الغارديان: استراتيجية نظام الأسد: “الجوع أو الركوع” هي “جريمة ضد الإنسانية”



تقرير منظمة العفو الدولية الذي يتحرى الحصار وعمليات الإخلاء، بعد أسابيع من نشر صور طفل جائع في الغوطة، يلفت الانتباه إلى محنة السوريين المحاصرين

إخلاء المدنيين من شرق حلب في كانون الأول/ ديسمبر 2016. تصوير: غيث السوري/ وكالة حماية البيئة

قال تقريرٌ صادرٌ عن منظمة العفو الدولية: إنَّ القوات الموالية لبشار الأسد ارتكبت جرائم ضد الإنسانية، من خلال استراتيجية “الجوع أو الركوع“، والحصارات التي دمّرت المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.

يعاين التقرير الذي يصدر يوم الإثنين، 13 تشرين الثاني/ نوفمبر، أربع صفقاتٍ “للمصالحة”، بين نظام الأسد، والمعارضة في حلب وحمص وداريّا، فضلًا عن اتفاقٍ شمل أربع مدنٍ محاصرة، اثنتان من قِبل الحكومة، واثنتان من قِبل المتمردين، وأدى إلى تشريد عشرات الآلاف من المدنيين، بعد سنواتٍ طويلة من الحصار، والقصف العشوائي.

مع أن التقرير يخلص إلى أنَّ جميع أطراف الصراع قد انتهكت القانون الدولي، لكنه يقول: إنَّ استراتيجية النظام، المتمثلة في منع إمدادات الغذاء والدواء الأساسية، بطريقة منهجية، من الدخول إلى المناطق المدنية، مع تصاعد حملات القصف تصل إلى جرائم حربٍ، وجرائم ضدَّ الإنسانية. وذكر التقرير: “بشكلٍ جوهري، مكّنتْ الصفقات الحكومة من استعادة السيطرة على الأراضي، من خلال التجويع أولًا، ثم طرد السكان الذين رفضوا سيطرتها”.

يُعتقد أنَّ أكثر من 500 ألف شخصٍ يعيشون في المناطق المحاصرة في سورية؛ حيث ظهرت محنتهم بشكلٍ حاد، الشهر الماضي، عندما ظهرت صور طفلةٍ جائعةٍ في الغوطة الشرقية التي تسيطر عليها المعارضة، بالقرب من العاصمة دمشق. كانت والدتها غير قادرةٍ على إطعامها، بسبب نقص الطعام، وهذا يعني أنها كانت أضعف من أن ترضع طفلتها بشكلٍ طبيعي؛ وقد ماتت الطفلة.

قال مسؤولٌ بارز في الأمم المتحدة، يوم الخميس 9 تشرين الثاني/ نوفمبر: إنَّ سكان الغوطة الشرقية البالغ عددهم 400 ألف نسمة على وشك الدخول بـ “كارثة كاملة” ناجمةٍ عن منع وصول المساعدات. وقال جان إيغلاند، كبير مستشاري المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سورية: “أشعر كما لو أننا نعود الآن إلى بعض الأيام الأشدَّ قتامةً في هذا الصراع”.

عاين تقرير منظمة العفو الدولية صفقات الحصار، والإخلاء في مدينة “داريّا” قرب دمشق، وحلب، وحيّ الوعر في حمص، وبلدات مضايا والزبداني، وكفريا والفوعة، التي تمَّ إبرامها في الفترة ما بين آب/ أغسطس 2016 وآذار/ مارس 2017. من خلال مقابلات أُجريت مع 134 شخصًا، بمن فيهم سكان نازحون، ومسؤولو الأمم المتحدة، والعاملون في المجال الإنساني.

خلص التقرير إلى أنَّ الحكومة تقيّد المساعدات الإنسانية، والطبيّة التي لا غنى عنها، في وقتٍ تقوم فيه بشنّ هجماتٍ على المدنيين، والمستشفيات، والأسواق والمنازل، وهي انتهاكاتٌ ترقى إلى مستوى جرائم الحرب. كما أفاد أنَّ الحصار، والقتل غير المشروع، والتهجير القسري، أمور تعدّ هجومًا “منهجيًا واسع الانتشار” على السكان المدنيين، وجريمة ضد الإنسانية. واتهم التقرير المتمردين الذين حاصروا كفريا والفوعة، بعرقلة المساعدات، والقصف العشوائي للمناطق المدنية، وبالهجمات التي تصل أيضًا إلى جرائم الحرب.

