معارضون: روسيا تخلط الأوراق وتقلب طاولة الحل السوري



ما تزال ردات الأفعال تتوالى، منذ إعلان روسيا عن رغبتها في عقد “مؤتمر الشعوب السورية” في حميميم، ثم في سوتشي، ما بين رفض وقبول من قبل أطياف المعارضة السورية، وترقب في الوقت ذاته. ومن أبرز عناوينه المعلنة مناقشة “دستور” جديد للبلاد.

أبو زيد: روسيا كالأسد “قوة احتلال”

يرى أسامة أبو زيد، الناطق السابق باسم وفد أستانا العسكري، أن المؤتمر المقترح من قبل روسيا هو “قفز فوق إرادة الشعب السوري، وليس المعارضة فحسب”، وقال لـ (جيرون): إن “تقديم مسالة الدستور على الانتقال السياسي، والانخراط في بحث دستور، سيحقق تجاوزًا كليًا لفكرة الانتقال السياسي، باعتباره أهم الخطوات للحل في سورية؛ لما سينتج عنه من صراعات قومية وطائفية بدعم روسي إيراني، الأمر الذي يعزز إمكانية ظهور الأسد من جديد، كحلّ من أجل تجاوز تلك الصراعات”.

رأى أبو زيد أن تأجيل المؤتمر لا يعني تخلي روسيا عن الفكرة، فقد لجأت إلى ذلك لـ “توفر مناخًا أكثر ملائمة لانعقاده، وهو ما يرجح عودة التصعيد العسكري للنظام، بتغطية ودعم روسي، في عدد من مناطق تخفيض التصعيد، ومن جهة أخرى، ستزيد موسكو ضغطها على تركيا، وستفتح الباب أمام النظام والإيرانيين لعرقلة الوجود التركي في إدلب”.

في موقف أكثر تشددًا، وصَف رديف مصطفى، نائب رئيس رابطة المستقلين الكرد السوريين، الروسَ بأنهم “قوة احتلال، تساند نظام مغتصب، وتعدّ شريكة له، وهدفها يتجلى بالالتفاف على مقررات جنيف، من أجل إعادة تأهيل النظام والإبقاء على التشريعات الأسدية”، لافتًا إلى أن محاولتها صياغة دستور هي “اعتداء على حق الشعب السوري في كتابة دستوره الخاص، وأن كل من يقبل بالإصلاحات الدستورية الخارجية يقرّ بسلطة الاحتلال؛ إذ لا يمكن القبول بإبقاء النظام كأن شيئًا لم يكن”.

شيوخ العشائر الموالون للنظام “شبيحة”

أكد الشيخ رافع العكلة -رئيس المجلس الأعلى للقبائل والعشائر السورية- لـ (جيرون)، أن مجلس القبائل تلقى دعوة شفهية للمؤتمر من قنوات دبلوماسية لها، ارتباط بالسفارة الروسية، وعلى إثره، أصدروا بيانهم الرافض للمؤتمر، كونهم يعتبرون أن روسيا هي “شريكة النظام في قتل السوريين”، وبحسب العكلة، فإن المجلس يمثل نحو سبعين بالمئة من النسيج الاجتماعي السوري، وهو “القاعدة الشرعية الوحيدة الكفيلة بالمطالبة بحقوق السوريين”، واصفًا من يظهرون على قنوات النظام، من شيوخ العشائر الذين يحتمل حضورهم للمؤتمر، بأنهم “شبيحة ولا يمثلون إلا أنفسهم”.

صبرا: المفاوضون يفقدون أوراق القوة تدريجيًا

حذّر محمد صبرا كبير المفاوضين في الهيئة العليا للمفاوضات، من الغرق في تفاصيل من سيحضر المؤتمر وأين سيكون، معتبرًا أن كل ذلك “ابتعاد عن الهدف الحقيقي الذي تسعى إليه روسيا، وهو إلغاء كل ثوابت الحل في سورية، وضرب عملية الانتقال السياسي، وتحويل الحدث السوري إلى مجرد نزاعات متعددة الأطراف بين مكونات مجتمعية”.

أوضح صبرا في حديث لـ (جيرون) بعض التفاصيل، وقال: “عندما انطلق مؤتمر أستانا تم سحب القضية من جنيف إلى هناك، ما أضعف المفاوضين في جنيف، وأفقدهم ورقة من أوراق القوة، ففي الجولة الأولى ثبت أن الصراع في سورية هو بين معارضة مسلحة وقوات حكومية، وجاءت الجولة الثانية لتشرع الوجود الإيراني، وتحوّله من قوات احتلال إلى قوات ضامنة لوقف إطلاق النار، وانتهت هذه الجولة عمليًا بتفويض روسيا بتنظيم مؤتمر (سوتشي)، بعد اتصالات تقوم بإجرائها مع الأمم المتحدة، حسب ما جاء في الفقرة الثالثة من البيان الختامي لاجتماعات أستانا”.

