تغيرت حياته ووصل لحالة نفسية صعبة.. "محمد" مراهق يروي قصته مع الحرب بسوريا



السورية نت - رغداء زيدان

يبدو محمد كأي صبي في سن المراهقة، ولكنه لم يكن يستطيع دوماً أن يرتدي ما يحلو له من ثياب. عاش محمد، وهو الآن في الثامنة عشر، مدة عام تحت حكم تنظيم "الدولة الإسلامية" في ضاحية الباب، على مشارف حلب في سوريا عام 2014. كما أنه تناول طعامه معهم وأقام صلاته معهم لمدة شهر قبل أن يتمكن من الهرب إلى تركيا ثم الانضمام إلى أسرته في لبنان.

وقال: "مررت بالكثير من المرات التي كدت أن أموت فيها" متحدثاً عن المعارك الضارية التي شهدها بين قوات المعارضة وقوات النظام في حلب.

وكان محمد، الذي تم تغيير اسمه لأسباب أمنية، في الثانية عشر عندما اندلعت الحرب في سوريا عام 2011  وقد شهد آثار حرب مدمرة لا يبدو أنها ستنتهي قريباً.

شهد محمد كل شيء من البراميل المتفجرة وهجمات القناصة والفظائع التي ارتكبها "تنظيم الدولة"، وكان لكل ما شهده تأثير بالغ على صحته النفسية، وهو حال كثير من الأطفال الذين عاشوا الحروب في المنطقة.

ويقول محمد: "ذات يوم سقطت قنبلة على منزل جيراننا. اضطررت أن أتحسس طريقي إلى البيت لأنني لم أستطع أن أرى أي شيء بسبب الغبار والركام المتجمع بسبب انهيار المنزل. رأيت امرأة ممددة على الأرض ودماء. سرت قليلاً ورأيت فتاة صغيرة كان نصف جسدها مفقوداً، ثم سرت بعض الخطوات ووجدت أشلاء أطفال متناثرة، رؤوساً وأرجلاً وأذرعاً".

وروى محمد، وهو الأكبر من بين أربعة أبناء، قصة طفولة سعيدة قبل الحرب. كان يذهب إلى المدرسة ويلعب في الشارع مع أصدقائه في الحي وكان يمضى عطلات نهاية الأسبوع في حمام السباحة. وكان محباً للدراسة متفوقاً فيها، ويتنافس مع ابن عمه للحصول على أعلى الدرجات.

كما كان يذهب إلى المسجد للصلاة يوم الجمعة ويحلم بالذهاب إلى الجامعة كي يصبح مخرجاً سينمائياً. ولكن هذه الحياة انتهت عام 2012 عندما طرقت الحرب أبواب حلب.

وقال محمد إن أصدقاءه المقربين تفرقوا وتوزعت ولاءاتهم وانضموا لجماعات متناحرة.

ولكنه يقول إنه لم يكن مهتماً بالقتال وأراد أن يواصل دراسته. كان يقوم بالرحلة الخطرة من حيه الذي تسيطر عليه المعارضة المسلحة إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام لأداء اختبارات المدرسة، على أمل أن يحظى بمستقبل أفضل في يوم من الأيام.

استمعت بانتباه وتركيز عندما كان هذا الشاب يتحدث عن الفظائع التي شهدها، عن الكوابيس التي أصبحت واقعاً. سألته عن سبب انضمامه لـ"تنظيم الدولة" وما كان دوره فيها وعما كان دوره فيها تحديداً، وعن رأيه في معتقداتهم الدينية. وأوضح لي أن الأمر لم يكن باختياره.

وقال محمد إن معظم الصبية جمعوا لحضور "دورة الشريعة"، وهي دورة مدتها شهر لتعليمهم الصلاة وتعاليم الدين كما يراها التنظيم. وأجبر الصبية على ارتداء الملابس التي يرتديها مسلحو التنظيم وعلى أن يطلق شعره كما يفعلون. والذين يخالفون ذلك كانوا يعاقبون، أو يقتلون.

وأضاف محمد "أردت أن أتعلم كيفية الصلاة. في البداية كانوا يتحدثون إلينا برفق وكل ما كنت تتخيله عنهم تغير في تلك الفترة".

وروى محمد أن معرفته الكبيرة بالقرآن وقدرته على تحدث الفصحى بطلاقة مكناه من التفكير في عاداتهم وتعاليمهم ومعتقداتهم. وعندما سألته أما كان يخشى أن يعاقبوه، أجاب أنه لم يعد يخشى أي شيء.

وأوضح "بسبب الحرب التي عايشتها، لم يعد هذا الشيء المسمى خوفاً موجوداً. أصبح الموت أمراً عادياً"، مضيفاً أن الإعدامات بقطع الرأس كانت أكثر ما يؤثر عليه.

وقال محمد "كانوا يعلموننا كيفية قتل الناس (..) ولكن كيف كان باستطاعتي المشاركة في ذلك عندما يتوجب على أن أقتل شخصا؟ قد يكون ذلك ابن عمي أو أخي".

وقال إنه فور إنهاء "الدورة التعليمة"، ذهب لزيارة أحد أقاربه، وساعده على الفرار إلى تركيا قبل فوات الأوان.

"كنت بالتأكيد أخاف أن أصبح مثلهم أو أن يصبح تفكيري مثل تفكيرهم، ولكنني كنت أدرك أن ما يقولونه خطأ وكنت أسيطر على نفسي".

وفور عبور الحدود إلى تركيا، قصر محمد شعره وغير ثيابه. وعمل في حياكة الملابس مدة عام لجمع ما يكفي من المال قبل السفر إلى لبنان ليلتئم شمله مع أسرته التي فرت إلى هناك.

يبدو أن محمد قد حصل على فرصة جديدة، إذ يشتغل في الحياكة في بيروت لإعالة أسرته، وبمساعدة منظمة أهلية في العاصمة اللبنانية، وحصل على الدعم والتدريب لتحويل قصته إلى فيلم.

ولكن محمد يقول شيئاً مغايراً، موضحاً: "مستقبلي قد انتهى ودفن، لا يمكنني أن أحيا حياة طبيعية مجدداً. أشعر أنه كان من الأفضل لي أن أموت في سوريا".

اقرأ أيضا: الحكومة الألمانية توفر طاقة نظيفة لقاطني مخيم الزعتري بالأردن تنهي معاناتهم مع الكهرباء




المصدر