وصفت الحكومة السورية العديد من الاتفاقات المثيرة للجدل، لإجلاء المدنيين في المناطق المحاصرة التي يسيطر عليها المتمردون، بصفقات للمصالحة. في حين يعترف المسؤولون الإنسانيون بأنَّ عمليات الإجلاء تنقذ الأرواح المعرّضة للخطر مع استمرار القتال، لكنَّ قلةً منهم يعتقدون أنَّ أولئك الذين يغادرون لا يملكون أي خيار، إذ يواجهون في كثيرٍ من الأحيان خطر العقاب غير القانوني، أو سحبهم إلى الجيش، أو أيّ عقابٍ آخر، بسبب بقائهم في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.

في كثيرٍ من الحالات، أفاد المدنيون الذين يعيشون تحت الحصار أنَّهم لجؤوا إلى تناول الأعشاب، أو الماء المغلي مع التوابل، في انتظار وصول المساعدات من مستودعات الأمم المتحدة، التي تقع على بعد أميالٍ قليلة فقط، لكنَّ الحصار الحكومي يمنعها من الوصول إلى المحتاجين. وقد وصف أحد المدنيين، في التقرير، الحياةَ في داريا المحاصرة بأنَّها تشابه الحياة “في العصور الحجرية”. وأكدّت صور الأقمار الصناعية أنَّ القوات الموالية للأسد أحرقت الحقول الزراعية المحيطة.

على نحوٍ منفصل، فإنَّ الحصار المستمر للغوطة الشرقية، والذي بدأ منذ عدّة سنوات، وشُدّد بعد هجومٍ حكومي في نيسان/ أبريل، لم يترك للمدنيين سوى القليل من الطعام، أو اللوازم الطبية. حيث يبلغ سعر الكيلوغرام الواحد من الأرز حوالي 12 دولارًا أميركيًا، في حين أنَّ سعر السكر هو يعادل حوالي 27 دولارًا، ويرجع ذلك أساسًا إلى الحصار، ولكن ثمة سبب، يتعلق بالتسعير الجائر من قبل التجار المحليين؛ ما يبعد المواد الغذائية الأساسية عن متناول المواطنين الجوعى. ويقول السكان: إنَّ حليب الأطفال، وحتى المسكنات غيرُ متوفرةٍ، وإنَّ القليل منهم لديه كهرباء، لأنّ ثمن الوقود مرتفع جدًا.

يقول رائد سرويل، وهو ناشطٌ في مدينة دوما: إنَّ الأمهات الحوامل يتعرضن للإصابة، وهو أمرٌ يؤدي إلى انتشارٍ أكبر لأمراض القلب، لدى الرضّع، فضلًا عن الأمراض المعدية، مثل التهاب السحايا.

الغوطة الشرقية هي واحدةٌ من عدّة مناطق “تهدئة”، تم إنشاؤها بموجب اتفاقٍ توسطت فيه روسيا وتركيا؛ للحدِّ من العنف في سورية. لكنَّ الحكومة تواصل فرض حصارٍ على المنطقة، مع وجود غارات جوية في الأيام الأخيرة.

وقال سرويل: “هناك جوعٌ كبير بين الناس”. وأضاف: “إنّه لمشهدٌ اعتيادي الآن أنْ نرى امرأةً تقف حول أكوام القمامة على أمل أن تجد شيئًا ما يمكن أن يُؤكل. يذهب الأطفال إلى المدرسة في الصباح جياعًا، من دون تناول أيّ لقمة، بحيث يصعب كثيرًا عليهم أن يركّزوا في الصفوف. “أساسياتُ الحياة غائبة، هنا“.

اسم المقالة الأصلي Assad regime’s starve or surrender strategy ‘a crime against humanity’ الكاتب كريم شاهين، Kareem Shaheen مكان النشر وتاريخه الغارديان، The guardian، 13/11 رابط المقالة https://www.theguardian.com/world/2017/nov/13/assad-regimes-starve-or-surrender-strategy-is-a-war-says-amnesty عدد الكلمات 784 ترجمة أحمد عيشة


أحمد عيشة


المصدر
جيرون