غليون: “سوتشي” خدعة روسيا للالتفاف على القرارات الدولية

اعتبر المفكر السوري برهان غليون، الرئيس السابق للمجلس الوطني،  في حديثه لـ (جيرون)، أن “استراتيجية الروس واضحة في سورية، وتنطلق -مثلما هو الحال عند الأسد- من رفض مفهوم الثورة أساسًا، ومطابقتها مع التمرد غير المشروع ضد نظام شرعي، ومن أجل التغلب على هذا التمرد، فإنها تستخدم كافة الوسائل العسكرية أولًا، وهو ما مارسته على الأراضي الروسية، عندما دمّرت مدينة غروزني عاصمة الشيشان على رؤوس سكانها، والسياسات الملتوية لاحتوائه أو احتواء بعض أطرافه، وضرب بعضها ببعض، وهي بذلك تحتاج إلى بعض الأساليب السياسية المتمثلة في الخداع والمناورة؛ لأنها تواجه أطرافًا دولية وإقليمية أمامها، ويدخل مؤتمر (سوتشي) في هذا الصنف من الأساليب الملتوية التي تحاول فيها موسكو الالتفاف على القرارات الدولية، وما تضمنته من الإقرار بحق السوريين بانتقال سياسي، وذلك من خلال تغيير أطراف الصراع ذاتها، وتحويل المعارضة إلى طرف من الأطراف المدعوة، لا وزن له، طالما أن روسيا تتحكم بقائمة المدعوين وحدها، واستدراج المؤتمر إلى اتخاذ مواقف وقرارات تلغي قرارات مجلس الأمن، وتسحب شرعيتها”، لافتًا إلى أن مؤتمر أستانا هدفه “إخراج المفاوضات من مسار الأمم المتحدة ومرجعيتها، ووضعه على سكة مختلفة، وتسييرها من دون أي مرجعية، على هوى موسكو، وحسب موازين القوى العسكرية”.

أما عن موقف الدول الغربية من السياسات الروسية، وخاصة مسعاها الأخير لوضع حل منفرد عبر (سوتشي) أو غيره، فيرى غليون أن موقف الغرب هو “شبه إذعان، وجل ما تطمح إليه القوى الغربية اليوم هو أن تسيطر روسيا على الوضع السوري، وتتكفل بتحديد مصير هذا البلد، وتجنبهم شرور هذه القضية المعقدة، دون أن تضطر إلى تقديم تنازلات لموسكو في أوروبا وبقية مناطق العالم، والقضايا المتنازع عليها”، مؤكدًا أن “لن يكون هناك صراع بين الغرب وروسيا على سورية، فهي في خريطة التقسيم الدولي من نصيب روسيا، وإذا أظهروا بين مناسبة وأخرى بعض الاعتراضات الثانوية أو الملاحظات على سياساتها؛ فذلك لا يندرج تحت إطار التنافس أو الاعتراض على حصتها من القسمة الدولية، إنما إبعادها وإشغالها أكثر ما يمكن عن مناطق أخرى أكثر أهمية بالنسبة إلى الغرب، ومن منطلق إلهاء الكلب بعظمة”.

“الإدارة الذاتية” دُعيت وستذهب

من جهته أكّد نواف خليل، مدير المركز الكردي للدراسات والمتحدث السابق باسم (حزب الاتحاد الديمقراطي) الكردي في أوروبا، لـ (جيرون) أن الدعوة وجّهت لـ “الإدارة الذاتية الديمقراطية”، ومن بينهم (حزب الاتحاد الديمقراطي) الكردي، لافتًا إلى أن الحزب “مع جميع هذه الدعوات، لوعيه التام أن الخروج من الجحيم السوري مسألة لا تتعلق بالسوريين وحدهم، بل هناك قوى سياسية أساسية تتمثل بالولايات المتحدة وروسيا، حددت قوعد الاشتباك عسكريًا وسياسيًا، ولا بد أن يكون لها دور فاعل في القضية السورية”.

أوضح خليل أن “روسيا حققت أهدافها التي تتمثل في الحصول على أكبر قدر من التنازلات بمجرد الدعوة للمؤتمر، الذي كان مقررًا بداية في حميميم، وسمي بمؤتمر الشعوب السورية، ثم تم تغيير المكان”، مشيرًا إلى أنه “بمجرد ذلك التغيير هناك أطراف من المعارضة ستوافق على الحضور، وفي الوقت نفسه غيرت تركيا موقفها الرافض للمؤتمر، إذ إنها هي من أعلن عن تأجيله”. وكانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا قد أكدت أن “بلادها مصرة على مشاركة الأكراد في المؤتمر، وأن موقف روسيا الداعم للأكراد لن يتغير”.

بحسب خليل، فإن “هذه الدعوة ستمكّن الأكراد من طرح وجهة نظرهم، ليرى العالم بأسره أن هناك خارطة طريق، وضعتها الأطراف المعارضة الديمقراطية الفيدرالية، وليس الأكراد والاتحاد الديمقراطي وحدهم، بل جميع الأطراف التي باتت تدير منطقة جغرافية تفوق مساحتها 40 ألف كم مربع”.

لم يرَ خليل داعيًا للتهجم على الروس، بل دعا إلى تقييم دعوتهم وتحضير ما يمكن طرحه، لافتًا إلى أنه “لا يمكن لأحد أن يجبر المعارضة السورية على قبول ما لا تريده”. وفيما يخص علاقة الأكراد بموسكو، قال: إن “الأكراد لا يمكن أن يثقوا بأي طرف دولي، ولن تضع الإدارة الذاتية الديمقراطية والأحزاب الكردية الأخرى، والقوى المتحالفة معها من عرب وسريان، بيضهم في سلة أحد على الإطلاق”.


نور عكة


المصدر
جيرون