فيتو موسكو.. وقمة سوتشي



استخدمت موسكو حق النقض “الفيتو” للمرة العاشرة؛ بهدف إجهاض القرارات الدولية التي تدين النظام السوري وانتهاكاته، آخرها أمس الخميس، إذ تم تعطيل قرار تجديد تفويض التحقيق المشترك، بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، للتحقيق في استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية. مع أن الفيتو ارتبط -تاريخيًا- في مجلس الأمن، بتوفير الحماية للقتلة والمجرمين والمحتلين، تصر موسكو أن تتشاطر المهمة في إحداث “توازن” للجريمة، بحيث يكون رأسها وجسدها ممتدين، من تل أبيب إلى قصر المهاجرين، فلم يعد للفيتو هوية منسوبة إلى الأمريكي يحمي بها مستوطنًا ومحتلًا، وأصبح للروسي قاتل وفاشي ومستبد يحتمي بفيتو مماثل.

بعد دلائل قوية، نشرتها منظمات محلية ودولية، تشير إلى مسؤولية النظام السوري عن استخدام السلاح الكيماوي عبر هجمات متعددة، ومواصلة استخدامه غاز الكلور، حتى اليوم، في قصف المدنيين؛ تقدم موسكو الرعاية والحماية الدولية لإرهاب وإجرام النظام، من خلال دعمه برًا وبحرًا وجوًا، وإسناده في المحافل الدولية لتأمين نجاته.

لا نبالغ في وصف سلوك موسكو، إن قلنا إنه كان -وما يزال- منذ ستة أعوام، أشدَّ عدائية وعدوانية للشعب السوري، ولا نستثني قاعدته البشعة الممثلة بالنظام والمشبعة بتعاليم الحقد والغرور والصلف، ويتضح من المعطيات الطافحة أن موسكو التي حالت -حتى الآن- دون صدور قرار إدانة للنظام السوري أو حماية الشعب السوري، لن تسمح لمجلس الأمن بأن يتخذ قرارًا، يمس النظام أو يغير من طبيعته. وبعيدًا عن العبارات المستهلكة أو المرونة الشكلية التي تحاول موسكو تقديمها وتسويق المفاوضات تحت رعايتها، أو اللقاءات الدولية المتعلقة بقضية الشعب السوري، تأتي دعوة موسكو إلى قمة ثلاثية، يزمع عقدها الأسبوع المقبل في مدينة (سوتشي)، بين بوتين وروحاني وأردوغان، تحت وقع الفيتو الأخير، للتباحث في سبل إنهاء “الصراع” في سورية، أي ما يعزز مجددًا الشروط والضغوط التي تصوغ السياسة الروسية والإقليمية نحو المعارضة السورية، ولعل المفارقة المدهشة هنا هي أن المواقف الروسية والتركية والإيرانية، على حد سواء، لا تنطلق من مبدأ التسليم بحق الشعب السوري بحريته أو ضمان حمايته من الموت بالغاز أو تحت البراميل والصواريخ، بقدر ما تستند مواقف تلك الدول، وخلفها المجتمع الدولي، إلى ضرورة بقاء وظيفة الأسد في السلطة والمجتمع، والعمل على تأمين مصالح، لا علاقة لها بتوفير الحماية أو دعم تطلعات السوريين.

يمكن القول إن عملية تصفية الحساب، مع ثورة الشعب السوري، لن تتوقف، لألف سبب وسبب، جميعها مدروسة ومحسوبة بدقة، سواء كانت أسبابًا سياسية أم عسكرية أم اقتصادية، قهرية أم غير قهرية، ومن يساوره الشك؛ فليتقصّ هذه الحقيقة، من جموع السوريين المنتشرين في أصقاع الأرض وفي مخيمات النزوح، ومن هيئات ومنصات معارضتهم، التي تتهيأ للالتئام، في الرياض أو إسطنبول أو القاهرة أو موسكو، هل تذهب إلى أستانا أم جنيف أم سوتشي!

الأمكنة كلها تحمل رائحة الخديعة والعار، ومن يحمل غاز السارين والخردل، ويحميه ويفاوض باسمه؛ لا يمكن أن يأتي -باستراتيجية المفاوضات والإرهاب- إلا بنتيجة واحدة، تكفي لإطلاق أحكام جازمة: أولها أن العالم لم يتفهم -حتى اليوم- أبعادَ مأساة الشعب السوري التي امتدت ستة أعوام، وتختزل خمسة عقود من الظلم والقهر، وثانيها: أن بعض الخلان “داعمي” الشعب السوري تنكروا له، وراحوا يبحثون عن أماكن لهم حول المأتم الكبير، وثالثها: أن الشعب السوري يعرف قاتله، حتى لو تنكر العالم كله له بفيتو أو بغيره. بممانعة ومن دونها، نفخٌ بمأساته أم استدارة نحو القتلة والمجرمين، أي الأسباب أثقل من خذلان شعب وقضيته، يمكن أن تثنيه عن المضي في ثورته، وأي أسباب أثقل من تلك الجرائم والمذابح، تثني عن مطلب إسقاط الأسد ومحاكمته.


نزار السهلي


المصدر
جيرون