العائدون إلى حلب.. هواجس الحاضر وأمل بإعادة بناء الشهباء
18 نوفمبر، 2017
قد يبدو من الصعب على العائدين إلى حلب، وخصوصًا إلى القسم الشرقي منها، أن يحملوا الكثير من الأمل والتفاؤل، حيال ما آلت إليه المدينة بعد سنوات عدة من الحرب، ولا يختلف اثنان على أن حلب قد تغيّرت، وأن احتمال عودتها إلى ما كانت عليه مرهونٌ بزمن مفتوح غير محدّد الأجل.
بعد 4 أعوام من النزوح الداخلي واللجوء إلى مدينة كلّس التركية، قرّر (أبو هادي) العودة إلى منزله في حي الإذاعة، برفقة زوجته وابنه الوحيد.
كان (أبو هادي) متحمسًا للعودة إلى منزل العائلة، بعد سنواتٍ من عدم الاستقرار، جغرافيًا ونفسيًا، ولكن ذلك انقلب إلى حسرة وألم، بمجرد وصوله وعائلته إلى الحي، ورؤيتهم حجمَ الدمار الذي تعرّض له، قال أبو هادي لـ (جيرون): “عدنا على أمل استعادة حياتنا الطبيعية، وهربًا من الواقع المعيشي الصعب في تركيا، حيث إننا سنظل غرباء هناك، مهما طالت مدة إقامتنا، ولكن ما رأيناه في حيّنا كان أبنية مدمّرة، وزجاجًا متناثرًا هنا وهناك، لقد كانت صدمتنا تفوق ما توقعناه”.
لم يكن أمرًا سهلا أن يتعايش (أبو هادي) مع الوضع الجديد لمنزله وحيّه، ولكن بدعمٍ مالي من بعض أقاربه، استطاع تأهيلَ المنزل وترميمه، بحيث أصبح صالحًا للسكن في الحدود الدنيا.
“منذ بداية عام 2017، عاد نحو 440 ألف نازح حلبي إلى المدينة والمناطق المحيطة بها. ويُعتقد بأن يكون نحو 300 ألف شخص منهم قد عادوا إلى شرق حلب التي شهدت بعض أعنف الاشتباكات طوال فترة الحرب”، وذلك بحسب إحصائية نشرتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وتركزت عودة العائدين إلى المناطق الأقل تضررًا نوعًا ما، كمساكن هنانو، بستان الباشا، عين التل، سيف الدولة.
تحوّلت الحياة في الأحياء الشرقية الحلبية إلى نضالٍ يومي، مع حجم المشكلات التي يعاني منها المدنيون هناك، من انتشار ركام الأبنية الذي يعوق حركة المرور، وتراكم النفايات التي أصبحت مكوّنًا أساسيًا من معالم تلك الأحياء، فضلًا عن مشكلات المياه والكهرباء التي تغيب يوميًا أكثر من 15 ساعة، كل ذلك يُضاف إلى الهمّ الأكبر، وهو انتشار ميليشيات النظام هناك، وممارساتها السيئة بحق من تعتبرهم (نازحين) غرباء، منحهم النظام مكرمة كبيرة يوم سمح لهم بالعودة إلى منازلهم!
يواجه السكان هناك العديد من التحديات، أهمها متابعة تعليم أطفالهم، وخصوصًا أن العديد منهم انقطع سنواتٍ عن الدراسة، وهناك أطفال لم يرتادوا المدارس نهائيًا، حتى في تركيا أو أي بلد آخر من بلدان اللجوء، وذلك لأنهم ولدوا مع بداية اندلاع الثورة أوائل عام 2011.
في هذا الخصوص، قال أبو هادي: “إن الوضع التعليمي سيئ جدًا في حلب؛ حيث إن غالبية المدارس غير مؤهلة لاستقبال الطلاب، فضلًا عن عدم وجود كوادر تدريسية تغطي حاجة المدارس الموجودة، إضافة إلى موضوع انتشار النفايات أمام مداخل بعض المدارس، وهو أمر يُعوق تنقل الطلاب أولًا، ويجعلهم عرضة للإصابة بالأمراض من ناحية ثانية”، وأضاف: “هذا الوضع يشعرني بقلقٍ حقيقي على مستقبل ابني التعليمي”.
في المعنى ذاته، قالت (سماح)، وهي معلّمة في إحدى مدارس الأحياء الغربية، لـ (جيرون): “حوّلت مديرية التربية الكثير من المعلمين، ولا سيّما الإناث، إلى العمل في مدارس الأحياء الشرقية، لكنهم يرفضون العمل؛ بسبب صعوبة المواصلات في تلك المناطق، ولعدم وجود مدارس مؤهلة صالحة للتعليم، ولكثرة أعداد الطلاب، ما يجعلهم عاجزين عن ضبط الصفوف”.
من أبرز التحديات التي تواجه العائدين إلى حلب، الغياب شبه التام للمراكز الطبية، باستثناء بعض النقاط التي افتتحتها القوات الروسية، في أحياء الكلاسة، والأحياء المحيطة بالقلعة أو ما يُعرف بحلب القديمة، وهي -بحسب عددٍ من السكان- “تُقدّم خدمات طبية بسيطة، بالأخص لكبار السن، كما أن الازدحام أمام هذه النقاط يجعل الحصول على الرعاية الطبية أمرًا صعبًا للغاية”.
في الوقت الذي تعاني فيه الأحياء الشرقية من أزمات معيشية كثيرة، أقلّها تعقيدًا عدم وجود طرق معبّدة، “ينفق النظام 48 مليون ليرة سورية، لصيانة شوارع الأحياء الغربية”، وفقَ صحيفة (الجماهير) المحلية.
ومع غياب شبه تام لأي دعم حكومي، قدّمت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وشركاؤها، للعائدين إلى حلب، الدعمَ اللازم لمساعدتهم في (الوقوف على أقدامهم) مجددًا، وشملت المعونات مواد البناء للمساعدة في إعادة تأهيل المنازل، والخدمات الطبية المتنقلة، وتوزيع الفرش والبطانيات، وتقديم المشورة القانونية، في ما يتعلق بتسجيل المواليد والوثائق المدنية.
يعلم أبو هادي، وأمثاله ممّن عادوا، أن عودة حلب إلى ألقها وسحرها تحتاج إلى عقود من الزمن، لكنه يؤمن بأنه في النهاية سيزول الحطام، وسيعود الناس إلى حياتهم الطبيعية، وأضاف متفائلًا: “ربما لن أكون موجودًا، عندما تعود حلب كما كانت، لكن طفلي سيكبر في مدينة أبيه وأجداده، وربما سيحكي لأولاده عن مدينةٍ لا تعرف الموت”.
نسرين أنابلي
[sociallocker]
جيرون