مؤتمر الرياض وتقلبات المنطقة

18 تشرين الثاني (نوفمبر - نونبر)، 2017
7 minutes

تعود عجلة الدبلوماسية إلى انطلاقة جديدة، تستهدف إحداث اختراق في مسار القضية السورية، بعد أن طرأت استحقاقات جديدة على الوضع السياسي والعسكري، ليس في سورية فحسب، وإنما في ما تعيشه المنطقة الشرق – أوسطية من تقلباتٍ، ستكون تأثيراتها شديدة ومباشرة على مجمل دول المنطقة، وسياسات نظمها السياسية، في ضوء معطيات ثلاث: تطورات الحرب على (داعش)، وفي انتقال التفاهمات الأميركية-الروسية إلى تحديد ملامح التعاون الممكن في سورية، وأخيرًا، تطورات التعاون الإقليمي السياسي والعسكري، بين موسكو والرياض وأنقرة، بصورة خاصة.

يمكننا أن نشير إلى تبلور التوجه لعقد مؤتمر (الرياض 2) الذي دعت إليه الخارجية السعودية، وإلى قمة (سوتشي) الأربعاء المقبل، كمؤشرين دالين على أهمية هذا الحراك السياسي، الذي لا تقف واشنطن بعيدًا منه.

تبدو القمة التي ستجمع قادة الدول الضامنة لاتفاقات مسار أستانا، معنيةً في الاستفادة القصوى، لتأييد الولايات المتحدة لاتفاقات خفض التوتر، بجعل مظلّة القبول الأميركي تمتد إلى باقي المناطق التي أقرّت في أستانا، وألا يكون ذلك مقتصرًا على الجنوب السوري، حيث تكثف واشنطن جهودها لتثبيت الاتفاق، ومنع حدوث انهيار له، في ضوء استمرار نظام الأسد في ارتكاب اعتداءات متكررة، بدعم وانتشار إيراني غير محدود في الجولان.

الرابط الأساس في حراك (سوتشي – الرياض) هو المضي -إنْ أمكن- في خطوة متقدمة، نحو التسوية السياسية للقضية السورية. ويُعدّ تصريح ترامب، بعد إخلاء (داعش) من الرقة، الحامل الرئيس لها، إذ رأى أن ما قامت به الولايات المتحدة هو تمهيد لانطلاقة العملية السياسية في سورية. وتلتقي هذه التوجهات مع سياسة موسكو التي تعتبر أن سحق قوى المعارضة السورية على الأرض، واستعادة حلب ودير الزور، والاستمرار في محاربة “الإرهاب”، يزيل كثيرًا من العقبات أمام الذهاب إلى تسوية، تم إنجاز مفاصل جوهرية فيها عبر أستانا، وفي جملة من التوافقات بين أطراف إقليمية، أهمها العربية السعودية وتركيا، بحيث اقتربت المواقف لدى هذه القوى، من أن اعتماد قرار مجلس الأمن 2254، كمرجعية للتفاوض في جنيف، لم يعد إشكالية تعوق التقدم في مسار التفاوض المقبل. وتعزز هذه الفرضية عقود التسلح التي أبرمتها كل من الرياض وأنقرة، لشراء منظومات (إس 400) الصاروخية من موسكو، تمت الموافقة عليها قبل نحو أسبوع، مهدت الطريق نحو (سوتشي)، وأحدثت تغيرًا جذريًا في الموقف التركي، يجعل مؤتمر “حوار الشعوب السورية” في سوتشي، مقبولًا، إلى درجة الضرورة. ربما!

الإشكالية الأساسية تتثمل في معطى جوهري، هو الموقف من مصير الأسد ودوره في المرحلة الانتقالية. ويبدو أن المفاوضات الروسية-الأميركية حول هذه النقطة، أنتجت توافقًا يدفع بتوافقات مؤتمر فيينا قدمًا نحو التطبيق وعبر جنيف. يبقى الأسد حتى نهاية ولايته الدستورية، وتتحجم صلاحياته إلى أدنى مستوياتها، خلال المرحلة الانتقالية، وأن يُعاد تأهيل مؤسسات الدولة، في مقدمها المؤسسات الأمنية، تبعًا لمتطلبات المرحلة الانتقالية، وبإشراف دولي تأخذ فيه واشنطن وموسكو دورًا محوريًا.

