حتى بعد الانتهاء من الحرب على (داعش)، ما يوضح أن الحرب ضد الإرهاب ما هي إلا ذريعة لوأد تطلع السوريين إلى الحرية والخلاص من الاستبداد.

ورابعها، أن روسيا سعت، في الآونة الأخيرة، بعد تمييع بيان ومفاوضات جنيف، وبعد ابتداع مسار تفاوضي آخر في أستانا (منذ مطلع هذا العام)، إلى فتح مسار تفاوضي جديد، في حميميم أو سوتشي (على البحر الأسود)، باعتباره مؤتمرًا لكل مكونات الشعب السوري، بهدف الانقضاض على بيان جنيف ومفاوضات جنيف نهائيًا، على خلفية المكاسب العسكرية المتحققة منذ التدخل الروسي، قبل أكثر من عامين. بيد أن هذا الأمر لم يلق استجابة، على ما يظهر، من الولايات المتحدة الأميركية؛ ما يفسر، ربما، الخلاف الأميركي-الروسي.

على العموم، فإن روسيا التي تغرق شيئًا فشيئًا في الصراع السوري تبدو حائرة، إزاء تصريف عوائد هذه التورط سياسيًا، إن في علاقاتها مع الأطراف المعنية، أي إيران وتركيا، أو إزاء الولايات المتحدة، مع علمها أنها لا تستطيع، ولا تملك إمكانات تصريف استثمارها في الصراع السوري، من دون رضى الولايات المتحدة الأميركية، أو دون التوافق معها، وإلى حين ذلك، ستبقى روسيا متورطة في الصراع السوري، من دون أن تعرف كيفية التخلص من أعبائه، ومن دون أن تعرف كيف يمكن أن تستثمره في هذه المنطقة الحبلى بالمتغيرات العاصفة.


ماجد كيالي


المصدر
جيرون