حكومة أطمة وسائر المخيّمات



فلمّا رأى آرام السوري صديقه اصطيف.. يضبُّ حقائبه؛ سأله:

وين يا مهوِّن؟ رايح على مخيَّم أطمة. زيارة.. يعني؟

قال اصطيف بصوت رخيم:

– بمهمِّة وطنية عاجلة.. غير آجلة.

فسأله آرام: لصالح أيّ حكومة؟

كيف يعني؟! يعني.. لصالح الحكومة المؤقتة، ولّا لصالح حكومة الإنقاذ!

فامتعض اصطيف من سؤاله:

ما ضلّ غير تقول.. لصالح حكومة دَنَب الكلب؟!.

وقف آرام على رؤوس أصابع قدميه:

ما شاء الله؛ صرنا الشعب الوحيد، من بين كلّ شعوب الأرض، اللِّي عنده 3 حكومات! شوف خَيِّي آرام، نحنا يحقّ لنا شرعًا أربع زوجات. إي.. وشو دخل هَيّ بهَيّ؟! ويحق لنا كمهجَّرين.. أربع بلدان لجوء.

ضرب آرام كفًّا بكَفّ:

هي فتوى جديدة! وشو كمان؟! ومنشان تكمل معك، يا آرام، رايح على مخيَّم إطمة، إعلن حكومة رابعة، جكارة بالطهارة.

رفع آرام يديه مُكبِّرًا.. مُهلِّلًا كما لم يفعل أحد:

وشو رح تسمِّيها.. يا بَعد عيني؟ حكومة إطمة وسائر المخيمات.

فأخذ آرام يُصفّق ويَدبُكُ ابتهاجًا، حتى اجتمع حولَهُ سوريُّو منطقة الفاتح في إسطنبول، ثم حملوا اصطيفًا على أكتافهم، وهم يهزِجُون لحكومته الرابعة:

نَئلِه.. نَئلِه.. ومِيلِي

وائِع بإطمِه.. وما بيدِّي حِيلِه.

وانفرد شاب حلبيُّ بصوته الجهوريّ.. فغنَّى:

كنّا تلَت حكومات.. عَ النَبعَه

إجا اصطيف.. صِرنا أربعَه

ثمّ أنهم اتخذوا له منبرًا، فوق طاولة مطعم شاورما؛ فتنَحنحَ؛ ثم كَحَّ كحَّةً مديدةً، من مقام النكريز؛ ثمَّ خَطَبَ في الحَشدِ.. فقال:

ما حدا أحسن من حدا، وما حدا يزاوِد على حدا، كنّا بحكومة أسديّة مُؤبّدة وثرنا عليها، طلعنا بشو.. بحكومة مؤقتة؛ راتب رئيسها أعلى من راتب رئيس وزراء تركيا وسائر الأناضول؛ وشو عملِت للسوريين.. ولا شي؛ ومين معها من السوريين؟!

فصاح أحدهم: أنا.

وحين رأى الحشد ينظر إليه شزرًا، استدرك:

قصدي.. كنت مُستشار فيها.

فسأله اصطيف: – وشو صار معك.. يا حضرة المستشار؟!

بقيت سنة، وما كنت أُستشَار؛ أنَّبنِي ضميري.. فاستقلت. عفارم عليك.. بَس كأنّك عَم تبكي يا ابني؟! عيَّنوا مكاني 18 مستشار!

فأخذَ معالي اصطيف إطمة إخوان يُواسِيه ويربت على كتفيه:

بسيطة.. الله يجعلها خاتمة الأحزان؛ وهلأ شو عم تشتغل بالغربة؟ فتحت محل.. سَمِّيته: فلافل المستشار.

فصاح مَعَالِيه في الحَشد اللّي حواليه:

– شايفين.. هادا مصير حكومات الفول المدمَّس والتِسئِيَة؛ ومتلها رَح يكون مصير حكومة الإنقاذ بإدلب.. رح تصير حكومة شعيبيّات بالجوز والقِشطة؛ بيكفّينا كلّ واحد يلهَط.. لَهطَه؛ بيكفينا تجار شَنطَه؛ سرقوا الجبنه من تِمّ القطّه..

ومضى في خطابه الثوريّ العتيد؛ فرأى آرام سيارة شرطة “الظابيطا” التركية؛ فتوجّه نحوهم مُرَحِّبًا بهم.. لا يريد لمؤتمر اصطيف الجماهيريّ أن يفرُطَ و.. يتفَرفَط.

سألوه عن سبب هذا التجمُّع الجماهيري وعن ورقة ترخيصه؛ فأجابهم بما تيسَّر له من اللغة التركية:

– هذا حفل افتتاح.. تفضّلوا دوقوا الشاورما السورية.

فمضوا في حال سبيلهم، وقد اقتنعوا نصف اقتناع!

ثم إنّ آرام قد سمع صديقه اصطيف يهتف بالحَشد:

الطريق إلى قصر الروضه.. يمرُّ بإطمِه.

والناس تحمله مُجدَّدًا على الأكتاف.. مُتجِهةً إلى الحدود التركية – السورية؛ حتى دخلوا إطمة ومُخيَّمها آمنين؛ فأطلِقَت الأعيرةُ النارية، ابتهاجًا بإعلان الحكومة الرابعة؛ وستطُلق من جديد.. كلّما أعلن أحدٌ في أيَّ منطقةٍ سوريةٍ نفسَهُ.. رئيسَ حكومةٍ:

لحكومةِ ظِلٍّ.. أو تَظلّ؛ لحكومةِ جِيبٍ أو تَجِيب؛ لحكومات التعفيش في أسواق السُنّة؛ لحكومةِ إسعافٍ؛ لحكومةِ طوارئ؛ لحكومةٍ أوجلانية؛ لحكومةٍ ما بعد بغدادية أو جولانيّة؛ لحكومات الشبّيحة على كلّ حاجزٍ؛ حتى يصيرَ كلّ سوري.. حكومةً مستقلةً بذاتِها، ولذاتها فقط دون السوريين.. أجمعين.

*- من سلسلة: مقامات آرام السوري


نجم الدين سمان


المصدر
جيرون