لقد أنجزت موسكو وأطراف دولية أخرى، بما فيها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إعادة تعويم وتأهيل الأسد أكبرِ مجرمي العصر الحديث، وإعادة تشغيل الوظيفة الأسدية، لمرحلة جديدة في المنطقة، بدلًا من الذهاب إلى محكمة دولية خاصة بجرائم الحرب في سورية، وهذا ما يُعد مخالفة واضحة للقوانين الدولية.

الخطوتان اللتان تسبقان الذهاب إلى جنيف 8، تمرّان عبر (الرياض) و(سوتشي)، ولكل منهما وظيفة واجبة التأدية دون انتظار، غير أن ما سوف ينجم عن مؤتمر المعارضة السورية في الرياض، سوف تكون له انعكاسات مفصلية، فثمة مسألتان: الأولى إيجابية، كونها تستهدف توحيد وفد المعارضة إلى جنيف، على الرغم من كل المحاذير التي سوف يتأثر بها المفاوض السوري، نتيجة دخول المنصات إلى وفد التفاوض، بأفكارها، وسياساتها، ورؤاها لظروف التسوية والمرحلة الانتقالية.

والمسألة الثانية تتصل بالتغير الذي ينتظر أن يخرج عنه مؤتمر (الرياض 2)، من ناحية ثوابت الثورة وأهدافها، بالتوجه نحو إدخال تغييرات “مقبولة دوليًا”، أي القبول باستمرار الأسد في المرحلة الانتقالية، وهو ما يتعارض مع مبدأ إسقاط النظام، الذي يرتكز على إزاحة الأسد من المشهد السوري، كشرط لإحداث التغيير الحقيقي الذي يقود إلى بناء دولة ديمقراطية جديدة.

لضمان خروج الحراك السياسي الحالي بنتائج إيجابية، ثمة شرط أميركي، يتعلق بخروج إيران من سورية. لا يُطالب البيت الأبيض بتحجيم دورها، أو بتحديد وتقليص وجودها، بل بقطع أي علاقة للنظام الأسدي، مع إيران، قد تستدعي في أي حال من الأحوال استمرار الوجود الإيراني. وفي الواقع ثمة موقف أميركي آخذ بالتشكل، ينظر إلى فشل اتفاق خفض التوتر في جنوب سورية، في منع إيران من تعزيز وجودها، وخصوصًا في المناطق المطلة على حدود (إسرائيل) في الجولان المحتل، وعدم التزام روسيا بمنع ذلك، وهو ما يسمح بزيادة احتمال حدوث تدخل عسكري إسرائيلي في سورية، في المرحلة القريبة.

التوافق الروسي–الأميركي، لم يعكس تخفيف حدّة الخلاف بينهما، على قضايا أخرى تتعلق بسورية، ومن شأن قمة سوتشي أن تشكل ردًا على مطالب إدارة ترامب بشأن طهران، فهي طرف ضامن لاتفاقات “خفض التوتر”، كما أن نظام الأسد لا يمتلك قرارًا سياديًا، يُنهي بموجبه دور الحرس الثوري، في مختلف مفاصل ما تبقى من الدولة السورية.

نتائج لقاءات (الرياض) و(سوتشي)، يُفترض أن تلتقي في (جنيف)، إن كانت القوى الدولية قد وطنّت إرادة المضي في التسوية، بالرغم من كل الملاحظات التي يسوقها السوريون حول مؤتمر الرياض وحوار سوتشي، بأهدافهما وظروفهما، وحيثيات الدعوة إليهما، وبشكل خاص إلى (الرياض 2)، في ظل عدم وجود قوى سياسية فعّالة في المشهد السوري.

ثمة قلق كبير لدى السوريين، يُثار بشأن ذلك، وخشية من التورط في التفريط بتضحيات السوريين؛ نتيجة لضغوطات إقليمية ودولية أضحت معروفة. خاصة أن مؤتمر (الرياض 2) يأتي في ظل انغلاق السبل، بعد قرابة ثلاث سنوات من عمر هيئة التفاوض، إذ ما تزال المعارضة السورية -لأسباب ذاتية وظروف دولية- عاجزةً عن الخروج من عنق الزجاجة. وفي الحقيقة، كان يُفترض قبل ذلك، بل من الواجب، إجراء مراجعة فكرية وسياسية وتنظيمية شاملة، ما تزال هيئة التفاوض والائتلاف، يديران الظهر لها.

عبد الرحمن مطر
[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]

جيرون